قرار قضائي جديد.. كيف يؤثر الحكم الدستوري على عقود إيجار الأماكن السابقة في مصر؟

إلغاء تثبيت الأجرة السنوية في قانون إيجار الأماكن أصبح محورًا هامًا بعد حكم المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر 2024، الذي قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 136 لسنة 1981، لما تضمنه من تثبيت الأجرة السنوية دون مراعاة التغيرات الاقتصادية، مما اعتُبر اعتداءً على الملكية الخاصة ومخالفًا لمبدأ العدالة. هذا الحكم أثار عدة تساؤلات حول نطاق تطبيقه، أثره على العقود السابقة، استقرار العلاقات الإيجارية، وضرورة تدخل تشريعي لتفادي فراغ قانوني.

تأثير إلغاء تثبيت الأجرة السنوية على تعديل قانون إيجار الأماكن

حكم الدستورية التاريخي الذي ألغى تثبيت الأجرة السنوية في قانون إيجار الأماكن القديم لعام 1981 شكّل منعطفًا قانونيًا بالغ الأهمية، إذ دعا مجلس النواب إلى تعديل المواد المعنية قبل انتهاء الفصل التشريعي الحالي. وقد استجابت السلطة التشريعية بسرعة، إذ طرحت العديد من مشروعات القوانين، أبرزها مشروع قانون الحكومة الذي وافق عليه مجلس النواب ويترقب المصريون صدوره أو رفضه. ويستند الحكم الدستوري إلى أن ثبات القيمة الإيجارية لفترة طويلة دون تعديل يتجاهل التضخم وانخفاض القوة الشرائية، مما يشكل اعتداءً على مبدأ العدالة وحق الملكية، كما يوضح الخبير القانوني والمحامي بالنقض الدكتور حازم عبدالحاكم العيسوي. حيث حدد القانون القديم سقف زيادة الإيجار السنوي بنسبة 7% فقط من قيمة الأرض وقت الترخيص، والمباني حسب تكلفتها عند البناء، الأمر الذي لم يعد يعكس الواقع الاقتصادي الحالي.

الأثر الزمني لحكم إلغاء تثبيت الأجرة السنوية على العقود الإيجارية السابقة

توجه القضاء المصري لتطبيق حكم إلغاء تثبيت الأجرة السنوية على عقود الإيجار السابقة للقانون رقم 136 لسنة 1981، شريطة أن تكون العقود خاضعة للنص الملغي وقت نفاذ الحكم. وأكدت محكمة النقض في عدة طعون قضائية انتهاء العلاقات الإيجارية لعقود تعود إلى ستينيات وخمسينيات القرن الماضي، معتبرة أن استمرارها تحت أحكام قانونية ملغاة يُعد امتدادًا غير مشروع. وقد استندت هذه الأحكام إلى حكم المحكمة الدستورية في القضايا التي تضمنت انحسار الامتداد القانوني لعقود الأشخاص الاعتبارية غير السكنية اعتبارًا من يوليو 2019، وفقًا لقرار رئيس الجمهورية رقم 339 لسنة 2019. ويتفق هذا الاتجاه مع آراء الدكتور عبدالرزاق السنهوري الذي أكد أن الحكم الدستوري لا يُنشئ قاعدة قانونية عامة بل يمثل رقابة على التشريع، ويظل الأثر التشريعي معلقًا إلى حين تدخل السلطة التشريعية، مؤكدًا أن مبدأ عدم الرجعية يساعد في استقرار العقود الزمنية مثل عقود الإيجار. كما يرى الدكتور عبد الحميد بسيوني أن الحكم الدستوري يعلن فقط وجوب تعديل القانون، ولا يغني عن التشريع، مما يحفظ للبرلمان سلطة تنظيم العلاقات القانونية الجديدة.

تحديات غياب التشريع الجديد ومبدأ عدم إحياء النصوص الملغاة في قانون إيجار الأماكن

رغم إقرار البرلمان للقانون رقم 4 لسنة 2025 ورفعه إلى رئيس الجمهورية للتصديق، فإن نفاذه مرتبط بالنشر في الجريدة الرسمية؛ وإذا لم يُصدق عليه خلال 30 يومًا يُعمل به تلقائيًا وفقًا للدستور. وفي فترة انتظار التصديق، تبقى الأحكام الدستورية سارية، ما دفع المحاكم لتطبيق حكم إلغاء تثبيت الأجرة السنوية مباشرة على العلاقات القائمة دون انتظار التنظيم الجديد. كما أن إلغاء نص لاحق لا يعود بالنص الذي نسخه إلى الحياة إلا بتشريع صريح من البرلمان، تفاديًا لخطر الإحياء القضائي للنصوص الملغاة، حيث حذر الدكتور رمزي الشاعر من اضطراب التسلسل القانوني وفتح باب التأويل غير المنضبط بهذه الطريقة.

• الحكم الدستوري يسري بأثر مباشر على العقود الخاضعة للنص الملغي، حتى ولو كانت قبل صدوره.
• التطبيقات القضائية أظهرت نفاذًا عمليًا وانحسارًا للامتداد القانوني لعقود الأشخاص الاعتبارية في غير غرض السكنى.
• الحكم لا يؤدي إلى إحياء التشريعات السابقة إلا من خلال تعديل تشريعي صريح.

تظهر التطورات الأخيرة أن إلغاء تثبيت الأجرة السنوية في قانون إيجار الأماكن قد شكل نقطة تحول حاسمة في صياغة السياسات التشريعية المتعلقة بالعقود الإيجارية، ما يفرض حراكًا تشريعيًا حقيقيًا للحفاظ على توازن الحقوق وضمان استقرار السوق العقاري، مع تفادي ثغرات قانونية قد تؤدي إلى نزاعات متكررة. ويظل التشريع الجديد ومفاهيم الاستقرار القانوني حجر الزاوية لضمان حقوق جميع الأطراف في منظومة الإيجار.