ما قصّة “مُلتقى دعوي” أقامه “جهادي ليبي” باللاذقية وعلت “راية التوحيد” فيه؟.. هل كانت “الحشمة” ممنوعة بـ”الجامعات السورية” وماذا بعد الفصل بالمُواصلات؟.. هل ضرب عمايرة “انتقام” وماذا عن فوضى “وليمة الدمشقي”؟.. ما الذي يُؤجّل صلاة أردوغان بالأموي وهل تقبل سورية عودتها “عثمانية”؟
عمان – “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
شهر، وبضعة أيّام مضى على سُقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، لم يخرج الأخير حتى الآن ليُخاطب شعبه المُحتفل بسُقوطه ويُخبرهم عن أسباب “فراره”، فآخر الحكايا الإعلامية تتحدّث عن مقتله في روسيا، فيما ذهبت أخرى للقول بأن الرجل أُجبر على السفر والفرار من سورية تحت التهديد، فيما يستمر الإعلام في نسج روايات سلبية عن سورية ما قبل سقوط الأسد، تدفع البعض للتساؤل عن منطقية عدم وجود إيجابية واحدة للنظام الراحل، فلكل أمر جانب مُشرق، وآخر مُظلم، وهذا لا يُلغي بطبيعة الحال ديكتاتورية نظام الأسد التي ربّما سيبدأ بعض السوريين بالبحث عنها في قادم الأشهر، والسنوات.
تقدمة هذا التقرير، مدخل لرصد المشهد السوري الحالي بعد سقوط الأسد، فالاحتفالات بسُقوطه بدأ نغم الراقصين فيها ينتهي، وبدأت مشاهد الحكم الجديد، وشكله، وطبيعة خلفيته الإسلامية، هي من تشغل بال السوريين جميعًا.
ملتقى دعوي
تُظهر الحكومة السورية الجديدة، ميلًا لإظهار خلفيتها الإسلامية وإن بصورة مُخفّفة عن تنظيمي القاعدة وداعش، مع إصرارها على أن المشاهد الخارجة عن سيطرتها ليست إلا تصرفات فردية، ينتشر رجال هيئة تحرير الشام حاملين السلاح، فيظهر أحدهم في مقطع فيديو وهو مسلح، ولكن ينصح بعض زبائن مطعم في اللاذقية بخطبة دينية حثّهم فيها الحاضرين على الهداية.
يتوقّف السوريون مُطوّلًا عند مشهد “سلفي إخواني” آخر، وقع في مدينة جبلة بريف اللاذقية، حيث أقام جهاديون ولافت بأنهم ليسوا من سورية، ملتقى دعويًّا شبيه بتلك المُلتقيات التي كانت تُقيمها المراكز الدعوية في العربية السعودية قبل عهد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسجّل هذا الملتقى علامات استفهام عليه، فغاب مثلًا علم ثورة سورية الجديد، وحضر فقط علم إمارة أفغانستان أو علم هيئة تحرير الشام الأبيض والمكتوب عليه بالأسود أو “راية التوحيد” “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وزّع المُحاضر أو الخطيب الأساسي وهو ليبي الجنسية في الملتقى حجاب للتجربة على الفتيات، كما طلب آخر في ذات الملتقى من طفل سوري ألّا يقص شعره على طريقة قصّة شعر “القزع”، والتشبّه كما قال باليهود والنصارى، هذا ولم يخل الملتقى من ألفاظ وعبارات طائفية مثل وصف نظام الأسد بالنظام النصيري، ومن حالفه من “الروافض”، ووعد ذلك الخطيب بأن تعود أرض الشام والقدس للمُسلمين، وأن تقل المعاصي بشكل كبير في جبلة السورية.
