بترتهما الجيش الإسرائيلي.. الطفل الغزي جهاد يواجه الإبادة والحياة بدون ساقين

بترتهما الجيش الإسرائيلي.. الطفل الغزي جهاد يواجه الإبادة والحياة بدون ساقين

بترتهما الجيش الإسرائيلي.. الطفل الغزي جهاد يواجه الإبادة والحياة بدون ساقين

(صورة توضيحية)
غزة/ الأناضول
قرب خيمة من القماش لا تقي برد الشتاء، يجلس الطفل جهاد محمود (3 سنوات) على الرمال الباردة يلعب مع صديقه محاولا دفع الكرة بيديه، بعدما بترت إسرائيل ساقيه في قصف استهدف منطقة المواصي التي زعمت سابقا أنها “آمنة”.
الطفل جهاد الذي يحب الحركة واللعب مع أقرانه وأفراد عائلته باتت اليوم حركته محدودة بعدما فقد منذ أكثر من 4 شهور ساقه اليسرى حتى ما فوق الركبة، وساقه اليمنى حتى منطقة أسفل الركبة و3 من أصابع يده اليسرى.
مستندا على يديه وجارّا ما تبقى من رجليه على الأرض، هكذا يتنقل جهاد من مكان لآخر في وقت تأمل فيه عائلته بحصوله على أطراف صناعية تعيد إليه الحياة.
ورغم الإعاقة الكبيرة، إلا أن جهاد صاحب الجسد المُنهك ما زال محتفظا بروح المرح حيث لم تمنعه الإصابة من إطلاق العنان لضحكاته كلما داعبته والدته.
ويعد جهاد واحدا من أكثر من 22 ألف شخص يعانون من إصابات غيرت حياتهم للأبد، وفق ما صرحت به كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ، في سبتمبر/ أيلول 2024.
كما أنه واحدا من نحو 4 آلاف حالة بتر في القطاع جراء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، بحسب بيان لوزارة الصحة بغزة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ومع ارتفاع حالات البتر في صفوف الأطفال، قالت ليزا دوتن المسؤولة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، في أكتوبر 2024، إن غزة أصبحت “موطنا لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث”.
ونقلت دوتن آنذاك عن “أونروا”، قولها إن 10 أطفال يفقدون إحدى الساقين أو كليهما بشكل يومي جراء الإبادة.
هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه أطفال غزة وصفه المفوض العام للأونروا فيليب لازاريتي بـ”جائحة الإعاقة” التي تعصف بالقطاع وسط شح توفر الأطراف الصناعية أو مراكز التأهيل النفسي والجسدي التي تعيد للمبتورين الأمل.
ويتم توفير عدد من الأطراف الصناعية كجزء من المساعدات الإغاثية التي تقدمها دول ووفود طبية إلى قطاع غزة.
وعلى مدار أشهر الإبادة، استهدف الجيش الإسرائيلي وأخرج عن الخدمة مستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية، وهو المشفى الوحيد المتخصص في القطاع بالإضافة لمركز غزة للأطراف الصناعية التابع لبلدية غزة، وفق وزارة الصحة.
**ليلة القصف
وهي تراقبه بعيون متحسرة، تقول والدة الطفل مي الشاعر، إن القصف الذي استهدف منطقة “المواصي” الساعة الواحدة بعد منتصف الليل كان قريبا من خيمتهم.
وأضافت للأناضول، أنها استيقظت آنذاك على وقع صوت انفجار كبير اعتقدته في البداية ناجم عن انفجار أنبوبة غاز إذ أنها لم تكن تتوقع أن يصل الإجرام الإسرائيلي لقصف منطقة ادعى أنها “آمنة” وتؤوي مدنيين أغلبهم نساء وأطفال.
بعد ثوانٍ حاولت فيها فهم ما جرى، وجدت الشاعر طفليها جهاد وشقيقه الأصغر “أحمد” (عام واحد) قرب رأسها فيما غطت الرمال جسديهما.
وتضيف أنها أخرجت الطفلين من تحت الرمال، لكنها لم تنتبه مباشرة لإصابة جهاد بسبب الظلام الدامس الذي ضاعفه دخان الانفجار والأتربة والشظايا المتطايرة.
وفي ذات القصف، قُتل اثنان من أشقاء الشاعر وزوجة شقيقها الحامل وأُصيب والداها، فيما أصيب زوجها ببتر في قدمه اليسرى كما خضع لتركيب “بلاتين” في كلتا يديه إثر إصابة بليغة طالتهما.
والمواصي التي يزعم الجيش الإسرائيلي تصنيفها بـ”الآمنة”، هي مناطق رملية على امتداد الخط الساحلي، تمتد من جنوب غرب مدينة دير البلح وسط القطاع، حتى جنوب غرب خان يونس.
وتعد المنطقة مفتوحة إلى حد كبير وليست سكنية، حيث تسبب قصف إسرائيلي سابق لها بدفن العشرات من خيام النازحين داخل الرمال بأعماق كبيرة.
**صدمة العمر
بعدما تفقدت كافة أفراد عائلتها، ركبت الشاعر سيارة الإسعاف مع المصابين الذين تم نقلهم من المكان لتفاجئ هناك بنبأ إصابة جهاد لكنها أيضا لم تتوقع أن تكون بليغة لهذا الحد، وفق قولها.
وأوضحت أنها عقب نحو 4-5 ساعات من القصف وبعد أن كان وقع الصدمة ثقيلا عليها إثر فقدانها أفرادا من عائلتها وإصابة آخرين، طلب طاقم المستشفى من الشاعر أن تتوجه إلى غرفة معينة حيث يمكث على أحد الأسرة طفل يبكي ويريد أن يراها.
“صدمة عمري” هكذا وصفت الشاعر اللحظات الأولى التي رأت فيها طفلها جهاد وهو بدون ساقين وبدون بعض أصابع يده.
وتوضح أن هذه الإصابة أثرت بشكل كبير وسلبي على حياة جهاد، الطفل الذي كان محبا للعب والحركة.
**معاناة مستمرة
هذه الإصابة قلبت حياة عائلة محمود رأسا على عقب، حيث يحتاج جهاد لمتابعة مستمرة لحمايته من الإصابة بالأمراض، وفق قول والدته.
ولملامسته الدائمة للرمال الباردة والملوثة، يُصاب جهاد بأمراض جلدية كالحساسية أو التهابات في مكان إصابته، وفق قول والدته.
ولا يوجد بدائل تساعد الطفل جهاد على الحركة وتحول بينه وبين ملامسة جسده للأرض وحمايته من الأمراض.
وتتحمل الوالدة أعباء حياة النزوح بالتزامن مع إصابة طفلها وحدها فيما يمكث زوجها المصاب داخل المستشفى منذ 4 شهور.
ويعيش النازحون الفلسطينيون ظروفا قاسية داخل الخيام المصنوعة من القماش والنايلون والذي لا يقي برد الشتاء أو حر الصيف وسط نقص إمدادات الطعام والمياه.
وتتضاعف معاناتهم مع حلول فصل الشتاء بالتزامن مع نقص الملابس والأغطية ووسائل التدفئة.
ولجأ هؤلاء إلى الخيام بعدما دمرت إسرائيل منازلهم وأجبرت معظمهم على ترك مناطق سكنهم والتوجه إلى المناطق التي تقع جنوب القطاع.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 155 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: