حفرها الأمريكيون ويديرها البنميون.. ما قصة قناة بنما التي يُهدِّد “ترامب” بالسيطرة عليها؟

هدَّد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بإعادة سيطرة بلاده على قناة بنما؛ وذلك على خلفية انتقاده للرسوم غير العادلة التي تتكبدها السفن الأمريكية التي تمرُّ بالممر المائي الشهير، على حد تعبيره.

حفرها الأمريكيون ويديرها البنميون.. ما قصة قناة بنما التي يُهدِّد “ترامب” بالسيطرة عليها؟

وفي منشور له على منصة “تروث سوشال” انتقد “ترامب” طريقة تعامُل بنما مُهدِّدًا بإعادة السيطرة على القناة، ولافتًا إلى أن القناة تُركت لتُدار من قِبل بنما وليس الصين، في إشارة إلى مخاوفه من تهديد البلد الآسيوي لأمن بلاده القومي.

واستدعت تصريحات “ترامب” ردًّا سريعًا من الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو، الذي أكد أن “سيادة بنما واستقلالها” غير قابلَيْن للتفاوض، لافتًا إلى أن كل متر مربع من القناة والمنطقة المحيطة بها ملك لبلاده، وستظل كذلك.

وتُعَدُّ قناة بنما من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم؛ فهي حجر الزاوية للنقل البحري العالمي، كما تُعتبر رابطًا حيويًّا بين المحيطَيْن الأطلسي والهادئ؛ ما يُمكِّن السفن من تجنُّب الرحلة الطويلة والخطيرة حول كيب هورن في الطرف الجنوبي من أمريكا الجنوبية.

وتقع القناة في دولة بنما، ويبلغ طولها 77 كيلومترًا، وتمتد من خليج ليمون في المحيط الأطلسي إلى خليج بنما على المحيط الهادئ.

وتحمل قصة حفر تلك القناة وسيطرة واشنطن عليها، ثم ترك إدارتها لدولة بنما، الكثير من الإثارة والأحداث الكبيرة في التاريخ العالمي.

قصتها

تعود قصة شق قناة بنما إلى عام 1880م، حينما بدأت شركة فرنسية بحفر قناة عبر برزخ بنما، إلا أنهم واجهوا مشكلات عدة في استمرار الحفر بعد أن تُوفي أكثر من 22 ألف عامل؛ لإصابتهم بمرضَيْ الملاريا والحمى الصفراء، وغيرهما من الأمراض المدارية التي فتكت بهم. كما واجهت الشركة صعوبات مالية؛ أدت في النهاية إلى إفلاسها.

المشروع الوليد الذي كان يواجه انهيارًا وشيكًا بيعت حقوقه إلى الولايات المتحدة، التي كانت تبحث عن شق قناة تخترق الجنوب الأمريكي؛ لتسهيل نقل البضائع التجارية؛ فجاءت الفكرة بشراء المشروع الفرنسي بقيمة 40 مليون دولار، واستكمال الحفر وشق القناة.

بدأ الأمريكيون الحفر، ولكنهم واجهوا تحديات هائلة؛ فقد عمل آلاف العمال لمدة عشر سنوات مستخدمين مجارف البحار وآلات رفع الأتربة؛ ليشقوا طريقهم عبر الغابات والتلال والمستنقعات، ويتحدوا الأمراض المميتة التي قضت على نحو 5600 عامل، إلا أن ذلك لم يمنع العمال من استكمال إنجاز المشروع الضخم. وفي نهاية المطاف رأى المشروع النور، وافتُتحت القناة عام 1914 بعد أن كلفت الخزائن الأمريكية 380 مليون دولار تقريبًا.

تحدٍّ جديد

التحدي الجديد الذي واجه الولايات المتحدة بعد افتتاح القناة، التي اعتبرتها جزءًا لا يتجزأ من مصالحها الاستراتيجية والحيوية، كان دولة بنما التي تشق القناة أراضيها، وذلك بعد أن أعلنت استقلالها عن كولومبيا، وعلى الفور وقَّعت واشنطن وبنما معاهدة هاي – بوناو – فاريلا، التي وافقت بموجبها الولايات المتحدة على دفع 10 ملايين دولار لبنما مقابل إيجار دائم للقناة، إضافة إلى 250000 دولار سنويًّا كإيجار.

لم تدُم طويلاً فترة الود بين بنما والولايات المتحدة؛ ففي عام 1968 وصل إلى سدة الحكم في البلد الذي يقع جنوب أمريكا الوسطى قائدٌ عسكريٌّ قوي، يُدعى عمر توريخوس، أراد لبلاده الخروج من تحت عباءة واشنطن، واستقلال قرارها بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، وطالب بإعادة القناة لإدارة بلاده؛ بما إنها تمرُّ في أراضيها.

وبعد فترة من التوترات بين البلدَيْن، والخلافات حول السيادة والتحكم في مراقبة القناة والمنطقة المحيطة بها، وقَّعت إدارة الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر معاهدتَيْن عام 1977 مع الحاكم الفعلي لبنما عمر توريخوس؛ لنقل السيطرة على ممر الشحن الحيوي إلى بنما.

وبموجب شروط المعاهدتَيْن حصلت بنما على السيادة والسيطرة على القناة في 31 ديسمبر من عام 1999م، فيما احتفظت الولايات المتحدة بالحق في الدفاع عنها ضد أي تهديد لحيادها.

close