أزمة التعليم.. السعودية تواجه تحديات كبيرة لتطوير المناهج التعليمية

تُظهر أزمة تعليمية عميقة في نظامنا التعليمي الحالي تتطلب تأملاً جاداً وإصلاحات فورية، إذ بالرغم من ضخامة الميزانيات التي تجاوزت 3 تريليونات ريال خلال خمسة وعشرين عاماً، فإن جودة التعليم لا تلبي طموحات رؤية 2030 ولا تطلعات الطلاب وأسرهم، وتتبدى هذه الأزمة في عدة أبعاد اقتصادية واجتماعية وأمنية وثقافية تتطلب تجديداً كاملاً وشاملاً.

متطلبات أساسية لتحسين جودة التعليم في ظل أزمة تعليمية بالمملكة

يتوجّب على أي نظام تعليمي يسعى للنجاح أن يرتكز على ركائز واضحة وقوية، لكن واقعنا الحالي يعاني من تقصير واضح في تفعيل هذه المتطلبات، ومن أهمها: وجود رؤية وطنية موحدة تدمج التعليم برؤية 2030 بشكل عملي؛ تحديث السياسات التعليمية التي لم تُراجع منذ نحو خمسين عاماً بما يتناسب مع متطلبات العصر؛ ترسيخ نظام تعليمي شامل ينسق وينظم كل العمليات التعليمية؛ تعزيز حوكمة التعليم عبر آليات تقييم ومساءلة فاعلة ترفع كفاءة المؤسسات التعليمية وتضمن جودة المخرجات. هذه الركائز تعد نقاط انطلاق حيوية لإحداث نقلة نوعية تغير الواقع التعليمي المتراجع.

أبرز مؤشرات الأزمة التعليمية وضعف جودة التعليم في المملكة

تتجلى أزمة التعليم في المملكة بوضوح من خلال مؤشرات عدة، أهمها ضعف مستوى الطلاب في المواد الأساسية كما يظهر في نتائج اختبارات التقييم الدولية مثل PISA وTIMSS التي تصنف المملكة في مراتب متأخرة عالمياً؛ ضعف الثقة المتصاعد بين منظومة التعليم والطلبة والأسر والمعلمين، الأمر الذي يفسر ظاهرة الغياب والتسرب المدرسي المتزايدة؛ عدم الاستمرارية في سياسات التطوير وتحولها إلى مبادرات فردية متفرقة دون دمجها في منظومة متكاملة مبنية على رؤية وطنية؛ ارتفاع الفاقد التعليمي الذي ازداد ليصل إلى ثلاث إلى أربع سنوات بعد جائحة كورونا، مما يمثل نسبة عالية جداً على المستوى العالمي؛ وأخيراً عدم تناسق جودة التعليم مع حجم الإنفاق الاستثماري والقرارات السامية، حيث حصلت فقط 299 مدرسة على درجة التميز من بين أكثر من 30 ألف مدرسة حكومية وخاصة.

تداعيات الأزمة التعليمية على الاقتصاد والمجتمع والأمن الوطني

تأثير الأزمة التعليمية لا يقتصر على القطاع التعليمي وحده، بل يمتد بشكل مباشر على مختلف أبعاد التنمية؛ اقتصادياً، تشير الأبحاث إلى أن الدول التي تمتلك أنظمة تعليمية متطورة تنمو اقتصادياً بنسبة أعلى بمقدار 2% سنوياً عن غيرها، بما في ذلك تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وشركة McKinsey التي تؤكد أن التعليم الجيد يزيد دخل الفرد بنسبة 8-13% وكل تحسن في نتائج PISA يعزز الناتج المحلي بنسبة تصل إلى 2% سنوياً؛ اجتماعياً، يرتبط تراجع جودة التعليم بارتفاع معدلات البطالة والجريمة، ويُفاقم تراجع جودة الحياة، ويحرم المجتمع من منتجين قادرين على دعم المعرفة والابتكار؛ أمنياً وفكرياً، ينتج عن التعليم الرديء أفراداً تفتقر مهارات التفكير النقدي، مما يزيد من هشاشة المجتمع ويجعله عرضة للأفكار المتطرفة التي تهدد الاستقرار. هذه التداعيات تؤكد أن استمرار الأزمة التعليمية يؤثر سلباً على مستقبل المملكة ويضعف قدرتها على المنافسة عالمياً.

البعدالتأثير
الاقتصادينمو أقل بنسبة 2% سنوياً، انخفاض دخل الفرد، خسائر اقتصادية بسبب ضعف الابتكار والإنتاجية
الاجتماعيارتفاع معدلات البطالة والجريمة، تدني جودة الحياة، تراجع الدعم المجتمعي للتعليم
الأمني والفكريانتشار هشاشة فكرية، ضعف مهارات التفكير النقدي، زيادة التعرض للأفكار المتطرفة

لمعالجة هذه الأزمة التعليمية الحادة، لا بد من تنفيذ خطوات جذرية تبدأ بتأسيس مجلس أعلى للتعليم يضع نموذجاً إصلاحياً شاملاً ينفذ بشكل مباشر، ويتجاوز الإصلاحات الجزئية التي تفتقر إلى التكامل، مع اعتماد رؤية تعليمية وطنية متوافقة مع رؤية 2030 تدمج مهارات العصر الجديد مثل الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، وتربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل بوضوح. إقرار هذه الخطوات يضمن وقف الانحدار التعليمي بعد سنوات من التراجع، ويعيد بناء نظام تعليمي قادر على تلبية طموحات القيادة ورسم مستقبل أكيد للأجيال القادمة.