أولويات المغرب والجزائر دعم الوحدة والتكتل بغرض إستئصال “دورة” هدر الموارد والفرص

أولويات المغرب والجزائر دعم الوحدة والتكتل بغرض إستئصال “دورة” هدر الموارد والفرص

أولويات المغرب والجزائر دعم الوحدة والتكتل بغرض إستئصال “دورة” هدر الموارد والفرص

 
 
دكتور طارق ليساوي
حاولت من خلال مقال “الحاضر إبن الماضي” توضيح دور الوحدة و التكتل في ردم هوة الشقاق و وقف دورة الدم و العنف و العنف المضاد، و للتدليل على ذلك اعتمدت نماذج دولية ناجحة و مشجعة، و من ذلك تجربة الاتحاد الأوروبي  و مجموعة بريكس و منظمة شانغهاي ، و كيف نجحت هذه التكتلات الإقليمية في إدارة الخلافات السياسية و المصالح المتضاربة و تضميد جراح الماضي..

نبذ الفرقة:

و هذا النمط الغربي و الشرقي  في الوحدة، أول من أسس بنيانه محمد عليه الصلاة والسلام ، عندما وضع النواة الأولى للدولة الإسلامية في المدينة بعد الهجرة، إذ تم تجاوز منطق العصبيات و الصراع و تغليب منطق التعايش و الإخاء، و هو أمر جاء القران الكريم ليؤكده بشكل واضح في قوله تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران : 103]…لكن بالعودة إلى حاضر واقعنا المغاربي و العربي و الإسلامي نجد أن الصورة معكوسة و مقلوبة تماما، فهناك عودة للجاهلية الأولى القائمة على منطق الفرقة و التشتت و الطائفية و القبلية ..

سلوك لاعقلاني:

و للأسف في الوقت الذي نأمل أن نرى خطوات عملية بإتجاه رأب الصدع بين البلدين الجارين و الشعبين الشقيقين المغربي و الجزائري، نجد أن هناك إصرار على التصعيد و حشد كافة الجهود لدعم الفرقة و التفتت، و هذا السلوك اللاعقلاني و الذي لا عائد من وراءه – بموضوعية- يصدر من كلا الجانبين..فأحيانا نسمع تصريحات من جهات مغربية تهدد بورقة دعم استقلال منطقة القبائل ردا على دعم النظام الجزائري لجبهة البوليساريو..

منطقة القبائل:

و من ذلك ،  دعوة ممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة السيد “عمر هلال” في يوليو -تموز 2021، من خلال ورقة مقدمة إلى حركة عدم الانحياز، إلى ما وصفه بــ”تصفية الاستعمار في منطقة القبائل” في الجزائر، والمطالبة بـ”حق تقرير المصير” لسكان تلك المنطقة..

منطقة الريف:

وردّت الجزائر أن “تقرير المصير إنما ينطبق على منطقة الريف المغربي”،  و اتهم وزير خارجية الجزائر في حينه “رمضان لعمامرة” المغرب بدعم المنظمتين المعارضتين وهما “حركة استقلال منطقة القبائل” التي تُعرف اختصاراً باسم “ماك” و”جمعية رشاد” ..
و في هذا السياق العام الذي يتعارض مع منطق العصر و مصلحة البلدين الجارين، تم في الأيام الماضية و تحديدا يوم 23-11-2024،  انعقاد مؤتمر لحزب يسمى ب”الحزب الوطني الريفي” في الجزائر، بمشاركة ناشطين يدعون لاستقلال منطقة الريف عن المغرب، و قد علقت مواقع مغربية  على هذا  المؤتمر “بالاستفزاز الجديد للمغرب” متهمة الجزائر بدعم الحركات الانفصالية وابتزاز المغرب. فيما يصفها الجزائريون بحركات التحرر.

دعوات منفصلة:

و الواقع أني لم أسمع فيما قبل عن هذا الحزب  ، و شخصيا لست منفصل عن منطقة الشمال، بحكم توفري على سكن ثانوي بطنجة و غالبا ما أختلط بساكنة الريف، و لا أجد أي إختلاف بين داخل المغرب و شماله و هذه الدعوات منفصلة عن الواقع، و  لا أثر لها في  الواقع و لا تعبر عن تطلعات غالبية الناس ..
و كاتب هذه السطور ، كتب أكثر من مقال بل إن كتاب النموذج التنموي المنشود بأجزائه الثلاث، تناول بتفصيل  حراك الريف و جعله نقطة الارتكاز للتحليل الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي بالمغرب ،  و وضع خارطة طريق لتجاوز الأزمة البنيوية  ..
و بنظري، فإن احتجاجات الريف لا تختلف عن باقي الاحتجاجات التي شهدتها مدن مغربية أخرى، بل و لا تختلف في جذورها و أهدافها، عن الاحتجاجات التي شهدتها مدن جزائرية طيلة الفترة التي أعقبت الحراك الجزائري المبارك، و بالتالي فإن حراك الريف لم و لن يكون دعوة للإنفصال، بقدر ماهو إحتجاج على فشل تنموي ، بدليل خروج تظاهرات شعبية في أغلب المدن المغربية تضامنا  مع أهل الريف ..

