«جيل متفوق» جيل ثورة الذكاء الاصطناعي كيف يؤثر على التعليم والسيطرة المعرفية

الذكاء الاصطناعي يفرض نفسه اليوم كأحد المفاتيح الأساسية التي تشكل مستقبل الإنسان في عالم يزداد ترابطه بالتكنولوجيا، حيث لا تقتصر الأوامر البرمجية على تسهيل الحياة بل تمتد لتتحكم في تفاصيلها؛ في هذه النقطة الحاسمة، يحتاج الإنسان لإعادة تعريف علاقته بالتقنية ليكون فاعلًا لا متلقّيًا، حيث يصبح هو القائد الحقيقي لمسار حياته بعيدًا عن السيطرة الآلية التي قد تخطف منه دوره الإنساني.

كيف يشكل الذكاء الاصطناعي مستقبل التعليم والإنسانية في المملكة

الذكاء الاصطناعي لم يعد مجالًا تقنيّا محصورًا في التخصصات البرمجية وحسب، بل أصبح ضمن المجالات التي تُشكل جوهر التعليم الحديث، وهذا ما تبنّته المملكة العربية السعودية من خلال إدراج منهج الذكاء الاصطناعي في التعليم العام ابتداءً من العام الدراسي 2025–2026، إذ لا يقتصر الهدف على تعليم مهارات تقنية فقط، بل يمتد لبناء الإنسان الواعي القادر على التعامل مع هذه التقنية من منظار أخلاقي وفكري؛ المملكة تفهم أن التحول الرقمي الواحد لا ينبع من الأجهزة والبنية التحتية، بل يبدأ من العقل، حيث يتشكل الوعي منذ الطفولة، ليصبح الأفراد قادرين على توجيه التقنية لا أن يُوجّهوا بها.

هذا التوجه يحمل في طياته دعوة واضحة إلى أنسنة التقنية، إذ يُزرع في عقول الطلاب والطالبات سؤال المسؤولية تجاه الذكاء الاصطناعي، ما يعني تعليمهم التمييز بين الاستخدام المعتمد على النقد والإبداع وبين الاكتفاء بالتلقي الأعمى، كما يفتح أبواب التفاعل مع التقنية بتفكير متزن يربط بين البرمجة والقيم، وبين الخوارزميات وروح الإنسان.

الرؤية السعودية في الذكاء الاصطناعي: مزيج بين التقنية والقيم الإنسانية

تتميز المملكة العربية السعودية برؤية متكاملة ومبتكرة تتجاوز الاستنساخ الاعتيادي للتجارب العالمية، حيث تبني نموذجًا خاصًا للذكاء الاصطناعي يرتكز على مركزية الإنسان، ويهدف إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الفرد والتقنية داخل الفصول الدراسية بشكل يعكس هوية ثقافية ورقمية فريدة؛ وبهذا، تجمع السياسات الوطنية بين توظيف الذكاء الاصطناعي لأغراض استثمارية وتقنية مثل مشروع «سماي» الذي يمثل نموذجًا لغويًا سعوديًا، وبين تعزيز الجانب الإنساني التعليمي.

التوازن بين الجانب التقني والجانب القيمي في الذكاء الاصطناعي يظهر بوضوح في مخرجات التعليم، حيث تُمنح الأجيال القادمة المناهج التي تنمي لديهم فكرًا نقديًا عبر أسئلة مفصلية مثل من يسيطر على الخوارزمية؟ من المستفيد؟ ما حدود العدالة في قرارات التقنية؟ ومن يقف خلف أكواد البرمجة؟ هذه الأسئلة تحفز الطلاب على بناء وعي لا يركن إلى الذكاء الاصطناعي، بل يراقبه ويتفاعل معه بحذر وحكمة.

تجهيز الجيل القادم للذكاء الاصطناعي: خطوات عملية نحو قيادة المستقبل

يتطلب إعداد الأجيال القادمة لتقنية الذكاء الاصطناعي خطوات متكاملة تضمن مزج المهارات التقنية مع الحس الإنساني، بحيث يصبح الإنسان ضابطًا لاتجاهات التقنية لا خاضعًا لها، وفي هذا الإطار تتبنى المملكة إجراءات مبنية على عدة عناصر أساسية:

• توفير مناهج تعليمية متخصصة تبدأ من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية تشمل مفاهيم الذكاء الاصطناعي
• تعزيز التفكير النقدي والأسئلة الوازنة حول مصدر البيانات ومدى تأثر الخوارزميات
• ترسيخ القيم الأخلاقية في صنع واستخدام التقنيات الرقمية والبرمجية
• تشجيع الإبداع والابتكار بما يتماشى مع الفهم العميق للتقنية والهدف منها
• دمج التعاون بين الجهات الحكومية المختصة لتطوير المناهج وتأهيل الكوادر

هذه الخطوات تشكّل جسرًا بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي في عالم متشابك، يدعمها الجدول التالي الذي يوضح الجدول الزمني لإدراج المناهج التعليمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في مختلف المراحل الدراسية بالمملكة:

الذكاء الاصطناعي ليس مجرد موضوع تقني، بل هو بوابة لفهم مستقبل الإنسان والعالم، ومن خلال هذا التوجه السعودي، يتم إعداد جيل يمتلك القدرة على تشكيل هذا المستقبل بما يتوافق مع قيمه وهويته، ويظل دومًا هو القائد الحقيقي لهذه التقنية المتطورة.

المسألة ليست فقط في إتقان الخوارزميات أو صنع الأجهزة، بل في غرس القيم والمسؤوليات التي تجعل الإنسان صانعًا حكيمًا لعالمه. كل خطوة في التعليم تنهض بروح الإنسان وتمنحه أدوات الفهم والقيادة؛ وهكذا، تصبح التقنية عونًا لا حكمًا، ومسارًا للإنسان لا سجنًا له.