هل كانت جامعات سورية لا تعرف “الحشمة”؟
مشهدٌ آخر وقع داخل الجامعات السورية “العريقة” يتعلّق بالدعوة حكام سورية الجدد للحشمة داخلها، علّق عليه الناشط السوري عهد الهندي وهو مسيحي مُعارض لنظام الأسد قائلًا: “يعني والله نحن مو جايين من طاجكستان وما منعرف الجو بالجامعات بالشام، لهيك سؤالي لهدول يلي عم يطالبوا الطالبات والطلاب بالحشمة معقول يكونوا لابسين نضارات إكس راي يعني بيشوفو تحت التياب؟، ويضيف: “لأن بالجامعات في المحجبات وغير المحجبات بس ولا مرة شفت مثلا وحدة جاية بالبكيني أو واحد مثلا جاي بشورت جلد ضييق وبالزلط من فوق”!
فصل الرجال والنساء بالمُواصلات إلى أين؟
يافطة مُعلّقة على أحد باصات النقل الداخلي في سورية، تقول بأنه يُمنع ركوب الرجال بجانب النساء، وبحسب تقارير إعلامية فإن حكومة دمشق الجديدة تنوي الفصل بين الرجال والنساء على أن يكون جلوس الرجال في الأمام، والنساء في الخلف، وهي تجربة كانت مطبّقة بطبيعة الحال في إدلب عاصمة المعارضة السورية، قبل سقوط نظام الأسد في دمشق، هذه التجربة نالت استحسان النساء، ولكن مخاوف السوريين تكمن ليس في تطبيق تجربة الفصل في المواصلات العامّة، بل في تطبيق الفصل في جميع مناحي الحياة، وصولًا لمنع المرأة من العمل والتعليم.
الإسرائيلي في محافظة القنيطرة!
وفيما يعد قادة سورية الجدد بتحرير الشام والقدس، وثّقت لقطات جوية خاصة لقناة “الجزيرة” تمركز الجيش الإسرائيلي في مبنى محافظة القنيطرة جنوبي سورية، كما أظهرت أعمال حفر بجوار السياج الفاصل.
جهاديّون أجانب
ومع رصد مُقاتلين أجانب يقود المشهد في سورية، وتعيينهم حتى داخل الحكومة بدمشق، بمناصب عليا، قال مصدران مطلعان إن مبعوثين أمريكيين وفرنسيين وألمان حذروا الحكام الإسلاميين الجدد في سورية من أن تعيينهم لجهاديين أجانب في مناصب عسكرية عليا يمثل مصدر قلق أمني ويسيء لصورتهم في محاولتهم إقامة علاقات مع دول أجنبية.
وقال مسؤول أمريكي إن التحذير الذي أصدرته الولايات المتحدة، والذي يأتي في إطار الجهود الغربية لدفع قادة سوريا الجدد لإعادة النظر في هذه الخطوة، جاء في اجتماع بين المبعوث الأمريكي دانييل روبنشتاين والحاكم الفعلي لسورية أحمد الشرع يوم الأربعاء في القصر الرئاسي في دمشق.
“وليمة أبو عمر الدمشقي”
وفتحت حكومة دمشق الجديدة الأبواب واسعًا لاستقبال الإعلاميين والمُؤثّرين على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك من باب حملات “تلميع الحكم الجديد”، وتسليط الأضواء على كل “فظائع” الدولة السورية السابقة، لكن هذه الدعاية التي بدت “غير مُنضبطة” لإظهار مدى انقتاح سورية الجديدة على الحرية على عكس ضوابط نظام الأسد على الإعلام، عادت على الحكومة الجديدة بانتقادات واسعة، ولاذعة، فالمشهور “أبو عمر الدمشقي” الذي أراد الاحتفال بسورية الجديدة، وقام بذبح الخراف أمام المسجد الأموي لتحضير وليمة، تسبّبت وليمته بسبب التدافع وفاة 4 نساء وإصابة 16 آخرين بينهم أطفال بجروح مُختلفة، فأين الحكومة الجديدة من هذا الانفلات التنظيمي، وضبطه وسط تفلّت للسلاح، وغياب أو ضعف تحقيق الأمن التام.
ضرب عمايرة.. نموذج انتقام؟
واقعة أثارت مخاوف تتعلّق بوجود رغبة انتقامية من الفنانين والفنانات السوريات، فالفنان السوري القدير بسام كوسا اعتبر “شبيحًا” لرفضه الاعتذار عما صدر عنه من مواقف قبل سُقوط نظام الأسد، وجرى التحريض عليه، لكن زميله السوري عبد المنعم عمايرة المُتّهم أيضًا بالتشبيح للأسد، جرى ضربه فعليًّا، ونشرت ابنته مريم عمايري صورة لوالدها على سرير المستشفى وعلّقت: “الحمد لله على سلامتك حبيب ألبي”، وذلك بعد تعرّض عمايري للاعتداء، حيث ظهر في مقطع فيديو يصرخ في وجه عناصر حاجز أمني، مُتّهمًا أحدهم برفع السلاح نحوه، فيما حاول الحاضرون تهدئته، ليتعرّض لاحقًا في واقعة أخرى للضرب بأسفل بندقية، وقال المناصرون لحكومة دمشق الجديدة بأن الاعتداء جاء بسبب “التلفّظ بسب الذات الإلهية” من قِبَل عمايرة.
حلم أردوغان بالأموي.. ماذا يُؤجّله؟
وتعود زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الواجهة من جديد لتحقيق حلمه بزيارة المسجد الأموي والصلاة فيه بعد سقوط الأسد، وتُطرح تساؤلات حول أسباب تأجيلها مع مرور شهر وبضعة أيام على سقوط الأسد، وما إذا كانت الأسباب الأمنية تحول دون ذلك، أو السياسية مع الاتهامات التي تطال حكومته بوجود أطماع عثمانية للسيطرة على سورية.
وعادت زيارة أردوغان لسورية إلى الواجهة، بعد كشف رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، عن إلغاء الإدارة السورية الجديدة زيارة مقررة لوفد من اتحاد البلديات التركية إلى العاصمة دمشق الأحد المقبل، مشيرا إلى تلقيهم ردا بالتأجيل إلى ما بعد قيام الرئيس رجب طيب أردوغان بزيارة إلى سورية.
وتابع أوغلو قائلًا: “لكن للأسف، بعد 6 ساعات فقط من تأكيد موعد الاجتماع، حدث تطور مثير للاهتمام، حدث في تلك الساعات الست، ألغت محافظة دمشق الموعد عن طريق الكتابة إلى وفد اتحاد البلديات التركية، قائلة: تم تأجيل الاجتماع إلى ما بعد زيارة الرئيس أردوغان”.
سورية بين سُقوط البعثية والعودة للعثمانية!
بكُل حال، قد تكون فترة شهر قصيرة للحكم على تجربة “الإسلاميين” بالحكم السوري، ومن غير المُنصف تحميلها إرث نظام الأسد، ولكنها فترة قد تمتد لأربع سنوات فأحمد الشرع الحاكم الفعلي لسورية، أكد حاجته لثلاث سنوات لكتابة الدستور، وأربع لعقد انتخابات رئاسية، وهذا الشهر كان مليئًا بالمشاهد الدخيلة أو غير المألوفة على السوريين، وتحديدًا تلك التي تتعلّق بطريقة حياتهم، وصلاتهم، وحجاب نسائهم، وفرض الشريعة الإسلامية على دستورهم مع تنوّع طوائفهم وأديانهم، والأهم حُكمهم من قِبَل غير السوريين، فسورية التي استقلّت يوم 8 مارس 1920 بعيد سُقوط الدولة العثمانية الإسلامية، لا ترغب بالعودة إليها بعد 8 ديسمبر 2024، حتى وإن كانت الأكثرية “سنية” بعد “تحرّرها من الأقلية العلوية”، الأهم أن تكون سورية، ولها رئيس ينتخبه الشعب في انتخابات حرة ونزيهة.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: