الطبقية الثقافية.. د. عبدالله الغذامي يكشف أبعاد الانقسامات الاجتماعية في المجتمع الحديث

المقولات القديمة عن الطبقية المتعالية والنخبة قد عزلت الطبقات على أساس تعسفي، حيث كانت هناك فئة تسمى الخاصة، مقابل العامة، ومع هذه الثنائية ظهر المفهوم الشائع عن “المضنون به على غير أهله”، أي وجود علوم لا تُقدم للعامة، ما خلق فاصلًا واضحًا بين الأمي والقارئ والكاتب، وهذا الفاصل منح ميزة لذوي القلم على حساب الأميين، خصوصًا النساء اللاتي حرمن من التعليم بقرارات مفروضة، مع مزاعم تحذيرية من تعليم المرأة القراءة والكتابة باعتبارها فسادًا، مما أسهم في عزلة طويلة للمرأة عبر ثقافات متعددة.

المقولات القديمة عن الطبقية المتعالية وأثرها على تعليم المرأة

كانت المقولات القديمة عن الطبقية المتعالية تنطلق من فرضية أن العلوم خاصة بفئة معينة، ما أدى إلى اعتماد مفهوم لا ينبغي فيه تقديم علوم الخاصة للعامة، وهو ما عرف بمقولة “المضنون به على غير أهله”؛ فكان هناك فاصل بين الأمي ومن يقرأ ويكتب، وهذه الفواصل كانت تمنح أصحاب القلم مزايا اجتماعية دائمة، كتمييزهم عن الأميين والنساء اللاتي جعلهن الأميون عرضة لحرمان متعمد من التعليم، حيث توجد أقاويل تحذر من تعليم المرأة القراءة والكتابة باعتبار ذلك فسادًا عظيمًا؛ لذا عاشت المرأة معزولة في معظم ثقافات الغرب والشرق لقرون طويلة.

تجربتي في ميدان الكتابة الصحفية وكسر الحواجز الأكاديمية

حين شرعت في الكتابة الصحفية مع بداية مشواري الأكاديمي، نبهني زملائي إلى خطر إهدار قيمتي الأكاديمية عند المشاركة في الصحافة، مؤكدين أنني قد أتعرض لهجوم صحفي بسبب ظهوري العلني، غير أني لم أعبأ بتحذيراتهم، بل أصبحت محط أنظارهم، فهم يطرحون مقالات تنتقدني ويذكرون تحذيراتهم، لكنني حافظت على صمودي وسط مناورات الصحافة، وواصلت البحث العلمي والتخصصي جنبًا إلى جنب مع الكتابة الصحفية، مستفيدًا منها في تهذيب اللغة، بحيث يصبح الخطاب مفهوماً للعموم مع احترام المنهجية الأكاديمية، مع مواظبة على الدقة في المصطلحات العلمية، دون تبسيط يقلل من القيمة النظرية.

تطوير مهارات الكتابة والإيجاز من خلال تحديات تويتر و”التوريقة”

لم يكن تليين الخطاب وتهذيب اللغة أمراً سهلاً، لكن عبر التجربة تعود ذهني على اللغة السلسة العلمية، مقتديًا بقوله هنري ميشو عن جمال البساطة التي لم يكتشفها سابقًا، ومع انطلاقي في تويتر، والتحدي بالكتابة بحروف محدودة (140 حرفًا)، واجهت صعوبة كبيرة في شرح المصطلحات العلمية دون المساس بحقها أو المعنى؛ ومع التمرين نجحت في تحقيق توازن بين الإيجاز والدقة، واكتشفت قوتي في اختصار الكلمات وتبسيطها، فابتكرت نظام “التوريقة”، وهو كتابة مقالات قصيرة جدًا للصحافة، لا تتجاوز بضعة أسطر عوضًا عن الصفحات الزمنية القديمة، وهو درس لغوي وفكري تعلمته من اقتصاديات لغة تويتر، وكان التحدي يكمن في الحفاظ على معنى واضح دون غموض أو نقصان، ولذا شعرت بحزن عندما زاد تويتر عدد الحروف إلى 280، إذ انخفضت متعة التحدي في الإيجاز الدقيق؛ وكانت تجربة تويتر – أو “إكس” سابقًا – تجربة حازمة في تعريض الذات لردود فعل متنوعة، مما يبرز أهمية كسر الانغلاق الأكاديمي، إذ يعزز ذلك تهذيب الحس النخبوي الزائف وحس التحصين الذاتي المسبب للعزلة العقلية والروحية، وما من شخص يستمتع بالطبقية إلا من شعر بالنقص وخاف الظهور أمام الآخرين.

  • المقولات القديمة أنشأت فواصل اجتماعية تعسفية بين الخاصة والعامة.
  • أميّة النساء فرضت ثقافيًا بالعزلة وتقييد التعليم.
  • المسيرة المهنية جمعت بين البحث العلمي والكتابة الصحفية كوسيلة تهذيب لغوي.
  • تحديات تويتر ساعدت على اكتساب مهارة الإيجاز مع الحفاظ على دقة المعنى.
  • كسر الانغلاق الأكاديمي ضروري للتخلص من النخبوية والعزلة الفكرية.