قرار ناري.. هل سيقضي الذكاء الاصطناعي على مستقبل مواقع الإنترنت؟

الذكاء الاصطناعي وتأثيره على حركة المرور لمواقع الإنترنت وكيفية تحول الاقتصاد الرقمي أصبح من أبرز القضايا التقنية والاقتصادية التي تجذب الانتباه، خاصة بعد التحول الكبير الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي في طريقة تصفح المستخدمين للإنترنت واعتمادهم عليه بدلاً من البحث التقليدي، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في زيارات المواقع وتغير في آليات تحقيق الإيرادات عبر الإنترنت.

كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على حركة المرور لمواقع الإنترنت وتغير سلوك المستخدمين

في بداية العام الماضي، تلقى ماثيو برينس، المدير التنفيذي لشركة كلاود فلير المسؤولة عن تأمين بنية الإنترنت التحتية لحوالي خُمس الإنترنت، اتصالات كبيرة من رؤساء شركات إعلامية مهمة، معبرين عن خوفهم من تهديد إلكتروني غير مسبوق؛ وعندما سألهم برينس إن كان ذلك بسبب هجمات من كوريا الشمالية، أجابوه بأن التهديد الحقيقي صادر عن الذكاء الاصطناعي. هذا التغير جاء نتيجة تحول جذري في طريقة استخدام الإنترنت، حيث استبدل المستخدمون تصفح المواقع المتخصصة في مواضيعهم بطرح أسئلتهم مباشرة على تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي، من دون الحاجة للتنقل بين المواقع، ما أدى إلى انحدار شديد في حركة المرور التي كانت تشكل رافداً أساسياً للعوائد الإعلانية والاشتراكات، وهذا التحول فيه انعكاسات ضخمة على اقتصاد الويب المفتوح وطرق الربح فيه.

الإحصاءات والدراسات التي توضح انخفاض حركة المرور لمواقع الإنترنت بسبب الذكاء الاصطناعي

تشير التقارير الحديثة إلى أن شركة أوبناي، المطورة لتطبيقات الدردشة باستخدام الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي، تستقطب حوالي 800 مليون مستخدم، مما يجعل هذا التطبيق الأكثر تحميلًا عبر متجر iPhone؛ وبينت إحصائيات شركة آبل انخفاض عمليات البحث التقليدية في متصفح Safari خلال أبريل للمرة الأولى، حيث بدأ المستخدمون باستبدال البحث المعتاد بطرح الأسئلة مباشرة على أدوات الذكاء الاصطناعي. نظام القياس Similarweb أكد انخفاض حركة البحث العالمية بنحو 15% حتى يونيو عند مراجعة بيانات أكثر من 100 مليون نطاق إلكتروني. من الجدير بالذكر أن الفئات المختلفة من المواقع تأثرت بشكل متباين؛ إذ نجحت بعض مواقع الهواة في جذب المستخدمين، بينما تكبدت المواقع التي تعتمد على تقديم محتوى استعلامي خسائر فادحة، ففي:

هذه الأرقام تعكس تداعيات حقيقية على إيرادات الشركات التي تعتمد على إعلانات الإنترنت أو الاشتراكات، إذ يؤكد نيل فوجل، رئيس شركة Dotdash Meredith، أن احتكار جوجل لجزء كبير من حركة المرور أصبح أقل من ذي قبل، حيث انتقلت نسبة الزيارات من جوجل إلى مواقع شركته من أكثر من 60% إلى منتصف الثلاثينيات فقط، معبراً عن شعوره بأن جوجل “تسرق المحتوى لمنافسيها”.

تحديات حقوق النشر وفقدان الإيرادات وآليات الحلول البديلة لمواقع الإنترنت

تسيطر حالياً قضايا حقوق النشر والملكية الفكرية على ملف تعاملات الذكاء الاصطناعي مع المحتوى الإلكتروني؛ العديد من المواقع الإعلامية والعلمية والصحية تقيم دعاوى ضد شركات الذكاء الاصطناعي مثل أوبناي وبيربلكسيتي، موضحة أن استخراج المحتوى والتلخيص عبر الذكاء الاصطناعي دون نسب دقيقة يعوق وصول الجمهور إلى المواقع الأصلية ويحد من مساهمتهم. هذا الوضع دفع بعض الكيانات الإعلامية الرائدة مثل نيوز كورب، المالكة لصحيفتي وول ستريت جورنال ونيويورك بوست، إلى محاولة موازنة الأمر عبر “التودد والمقاضاة” عن طريق عقد اتفاقيات مع شركات الذكاء الاصطناعي بينما ترفع شركات تابعة لها دعاوى قضائية، وكذلك فعلت صحيفة نيويورك تايمز التي وقعت اتفاقية مع أمازون أثناء مقاضاتها لأوبناي. إلا أن الحال أكبر بكثير من أن تستوعبه أغلب مواقع الإنترنت الصغيرة التي لا تملك القدرة على مواجهة عمالقة التكنولوجيا.

يحاول البعض إيجاد حلول بديلة مثل “نظام الدفع على محركات البحث لبرامج زحف الويب” الذي يسمح لمالكي المواقع بوضع رسوم للدخول على أدوات الزحف وجمع البيانات، مما يمنحهم إمكانية التحكم في محتواهم وتحقيق دخل جديد مقابل المحتوى؛ لكنه لا يزال في مراحل مبكرة. ويشير ماثيو برينس إلى ضرورة وضع قواعد واضحة تنص على أن المستخدمين يحصلون على المحتوى مجانًا، فيما تتحمل شبكات الإنترنت تكاليف باهظة مقابل ذلك.

• تزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والبودكاست كبدائل للمحتوى التقليدي.
• تراجع أعداد محركات البحث التقليدية مع صعود الذكاء الاصطناعي.
• ضرورة ابتكار نماذج عمل جديدة لمواقع الإنترنت للحفاظ على الاستمرارية.

يبقى الذكاء الاصطناعي العامل الأبرز في تقليص مرور الناس لمواقع الإنترنت بعدما تآكلت أدوار وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات، فهو اليوم يشكل تهديدًا لمجالات سبق توقع اختفائها دون تحققه، مما يستدعي من القطاع الإلكتروني البحث المكثف عن طرق مبتكرة لاستدامة الأرباح مع تغير آليات البحث والاستهلاك الرقمي بشكل جذري.