ارتفاع الطلب.. القلق الشعبي يدفع الدولار للصعود

دولرة الاقتصاد الجزئية وتأثيرها على الاستقرار المالي في ليبيا

تُعد دولرة الاقتصاد الجزئية من الظواهر التي تؤثر بشكل ملحوظ على هشاشة النظام المالي خلال الأزمات، لا سيما مع تقلبات أسعار الصرف وتغيّر قيمة العملة الأجنبية التي تؤثر بشكل مباشر على الميزانية العامة للدولة. هذه الظاهرة أضحت موضوعًا محوريًا في النقاشات الاقتصادية الليبية، خاصة في ظل استمرار تراجع الدينار وارتفاع الاعتماد على الدولار الأمريكي.

التحديات الاقتصادية ودور دولرة الاقتصاد الجزئية في ليبيا

يرى الخبير الاقتصادي طارق الصرماني أن ارتفاع الطلب على الدولار يعكس قلق المواطنين من استمرار انخفاض قيمة الدينار، وهو ما يؤدي إلى ضغوط متزايدة على الأسعار المحلية وارتفاع تكلفة المعيشة؛ مشيرًا إلى أن التعامل بالدينار أصبح محفوفًا بالمخاطر خاصة بالنسبة للأجهزة المستوردة المرتبطة أسعارها بالعملات الأجنبية. في هذا السياق، يضطلع الدولار بدور توفير استقرار نسبي لكل الأطراف، لكنه في ذات الوقت يكشف هشاشة النظام النقدي وغياب السياسات المالية الرادعة التي تحمي القوة الشرائية للمواطنين.

أهمية دولرة الاقتصاد الجزئية ومؤشراتها في ظل الأزمات المالية

يوضح أستاذ الاقتصاد أحمد أبولسين أن الدولرة، وهي استخدام عملة أجنبية بالتوازي مع العملة المحلية، أصبحت وسيلة متبعة لمواجهة الأزمات الاقتصادية وتقلبات أسعار الصرف. فالدولرة تسهم في تقليل معدلات التضخم، واستقرار الأسعار، وزيادة ثقة المستثمرين، كما تسرّع اندماج الاقتصاد المحلي مع الأسواق العالمية. وفي شرح مصطلح دولرة الاقتصاد الجزئية، يشير أبولسين إلى أن استخدام عملتين أو أكثر بالتوازي يعتمد على نوع المعاملات؛ حيث يُستخدم الدينار للمعاملات الصغيرة، بينما يُعتمد الدولار للصفقات الكبرى.

يؤكد أبولسين أيضًا أن دولرة الاقتصاد الجزئية قد تزيد من هشاشة النظام المالي عند مواجهة أزمات حادة، وذلك بسبب تقلبات أسعار الصرف وتأثيرها على الميزانية العامة المرتبطة بتغير قيمة العملة الأجنبية. ويُبين أن تقييم مدى اعتماد الدولة على الدولرة يعتمد على مؤشرين رئيسيين:

  • نسبة الودائع بالعملة الأجنبية إلى إجمالي ودائع النظام المصرفي
  • نسبة الأصول النقدية التي يحتفظ بها المواطنون بالعملة الأجنبية مقارنة بإجمالي أصولهم
المؤشروظيفته في تقييم الدولرة
نسبة الودائع الأجنبيةتقيس مدى اعتماد النظام المصرفي على العملات الأجنبية
نسبة الأصول النقدية الأجنبيةتعكس درجة اعتماد المواطنين على العملات الأجنبية في أصولهم المالية

توجه السوق الليبي نحو دولرة الاقتصاد الجزئية وتأثيرها على قطاع الإلكترونيات

يعكس اللجوء إلى دولرة الاقتصاد الجزئية ضعف السياسات النقدية المحلية، لكنها في كثير من الأحيان تكون الحل العملي الوحيد للحفاظ على القوة الشرائية، لا سيما في الأسواق الحساسة مثل سوق الإلكترونيات والعقارات. وفي طرابلس، يتجه المستهلكون بشكل متزايد إلى أسواق الإلكترونيات، خاصة سوق الظهرة للحواسيب المحمولة، بحثًا عن أحدث الأجهزة، وسط تحديات ترتبط بتذبذب أسعار العملة المحلية وصعوبة التعامل بالدينار الليبي. مما يدفعهم إلى اللجوء لدفع ثمن هذه الأجهزة بالدولار، الذي يُعد الأكثر استقرارًا وسط انخفاض مستمر لقيمة الدينار في السوق الموازية.

يمثل هذا التوجه انعكاسًا واضحًا لتأثير دولرة الاقتصاد الجزئية على حياة المواطنين اليومية، حيث تستحوذ الدولرة على مساحة متزايدة في الاقتصاد المحلي نتيجة الأزمات المستمرة وتراجع الثقة في العملة المحلية والاستقرار المالي. ويُظهر هذا الوضع الحاجة الملحة إلى سياسات نقدية مالية فعالة تنظم استخدام العملات الأجنبية وتقلل من تأثير التقلبات على الاقتصاد والميزانية العامة للدولة.