محمد تكناوي: أضواء على المنجز البلاغي للدكتور عبد العزيز لحويدق
محمد تكناوي
يعد الدكتور عبد العزيز لحويدق من أبرز البلاغيين المغاربة والعرب الذين دفعوا بالدرس البلاغي الى الاشتباك مع الأسئلة الحارقة حول ماهية البلاغة ووظيفتها ومدى قدرتها على التغلغل داخل الحقول المعرفية المتعددة.
فعبر مؤلفاته ” نظرية الاستعارة في الفكر البلاغي العربي” و نظرية الإستعارة في التراث البلاغي العربي ؛ بنية الإستبدال وإستراتيجيات البيان” و “نظريات الاستعارة في البلاغة الغربية – من أرسطو إلى لايكوف ومارك جونسون” و ” البلاغة في المقام التدريسي”و ” بحوث في البلاغة الجديدة” …… أو من خلال الدراسات التي أشرف او نسق أعمالها عمل الحويدق على تبئير استفهامات اسهمت في إنضاج الدرس البلاغي المغربي و العربي لجعله قادرا على تبوء المكانة الحضارية التي يستحقها، عبر استلهام منجزات البلاغة العربية القديمة سواء من حيث الأبحاث حول الرصيد المصطلحي أو المشاريع الفكرية حوله، أو من خلال استحضار القراءات والدراسات الرائدة في المشرق العربي والتي سعت إلى محاولة تجديد الدرس البلاغي، وأيضا الاشتباك مع التراكم الكمي والنوعي الذي أسفر عنه الفكر البلاغي الغربي في مختلف تمرحلاته.
و ضمن هذا المساق يعتبر الدكتور لحويدق أن البحوث في البلاغة الجديدة ليس من مهامها إحداث قطيعة مع التراث البياني العربي الذي انتهى به الامر إلى بنية مغلقة مكتفية بذاتها، كما أنها لم تعمل على إسقاط النظريات الغربية على التراث العربي، وإنما نشأت لفهم النصوص وتأويلها وذلك وفق رؤية بدأت استقرائية وانتهت معيارية تحدد طرائق الفهم والإبداع، وتروم اكساب ملكة تذوقية وقدرة انشائية ترتبط بتحصين اللغة وجماليتها.
و يعزي لحويدق سبب نفور التلاميذ والطلبة وعموم المتعلمين من الدرس البلاغي خاصة في المرحلتين الثانوية والجامعية الى تحول هذا الدرس الى اداة جافة وحادة عبارة عن تفصيلات وأقسام وإشارات ، عملت على تشويه الخطاب وتمزيق النص دون النفاذ الى وعي النص وشعوره، فلم تعد البلاغة تحاور جمالية النص، لتكتشف خفايا جماليته، أو محاسن إبداعه، وإنما غدت محاولات منطقية رياضية يتحاشاها المتعلمين والقراء على السواء، وكأن وظيفة الدرس البلاغي تنحصر فقط في اكتساب المصطلح والمفهوم وحفظ شواهده وأمثلته، في حين يعبر أن وظيفة الدرس البلاغي الجوهرية هي تفكيك شبكة الأساليب البلاغية لكشف خفايا جماليته ومحاسن ابداعه ونظمها في سلك يجمعها ينم عن فكر الذات ومتخيلها في سياق تاريخي وثقافي وجمالي محدد.
وألمح الدكتور لحويدق في جل تمفصلات منجزه البلاغي على اهمية تقديم البلاغة العربية بطريقة تجعلها قابلة للفهم والتطبيق ، والدفع الى استكشاف أهمية تدريسها ورفع التحديات التي يواجهها كل من المعلم والمتعلم في هذا السياق، وتأصيل منهجية تهدف إلى تحسين تدريس البلاغة عبر نصوص أدبية أصيلة، واستخدام أساليب تدريس تكاملية، تأخذ بعين الاعتبار الخلفيات الثقافية للمتعلمين وتساعدهم على تذوق جمالية اللغة العربية.
واستطاع الدكتورعبد العزيز لحويدق عبر منجزه البلاغي ان يبقى وفيّا لنهجه البحثي، ينتج أعمالا منسجمة ومترابطة؛ يكمل بعضها بعضا ويعضده، ينظمها خيط رفيع هو بلورة إسهام بلاغي عربي حقيقي،.
المغرب
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: