كشفت الساعات القليلة الماضية عن كواليس طرد موظف بشركة كبرى، بعد إبلاغه عن مخالفات السيارات الكهربائية، وسط تكرار الحوادث في أماكن مختلفة.
وبحسب المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، رتبت مجموعة تاتا (Tata Group)، المالكة لشركة جاغوار لاند روفر (JLR)، لطرد موظف أبلغ عن مخالفات؛ ما تسبّب في إثارة مخاوف بشأن سلامة السيارات الكهربائية التي صمّمتها الشركة.
وتتعلّق المخالفات بسيارة تابعة لشركة فين فاست الفيتنامية (Vinfast) لصناعة السيارات الكهربائية، التي شهدت طرازاتها عدة حوادث، فضلًا عن تحقيق أميركي بشأن عيوب في السلامة.
وكشفت رسائل البريد الإلكتروني السرية بين المديرين التنفيذيين في مجموعة تاتا، أنهم انتقموا من المهندس الميكانيكي هازار دينلي لنشره مخاوف على موقع “ريديت” (Reddit) بشأن تعريض الأرواح للخطر؛ ثم وُضع على القائمة السوداء.
المخاوف بشأن سلامة السيارات الكهربائية
أثار المهندس هازار دينلي مخاوفه بشأن سلامة السيارات الكهربائية لأول مرة داخليًا في أثناء عمله في قسم مختلف من مجموعة تاتا، وهي شركة الاستشارات الهندسية العالمية تاتا تكنولوجيز (Tata Technologies).
وقال “دينلي” إنه في نماذج تجريبية للقيادة، صمّمتها شركة تاتا تكنولوجيز لشركة صناعة السيارات الفيتنامية فين فاست (Vinfast)، حدّد مكونات مصممة بصورة غير صحيحة في هيكل السيارة، بما في ذلك نظام التعليق، وفق تصريحاته إلى هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
وأضاف أنه عند الأميال المنخفضة، كانت بعض المكونات تنكسر؛ ما سبّب خطرًا يتمثّل في أنه تحت الضغط، مثل الاصطدام بحفرة بسرعة، يُمكن أن تصبح العجلات غير محاذية؛ ما يتسبّب في انحراف السيارة إلى اليسار أو اليمين، وقد يفقد السائق السيطرة عليها.
وقال: “لقد رأينا -على سبيل المثال- أن اتصال الدعامة الأمامية بالمفصل كان مرتخيًا، وهو ما قد يكون خطيرًا للغاية.. يمكن أن يتسبّب في ارتخاء الهيكل بأكمله؛ ما قد يتسبب في انفصال العجلات”.
وتابع: “في سيناريو الاصطدام، يمكن أن يكون غير آمن تمامًا.. قد يتسبّب ذلك في فقدان السيطرة على السيارة”.
عيوب سيارات فين فاست الكهربائية
جرى تعيين “دينلي”، المتخصص في تصميم هياكل السيارات، لقيادة فريق الهندسة الذي يعمل على نظام التعليق الأمامي لسيارات فين فاست الكهربائية وهيكلها من سبتمبر/أيلول 2022، في منتصف مرحلة التصميم والاختبار التي يقول إنها كانت ذات جدول زمني ضيق بشكل غير عادي.
وسرعان ما أصبح قلقًا من أن “فين فاست” كانت تختصر الزوايا فيما يتعلق بالسلامة، وخفض التكاليف من خلال توظيف فريق صغير من المهندسين عديمي الخبرة.
وتزايدت مخاوفه عندما سمع أن 3 من أسلافه استقالوا بعد وقت قصير من المشروع، بحسب ما نقلته منصة “بي بي سي” البريطانية.
وقال “دينلي” إنه في فبراير/شباط ومارس/آذار 2023، في أثناء إجراء اختبارات قوية على سيارات “فين فاست”، انكسر مكونان وفشل اثنان آخران، كما زعم أن مكونات أخرى فشلت في الاختبارات اللاحقة.
وتابع أن هذه المكونات فشلت بعد أقل من 25 ألف كيلومتر (15 ألفًا و534 ميلًا)، في حين أنه من المتوقع -عادةً- أن تستمر لمدة 150 ألف كيلومتر (93 ألفًا و205 أميال) على الأقل.
وقال: “في وحدات القيادة، كانت بعض الأقواس معطلة تمامًا وسقطت على الطريق.. نحن نتحدث عن كيلوغرام أو كيلوغرامين من الألومنيوم.. بدأت هذه الحوادث في إطلاق أجراس الإنذار قبل وقت قصير من بدء الإنتاج”.
وصعّد “دينلي” مخاوفه إلى كبار المسؤولين التنفيذيين في “تاتا تكنولوجيز” و”فين فاست”، وقال إنه أوصى بإعادة تصميم المكونات المعيبة، وتصنيع أجزاء أكثر أمانًا وأعلى جودة.
وأضاف أن هذا كان سيرفع التكاليف بصورة حادة، ويتطلب من مجموعة “فين فاست” تأجيل إنتاج السيارة؛ إلا أن “فين فاست” التي كانت تستعد لبيع أسهمها وجمع الأموال من خلال الطرح في بورصة نيويورك، مضت قدمًا في الإنتاج.
وطلب “دينلي” من شركة “تاتا تكنولوجيز” إعادة تعيينه في مشروع آخر، لكن كبار المديرين رفضوا؛ إذ لم يكن “دينلي” سعيدًا بالارتباط بسيارة “فين فاست”، واستقال في مايو/أيار من العام الماضي (2023).
حوادث سيارات فين فاست الكهربائية
مع مهاراته بصفته مهندسًا استشاريًا مطلوبًا، وجد “دينلي” لاحقًا عملًا جديدًا عبر وكالة في “جاغوار لاند روفر” في غايدون بإنجلترا، المملوكة -أيضًا- لمجموعة تاتا.
ولكنه قال إنه ظل يرى تقارير عبر الإنترنت تظهر عيوبًا خطيرة في السلامة في نماذج سابقة من سيارة “فين فاست” نفسها، بما في ذلك مقطع فيديو يُظهر سيارة تتحرك للخلف دون سائق.
وفي تقرير آخر، اشتعلت النيران في سيارة من طراز “فين فاست” في صالة عرض في ألمانيا.
ونُقلت المكونات نفسها التي كان يختبرها في طرازي “في إف 6″ و”في إف 7” من “فين فاست”، من طرازين سابقين جرى طرحهما للبيع في الولايات المتحدة وفيتنام وأوروبا، وهما “في إف 8″ و”في إف 9”.
ثم في 24 أبريل/نيسان 2024، لقيت عائلة مكونة من 4 أفراد مصرعها في حادث تصادم في كاليفورنيا. وذكرت الشرطة أن السيارة فقدت السيطرة وانحرفت عن الطريق واصطدمت بعمود واشتعلت فيها النيران.
وفي الشهر التالي، أعلنت الإدارة الوطنية الأميركية لسلامة المرور على الطرق السريعة (NHTSA)، أنها تراجع طراز “فين فاست في إف 8”.
ودفعت تقارير الحادث “دينلي” إلى نشر منشورات على حسابه على موقع “ريديت”، قائلًا إنه عمل على تصميم السيارة، وكان يعتقد أنها مركبة تعرّض حياة الناس للخطر.
وبعد شهرين، في 18 يوليو/تموز 2024، أُنهي عقد عمل “دينلي” في شركة “جاغوار لاند روفر”، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
جاغوار لاند روفر
كشفت الوثائق الداخلية عن أن أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في “تاتا تكنولوجيز” كان على اتصال بمسؤولي “جاغوار لاند روفر” التنفيذيين لطلب فصل “دينلي”.
بعد أن رأى منشورات “ريديت”، ناقش مدير الموارد البشرية في “تاتا تكنولوجيز” باتريك فلود، رغبة شركته في إنهاء عمل “دينلي”، مع مدير الموارد البشرية وعضو مجلس إدارة “جاغوار لاند” روفر ديف ويليامز.
وأخبر فلود ويليامز أن “فين فاست” -عميلة مجموعة تاتا- أجرت تحقيقًا خاصًا بها، وحددت “دينلي” بوصفه مؤلف منشورات “ريديت”: “القلق هو أنه إذا فعل هذا الآن، فيمكنه أن يفعل الشيء نفسه في جاغوار لاند روفر”.
في اليوم نفسه الذي فُصل فيه، أُدرج “دينلي” في القائمة السوداء على منصة التوظيف الصناعية ماغنيت (Magnit)، التي أخبرت جاغوار لاند روفر أنها “وضعت علامة حمراء” عليه، وبالتالي سيُرفض أي طلبات منه لعمل آخر عبر المنصة تلقائيًا.
في 19 يوليو/تموز 2024، أرسل فلود بريدًا إلكترونيًا إلى محققي شركة جاغوار لاند روفر: “أردت فقط التحقق مما إذا كانت خدمات هذا الشخص قد أُنهيت مع جاغوار لاند روفر”؛ وأكد المحققون أنهم فعلوا ذلك.
وتُظهر الوثائق الداخلية أن مهندسًا آخر في شركة “تاتا تكنولوجيز” أخبر “جاغوار لاند روفر” أيضًا بوجود مشكلات في المكونات التي حذر منها دينلي على “ريديت”.
وقال “دينلي” إن رؤساءه في جاغوار لاند روفر كانوا يعلمون أنه لم يرتكب أي خطأ في عمله في الشركة، وأخبروه أنه فُصل لأن مجموعة تاتا كانت محرجة من منشوراته حول عميلها “فين فاست”.
ويلاحق “دينلي” حاليًا جاغوار لاند روفر أمام محكمة العمل؛ وقال: “لقد شعرت بالضيق إزاء ما يحدث في جميع أنحاء العالم حيث يدفع الأبرياء الثمن، وهو ثمن باهظ للغاية”.
وتابع: “اعتقدت أنه إذا بدأ بعض الناس في التحدث عن ذلك، فسيضطرون بالفعل إلى إجراء بعض التغييرات.. لسوء الحظ، لم يكن ردهم إجراء هذه التحسينات، بل قالوا: مرحبًا، من قال هذا؟ دعنا نذهب ونُسكته”.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر: