كلام لم تسمعوه عن انتخاب رئيس لبناني جديد وما يمكن ان يترتب عليه من نتائج مستقبلية
عبد الباري عطوان
فوز الجنرال جوزيف عون برئاسة لبنان اليوم وبعد فراغ رئاسي استمر أكثر من عامين، يؤكد الوصاية الامريكية المطلقة على لبنان، ونفوذ حلفاء أمريكا العرب، وضخامة حجم تعاون بعض الفاسدين المرتشين في المؤسسات السياسية اللبنانية مع هذه الوصاية وتكريسها، ولي ذراع المقاومة الإسلامية الممثلة في “حزب الله” ونزع معظم أسنانها ومخالبها، بحيث تتخلى عن إرثها الجهادي، والتحول الى حزب سياسي أسوة بكل الأحزاب اللبنانية الأخرى.
لا تقولوا لنا انها كانت انتخابات ديمقراطية، فكيف تكون ديمقراطية صحيحة، وليس هناك الا مرشحا واحدا، هو قائد الجيش، فالعنصر الأهم في الديمقراطية هو المنافسة الحرة وعدم الرضوخ للإملاءات الخارجية، وكيف تتحدثون عن السيادة والسفيرة الامريكية التي كانت تجلس في مقدمة الضيوف اليوم اثناء التصويت في البرلمان باعتبارها صاحبة العرس، وكانت، وما زالت، الحاكم الفعلي في لبنان.
هذا اليوم الذي يحتفل به الملايين من اللبنانيين تحت عنوان “التوافق الوطني”، جاء بعد خطة أمريكية إسرائيلية محكمة جرى تنفيذها بإتقان وعلى مراحل، بدأت بتجويع الشعب اللبناني، وحرمانه من لقمة الخبز الشريفة، وتدمير هيبته واقتصاده، وسرقة أمواله، وإسقاط عملته الوطنية، وتقويض نظامه المصرفي الذي كان نموذجا يضرب فيه المثل في الشرق الأوسط والعالم.
***
من يستحق التهنئة ليس البرلمان اللبناني، ولا معظم الأعضاء فيه، وانما عاموس هوكشتاين المبعوث الأمريكي الذي خدم سنوات في الجيش الإسرائيلي، فزياراته المتعددة للبنان التي كان اول نجاحاتها الكارثية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، ومنح منطقة “كاريش” الغنية بالغاز والنفط الى دولة الاحتلال، هي التي هيأت الميدان لهذه النتيجة بمساعدة بعض أعداء المقاومة اللبنانية في الداخل، فالمبعوث الأمريكي المذكور الذي نصب المصيدة وادار عملية إيقاع المستهدفين فيها، كان يعمل لخدمة المشروع الصهيوني في المنطقة انطلاقا من لبنان حيث توجد أقوى المقاومات للاحتلال في التاريخ العربي الحديث، وأشرفها وأكثرها تضحية.
انطلاقة عملية تنفيذ مراحل هذا المخطط الأمريكي الإسرائيلي في لبنان تحديدا بدأ بحرب الإبادة فيه قبل أشهر التي اقتصرت عمدا على تدمير الحاضنة الوطنية الشريفة للمقاومة في لبنان، والقصف السجادي لمناطقها في قرى الجنوب اللبنانية والضاحية في بيروت، ومنطقة البقاع، و”تتوجت” بإتفاق وقف اطلاق النار الذي جرى التوصل اليه قبل يوم واحد من اقتحام حلب وحماه وادلب ومن ثم دمشق، وإسقاط النظام السوري، بوابة المقاومة الرئيسية الى الدعم الايراني مصدر قوتها وتسليحها.
لنضع الاحتفالات جانبا، ونتطلع الى المستقبل، من خلال قراءة ما ورد في خطاب الرئيس اللبناني الجديد الجنرال جوزيف عون من وعود وتهديدات وخطط مستقبلية وردت في الخطاب الذي ألقاه في البرلمان فور إعلان فوزه، وأدائه قسم الولاء، ولنناقشها واحدة واحدة:
أولا: تأكيده على حق الدولة اللبنانية في إحتكار السلاح، وهذا يعني عمليا تحقيق الحلم الصهيوني الأمريكي في نزع سلاح المقاومة اللبنانية الإسلامية، وهذا الالتزام لا يمكن تحقيقه الا بتنازل المقاومة طوعا، او من خلال المواجهة العسكرية، وهذا يعني ان هناك أزمة قادمة للبنان، مع ملاحظة مهمة وهي ان الرئيس الجنرال الجديد لم يذكر كلمة المقاومة او يترحم على شهدائها، ويشكرها على دورها في تحرير الجنوب، وانتصارها في حرب تموز دفاعا عن لبنان.
ثانيا: حرص الرئيس عون على نزع سلاح المخيمات الفلسطينية، وتولي الجيش اللبناني مسؤولية أمنها، ومنع توطين اللاجئين الفلسطينيين (تثبيتا لحث العودة)، ومثل هذه الأهداف، خاصة نزع سلاح المخيمات، لا يمكن ان يتحقق الا باقتحامها بالقوة، وهذا يعني عدم استقرار قادم.
ثالثا: دعا الى مناقشة استراتيجية دفاعية متكاملة، تمكن الدولة اللبنانية من إزالة الاحتلال الإسرائيلي للأرض اللبنانية، وهذه الدعوة تكشف عن تناقض كبير، فكيف يتم إزالة الاحتلال بجيش لبناني لم يستطع الدفاع عن نفسه اثناء الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة عليه، وقتل جنود من قواته، ويأتي طعامه من أمريكا، ناهيك عن عجزه في منع تدمير القرى الجنوبية، او ما تبقى منها، حتى بعد توقيع اتفاق الهدنة من خلال اختراقات زادت عن 395 اختراقا، واستشهاد 40 لبنانيا برصاص الجيش الإسرائيلي منذ ذلك التوقيع.
رابعا: كيف يتعهد الرئيس اللبناني الجديد بعدم منح الحصانة لفاسد او مجرم، والغالبية من الذين “انتخبوه” هم من زعماء الفساد، وسرقة المال العام، ويحظى بسبة كبيرة منهم بحماية أمريكا وفرنسا.
***
ختاما نسأل، هل كانت أمريكا والعدو الإسرائيلي بالتالي سيحققان كل هذه “الإنجازات” لو كان سيد الشهداء حسن نصر الله حيا، ولو كانت المقاومة الإسلامية اللبنانية في كامل قوتها؟ ولو لم يتم اغتيال معظم قيادات الصف الأول فيها؟ وتكالب بعض رموز النظام اللبناني ضدها وسرقة انتصاراتها التاريخية على إسرائيل، وتدمير هيبتها وجيشها، وهرولة 4 ملايين من مستوطنيها الى الملاجئ.
قبل ان يتهمنا البعض كالعادة بأننا من دعاة الحروب، ولا نريد الأمن والاستقرار للبنان، ربما يفيد التذكير مرة ثانية وعاشرة بأن أمريكا لا تحترم وعودها، لانها لا تحترم شيئا إسمه العرب والمسلمين، وتوظف كل قدراتها وإمكانياتها لدعم الكيان المحتل ومشاريعه التوسيعية، واسألوا موقعي اتفاقات كامب ديفيد واوسلو، ووادي عربة، عن اوضاعهم (بعد أكثر من خمسين عاما للأولى، وثلاثين عاما لتوقيع أوسلو ووادي عربة)، واسألوا الليبيين والسودانيين والعراقيين وبعض اليمنيين عن رهانهم على الوعود الامريكية، وأخيرا ابحثوا كيف يغرق لبنان وجميع الدول التي خضعت للهيمنة الامريكية في الديون المليارية وعجز معظمهم، او كلهم، عن تسديد فوائد هذه الديون وليس أقساطها فقط.
المنطقة العربية كلها، وبعد ان تكاثرت عليها سكاكين الذباحين لبقرتها، تمر بمرحلة قاتمة في سوادها، ولكنها ستتجاوزها حتما مثلما تجاوزت غيرها طال الزمن او قصر.. والأيام بيننا.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: