سباق التكنولوجيا.. كيف شكلت دروس الماضي مستقبل الذكاء الاصطناعي العالمي؟

السباق العالمي على الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الاقتصاد العالمي يحظى باهتمام واسع، مع استثمارات تريليونية للجهات التي تسعى لإدارة كميات هائلة من البيانات وتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، حيث تختلف النتائج بين نجاحات كبيرة وفشل مدوٍ، مما يدفع إلى استحضار دروس التاريخ لفهم المآلات المحتملة لهذا السباق التكنولوجي الضخم.

تعلم من تاريخ السكك الحديدية في السباق العالمي على الذكاء الاصطناعي

يشبه السباق العالمي على الذكاء الاصطناعي ما حدث خلال القرن التاسع عشر مع ثورة السكك الحديدية التي نقلت الاقتصادات عبر العالم من حال إلى حال، وكانت البداية مليئة بالتحديات والأخطاء المالية الكبرى، إذ أدى التوسع السريع في خطوط السكك الحديدية إلى حوادث وإفلاسات كثيرة، حيث كانت القضايا التقنية مثل استخدام القضبان الحديدية الهشة السبب في ارتفاع تكاليف الصيانة المستمرة. مع تطور إنتاج الفولاذ وانخفاض تكلفته، حلت القضبان الفولاذية محل الحديد الهش، ما زاد من قدرة التحمل وسهم في رفع ربحية النقل. نجاح بعض الأفراد الذين استثمروا في هذه الصناعة كان مرتبطًا بتركيزهم على الكفاءة والتوسع الاقتصادي وتجنب التكرار، فكانت عائلات مثل فاندربيلت وهاريمان في مقدمة المستفيدين، فضلاً عن دور أندرو كارنيجي في تطوير صناعة الفولاذ التي شكّلت دعامة أساسية لشبكة السكك الحديدية المتوسعة. تبع ذلك تحولات اقتصادية كبرى ونوبات مالية مرتبطة بالمضاربات، لكنها أسفرت تدريجياً عن أقوى نظام سكك حديدية في العالم.

دروس من فقاعة شركات الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي وتأثيرها على سباق الذكاء الاصطناعي

يُشابه سباق الذكاء الاصطناعي أيضًا طفرة شركات الإنترنت في التسعينيات، حيث ضخ المستثمرون مليارات الدولارات في شركات “الدوت كوم” التي اندفعت سريعاً لطرح أسهمها في البورصة من دون خطط واضحة لخلق الأرباح، مما أدى إلى أزمة خانقة مع انهيار قيم الأسهم بنهاية عام 2002 وخسارة مؤشر ناسداك نحو 80% من قيمته. بالرغم من ذلك، نجت شركات قليلة مثل أمازون وجوجل وإي-باي، بينما أندثرت شركات كان لها دور بارز سابقًا مثل ياهو وAOL. يبقى العنصر الحيوي في نجاح هذا المجال هو الاستثمار في معظم بنى تحتية الاتصالات، مثل كابلات الألياف الضوئية البحرية الطويلة التي تربط بين القارات، والتي تمكّن من توزيع البيانات بشكل سريع وموثوق عبر مراكز البيانات المتقدمة في العالم.

الطاقة كمفتاح لتحديد الفائزين في السباق العالمي على الذكاء الاصطناعي

لا تقتصر تحديات السباق العالمي على الذكاء الاصطناعي على التكنولوجيا والبنية التحتية الفردية فقط، بل تشمل أيضًا الطلب المتزايد على الكهرباء لتشغيل مراكز البيانات التي تعالج كميات ضخمة من المعلومات باستمرار؛ إذ تعد القدرة على توفير مصدر طاقة رخيص ووفير من أهم عوامل النجاح. تبرز هنا مقارنة مهمة بين استراتيجيات الدول، فالصين استثمرت بكثافة في جميع تقنيات توليد الطاقة وخاصة الطاقة الشمسية مما منحها تفوقاً واضحاً، بينما اتجهت الإدارة الأميركية السابقة إلى التركيز على الوقود الأحفوري والطاقة النووية، مع تقليص الدعم للطاقة المتجددة مثل طاقة الشمس وطاقة الرياح، وهو خيار يرى فيه العديد من الخبراء مخاطرة كبيرة على المنافسة المستقبلية. يمكن تشبيه الأمر بما فعل الفولاذ في عصر السكك الحديدية والاتصال في العصر الرقمي؛ فالكهرباء الرخيصة ستلعب دوراً حاسماً في صنع الفارق بين الدول والشركات التي ستقود ثورة الذكاء الاصطناعي.

• التركيز على تطوير تقنيات توليد الطاقة النظيفة والمتجددة
• الاستثمار في البنى التحتية للاتصال عالية السرعة والثابتة
• تعزيز القدرة على إدارة بيانات ضخمة بكفاءة عالية
• تبني استراتيجيات للاستثمار بعيد المدى مع تقليل المخاطر

السباق العالمي على الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تحدٍ تقني، بل هو عملية معقدة تجمع بين الابتكار، الاستثمار الذكي، والتحكم في الموارد الحيوية، وفي قلبها تبرز الحاجة إلى القدرة على توفير طاقة رخيصة لتشغيل مراكز البيانات الضخمة، لتكتب بذلك ملامح المستقبل الاقتصادي والتكنولوجي. دروس التاريخ تؤكد أن النجاح يتطلب صبرًا، رغبة في التعلم من إخفاقات السابقين، وتركيزاً عميقاً على الأمور الجوهرية التي تمثل عمود الفقرة لأي نهضة جديدة.