فى إطار سياسة الدولة الحالية نحو تشجيع القطاع الخاص وإعادة مساهمته فى الاستثمار الكلية لتصل إلى نسبة 65-70% كما كانت فى السابق، ولكونه الشريك الأساسى فى التنمية الاقتصادية المستدامة وفى ضوء المطالبات العديدة للدولة من التخارج من النشاط الاقتصادي وإفساح المجال أمام نمو القطاع الخاص سواء من متخصصين فى الشأن الاقتصادي، أو من قبل العديد من رجال الاعمال أو مؤسسات دولية وفى إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة التى يتم مراجعتها حاليا، والتى تعبر عن نية الدولة للتخارج تدريجيا من عدد كبير من الشركات فى مختلف الانشطة الاقتصادية، عقد رئيس الوزراء لقاء مع عدد من رجال الاعمال من ذوي العيار الثقيل فى مختلف الأنشطة الاقتصادية ممن لشركاتهم وزن كبير فى السوق المحلية والاقليمية والدولية فى مختلف القطاعات، ولكونهم يمثلون جانب كبير من مرآة الاقتصاد والاستثمار فى مصر ويتم استطلاع رايهم من كافة المؤسسات الاستثمارية والاقتصادية تجاه الوضع فى مصر.
وإن كان قد سبقه منذ فترة ليست ببعيدة لقاء مع رواد الاعمال وتشكيل لجنة داخل مجلس الوزراء لتتولى جميع القضايا المتعلقة بريادة الأعمال وتنمية أعمالهم، وآمل ان تستمر مثل هذه الحوارات واللقاءات بطريقة مؤسسية وفعالة لتؤتى ثمارها المرجوة.
ولعل هذه المقالة تتناول اللقاء الأخير برجال الأعمال فيما له وما عليه، لما له من أهمية ودلالة قوية، وما تطرقت إليه من موضوعات تؤثر على مناخ الاستثمار ونمو القطاع الخاص، ولكن قبل أن نبدأ فى التعرض للتحديات التى ذكرت فى ذلك اللقاء، تستحضرنى بعض الملاحظات التى لو كانت إخذت بعين الاعتبار لكان له مردودا أفضل على إخراج الحوار ومخرجاته والصورة التى كان يجدر أن يخرج بها، ولاسيما أنه كان مذاعا للجميع ورآه من هو داخل البلاد وخارجها من مختلف الأطياف والمؤسسات. وتتراوح هذه الملاحظات بين سطور الاجابة على التساؤلات التالية: ماذا لو تم إعداد أجندة لهذا الحوار قبل عقده وأرسلت الى جميع المشاركين فيه ليقدموا تحليلا للتحديات الحقيقية وآثارها وحلولا لها، ماذا لو كانت أهداف الحوار ومخرجاته محددة، وما هى الرسائل الموجهة التى كان لا بد ان يخرج بها لكل من شاهده، ما هو الفرق بين هذا الحوار وغير من المبادرات الموجودة كلجنة الحوار الوطني والمجلس الاستشارى الاقتصادي لرئيس الوزراء، والمجلس الأعلى للاستثمار، وهل تم تمثيل نخبة من رجال الاعمال المشاركين فى تلك المبادرات، وماذا كانت مساهماتهم فيها اذا ما قد تم تمثيلهم، وهل اللجان الاستشارية المتخصصة التى سيتم تشكيلها ممن شاركوا فى اللقاء الاخير ستكون موازية لتلك المبادرات أم كيف سيتم التنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات التى يعرفها الجميع التى تواجه مجتمع الاعمال ووضع الحلول العملية لها على المستوى القصير والمتوسط والطويل، وهل عملية دمج الوزارات الاخيرة كانت فى محلها ام كان هناك تصورا افضل، وهل عمليات اعادة هيكلة الهيئات التى تجري حاليا ستعالج بعض التحديات المتعلقة بتداخل الاختصاصات أو تشابه بعضها.. اسئلة كثيرة مشروعة تدور فى الأفق.
إبراهيم مصطفى يكتب: إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية.. الإنطلاق من جهات بيئة الاستثمار
لاشك ان عقد هذا الحوار له مزايا وعيوب، من أهم مزاياه حرص الدولة على عقد الحوار مع القطاع الخاص واشراكه فى التنمية وعمليات الاصلاح؛ وهو توجه حميد ويجب ان يستمر لتحسن وضع الاقتصاد وبيئة الاستثمار، ولكن يتطلب الامر وضع اجندة ومستهدفات حقيقية وتوضيح دور كل طرف ما يجب على الحكومة فعله وما يجب على القطاع الخاص فعله حتى تتحق التوليفة SYNERGIES وتعطى افضل نتائج مركبة ممكنة وفى اسرع وقت بمكاسب سريعة تساعد على تحقيق سياسات ومكاسب مستدامة.
اما أهم عيوب الحوار من وجهة نظري المتواضعة عملية الاخراج الذى تمت به، خرج عن اساسيات الحوار وهي اساسها طرفين حكومة وقطاع خاص برئاسة السيد رئيس الوزراء وبأمانة فنية تسجل ما يقال من كلا الطرفين بعد أن تكون قد أعدت له لوجيستيا وموضوعيا واهدافا شرحت للجميع حتى يخرج فى افضل شكل ومضمون وتحديد ادوار كل طرف ليرتقي بالحوار ونتائجه طالما خرج إلى العلن، يتحاوران فى موضاعات معدة مسبقا للخروج بنتائج، وليس مجرد لقاء واجتماع، فالحوار مستمر بموضوعاته ومستهدفاته ونتائجهه ورسائله المراد إيصالها، فالهدف ليس استعراض قوة طرف تجاه الآخر بقدر ما هو حوار من أجل الأفضل.
ومازلت أرى أن هذه الحوار إيجابيا رغم بعض المنتقدين له، ولاسيما وان فرص الحوار مستمرة ويمكن ان تخرج بنتائج ايجابية لكل المشاركين فيه من جانب، ولكل من شاهده ويشاهده من افراد ومؤسسات من جانب أخر سواء كانت محلية أو إقليمية أو عالمية، فما تمر به مصر والمنطقة والعالم من تحديات غير مسبوقة وآثارها التى تفرض علينا التعامل معها بشكل فعلي موضوعيا وزمنيا دون رفاهية وبتسارع يتماشى مع تسارع تلك التحديات واثارها.
لذلك، من الأهمية بمكان عقد نمثل هذه الحوارات مع تحسن منحنى التعلم من كل لقاء وتوجيهه للمستهدفات والنتائج والرسائل المطلوب تحقيقها من أجل تنمية حقيقية مستدامة ومناخ استثمارى تنافسي أفضل فى ظل الوضع الاقتصادين الإقليمي والعالمي وما يفرضه من تحديات، وكذلك شدة المنافسة فيهما على تحقيق معدلات تنموية افضل وجذب الاستثمارات، وهو ما يتطلب سياسات جاذبة متكيفة ومستقرة فى ظل سعي الدولة المصرية على الارتقاء بالدولة فى كل المجالات وجذب الاستثمارات المتنوعة لتستمر فى السباق الإقليمي والعالمي.