توترات غير مسبوقة.. بنوك مركزية عالمية تواجه تداعيات الخلاف بين ترامب ورئيس الاحتياطي

مجلس الاحتياطي الأمريكي وضغوط ترامب تثير تساؤلات حول استقلالية البنك المركزي وقدرته على مواجهة التضخم، وسط مخاوف من تأثير هذه التدخلات السياسية على استقرار الأسواق المالية العالمية

بدأ محافظو البنوك المركزية في العالم يتابعون بقلق متزايد العاصفة السياسية التي تعصف بمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي الأمريكي) خلال اللقاء السنوي في منتجع جبلي بأمريكا، إذ أثارت محاولات الرئيس دونالد ترامب لإعادة تشكيل مجلس الاحتياطي والضغط عليه لتخفيض أسعار الفائدة تساؤلات جادة حول استقلالية البنك وقدرته على التحكم في التضخم، خاصة في ظل الضغوط المستمرة على رئيس المجلس جيروم باول وإجراءات إقالة أعضاء آخرين.

تداعيات فقدان استقلالية مجلس الاحتياطي الأمريكي على الاستقرار الاقتصادي العالمي

تؤكد النقاشات العميقة التي جرت بين 12 محافظًا لبنوك مركزية عالمية على هامش الندوة أن فقدان استقلالية مجلس الاحتياطي الأمريكي يشكل تهديدًا مباشرًا لمكانته كمؤسسة مركزية قادرة على ضبط التضخم والمحافظة على استقرار الاقتصاد العالمي، حيث قد يؤدي ذلك إلى اضطرابات حادة في الأسواق المالية، مع زيادة مطالب المستثمرين بمكافآت أعلى لشراء السندات الأمريكية وإعادة تقييم دور سندات الخزانة كثروة حيوية للنظام المالي الدولي.

وقد بدأت البنوك المركزية حول العالم بالفعل تأهبها لمواجهة هذه السيناريوهات، حيث أبلغت مؤسساتها التابعة بضرورة مراقبة انكشافها على الدولار الأمريكي. في سياق متصل، سيكون تراجع دور مجلس الاحتياطي الأمريكي خاتمة لنظام استمر نحو أربعة عقود منذ أن تمكن بول فولكر، رئيس المجلس السابق، من كبح التضخم العالي، وهذا النظام هو نموذج يقتدي به معظم البنوك المركزية التي تحرص على استقلالية قراراتها والتركيز على هدف المحافظة على التضخم عند مستوى مقارب لـ2%، كما يؤكد يواخيم ناجل، محافظ البنك المركزي الألماني وعضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي: «يصبح من الضروري تذكيرنا أن الاستقلالية ليست أمرًا مضمونًا ويجب العمل على الحفاظ عليها لضمان استقرار الأسعار».

كيف تؤثر اللعبة السياسية لترامب على استقلالية مجلس الاحتياطي الأمريكي؟

لم تُظهر الأسواق المالية حتى الآن مخاوف عميقة حول استقلالية مجلس الاحتياطي الأمريكي، حيث يستمر الارتفاع في مؤشرات الأسهم الأمريكية، دون تسجيل أي ارتفاع في عوائد سندات الخزانة أو توقعات التضخم التي تعكس تهديدًا لمصداقية البنك المركزي، إلا أن استمرار ضغوط ترامب السياسية على المجلس يمكن أن يؤدي إلى فقدان السيطرة على السياسة النقدية. ومن المعروف أن ترامب يستطيع تعيين رئيس جديد بعد انتهاء ولاية باول في مايو، لكنه يحتاج إلى رحيل مزيد من أعضاء المجلس السبعة ليتمكن من تعيين أغلبية تابعة له، مما يضاعف من الأثر السياسي على استقلالية البنك.

  • الضغط على جيروم باول للاستقالة
  • محاولات إقالة ليسا كوك
  • تشكيل أغلبية بمجلس المحافظين تسمح بالسيطرة السياسية

شبكة البنوك الاحتياطية الأمريكية ودورها في الحفاظ على توازن مجلس الاحتياطي وسط الضغوط السياسية

تتألف شبكة مجلس الاحتياطي الفيدرالي من 12 بنكاً احتياطياً إقليمياً، يتناوب رؤساؤها على التصويت في تحديد سياسة أسعار الفائدة، وهي بنية أساسية توسع من استقلالية البنك عبر توزيع السلطة إلى المجالس المحلية، مما يقلل من تأثير الضغوط السياسية المباشرة من واشنطن. ومع ذلك، فقد كشفت علاقة ترامب المتوترة مع البنك المركزي الأمريكي هشاشة استقلالية البنوك المركزية الأخرى حول العالم، حتى البنك المركزي الأوروبي الذي يكافح دوماً لإثبات استقلاليته في ظل ضغوط سياسية من حكومات دول الاتحاد الأوروبي.

وتكررت انتقادات أحزاب يمينية ويسارية للبنوك المركزية في عدة دول أوروبية مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا، كما تحولت تعيينات محافظي البنوك المركزية في بعض البلدان إلى ساحة لتصفية حسابات سياسية، كما حدث في اليابان حيث تدخل رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي لاختيار هاروهيكو كورودا عام 2013، وأطلق برنامجًا موسعًا لشراء الأصول ساعد في إضعاف الين وتنشيط النمو، لكنه أثار دهشة المحافظين الذين اعتبروه انحرافًا عن الاستقلالية التقليدية للبنك.

الحدث التأثير
محاولات ترامب لإقالة أعضاء مجلس الاحتياطي تهديد استقلالية البنك المركزي الأمريكي
دعم محافظي البنك المركزي الأوروبي لجيروم باول تعزيز موقف الاستقلالية والتمسك بسياسة نقدية مستقلة
تعيين هاروهيكو كورودا في اليابان سيطرة سياسية على البنك المركزي وإضعاف استقلاليته

وأشار ترامب علنًا إلى أن انتهاء ولاية باول في مايو لا يتطلع إليه فحسب، بل بدأ أيضًا في البحث عن خليفة مناسب، ما يعكس إستراتيجية قد تكون مستوحاة من الخطوات التي سار عليها رئيس الوزراء الياباني السابق، بينما يرى خبراء كبرى أن هذه التحركات تفتح الباب أمام حكومات أخرى، وخصوصًا الشعبوية، للضغط على البنوك المركزية وفرض سيطرتها عليها، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة تقلب الأسواق على مستوى العالم. وعبّر موري أوبستفيلد، الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي وكبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، عن قلقه، قائلاً إن السيطرة على مجلس الاحتياطي الفيدرالي تمثل نموذجًا سيئًا للغاية قد يحتذيه آخرون، معربًا عن التساؤل حول كيف لا تستخلص الدول الأخرى الدروس من مثال الولايات المتحدة التي كان من المفترض أن تكون معقلًا للضوابط والتوازنات المؤسسية وسيادة القانون؟