مرحلة حرجة:

ففي الوقت الذي يعيش العالم مرحلة إنتقالية، مرحلة في غاية الخطورة قد تتوج بحرب إقليمية مدمرة ، يمكن أن تكون رحاها بالمنطقة المغاربية أو بشرق و جنوب أسيا، و حالة الشد و التصعيد بين البلدين الشقيقين المغرب و الجزائر يندرج ضمن هذا السياق العام، فإبان الحرب الباردة بين المعسكر الغربي و المعسكر الشرقي،  كل بلد إختار التموقع في معسكر ما ، فالمغرب مال بإتجاه المعسكر الغربي ، بينما الجزائر إتجهت نحو المعسكر الشرقي… و بالرغم من نهاية الحرب الباردة بإنهيار حائط برلين ، و إنفراد الولايات المتحدة بالنظام الدولي، إلا أن صعود الصين إقتصاديا و عودة روسيا إلى الواجهة ، و تحالف القوة العسكرية الروسية بالقوة الاقتصادية و البشرية الصينية ، جعل العالم يعود بالتدريج إلى حالة من الاستقطاب و المنطقة المغاربية و  القارة الإفريقية، تمتل ساحة أساسية في معركة الهيمنة و التنافس بين القوى الدولية في العقود القادمة ، لأنها سلة الغداء العالمي و مصدر للطاقة و للمعادن و الثروات الطبيعية المختلفة…

عداوة مصطنعة:

و ما دفعني إلى إثارة هذا الموضوع هو توضيح أن  العداوة بين المغرب و الجزائر عداوة مصطنعة و تتم بفعل فاعل و لغاية في نفس يعقوب،  فأولويات البلدين مغايرة لما يتم الترويج له ، و منافية للسياسات المتبعة، القائمة على منطق العداء و التنافس المحموم، فنحن عندما ننتقد الوضع العام في بلداننا لا نخدم أجندة أجنبية بل على العكس، عندما ننادي بالديموقراطية و الحكم الرشيد و مكافحة الفساد و منع تهريب الثروة الوطنية إلى الخارج، و ننتقد السياسات العمومية و نحلل مواطن القصور و الضعف، فذلك حرصا منا على إنقاذ أوطاننا من المجهول و تحقيق التغيير الأمن..

فشل مزمن:

ندرك جيدا أن بلداننا عاجزة على كل الأصعدة، و حرص الكاتب على تحليل الوضع في الصين و بلدان أسيا الغاية منه تنوير الرأي العام العربي بأن بلداننا لم تحقق أي إنجاز ، فهي لم تنجز لا ديموقراطية و لا تنمية و لم توسع خيارات الناس بل ضيقتها، و الأداء الاقتصادي و التنموي مؤشر على فعالية السياسات العمومية… و يكفي أن أنير بصيرة القراء الكرام ببعض الأرقام و المؤشرات ، فبحسب الوكالة الأوربية لحرس الحدود و السواحل ، الهجرة غير القانونية عبر إيطاليا و إسبانيا بلغت في الفترة ما بين يناير و سبتمبر 2021 فقط حوالي 8425 جزائريا و 4230 مغربيا و 14085 تونسيا و 4352 مصريا و 350 ماليا ، لا حظوا معي أن عدد راكبي قوارب الموت من البلدان المغاربية جد مرتفع و هذا مؤشر على الفشل التنموي و تضييق خيارات الناس..

سنغافورة إفريقيا:

 و  لنقارن و ضع المغرب  و الجزائر في 1999 مع وضع تركيا في نفس السنة ، و لنقم بمقارنة في 2024 ، فرق شاسع بين ما تحقق في تركيا و ما تحقق في المغرب و الجزائر يكفي أن الناتج القومي الإجمالي لتركيا في العام 2024 تجاوز الناتج القومي للدول المغاربية مجتمعة…بل لنقارن الوضع التنموي في دولة إفريقية” رواندا” التي  عانت إلى وقت قريب من حرب أهلية و صراعات عرقية ذهب ضحيتها نحو مليون قتيل ، و كيف انتقلت من بلد غارق في الدماء إلى أكثر البلدان الإفريقية نموا و جذباً للسياح والمستثمرين، وأسست نظاماً مستقراً بوَّأها مرتبة متقدمة بين بلدان القارة السمراء، من حيث النمو الاقتصادي والتجاري واستقطابها الاستثمارات الأجنبية واستقبالها عدداً كبيراً من السياح من مختلف الجنسيات.
وأصبح الكثيرون يلقبونها بـ”سنغافورة إفريقيا” أو “سويسرا إفريقيا”، لما حقّقته من إنجازات رائدة ووثبة اقتصادية هائلة ، منذ تولي الرئيس بول كاغامه السلطة عام 2000، الذي وضع خطة استراتيجية لجعل رواندا دولة ذات دخل متوسط ​​أعلى بحلول عام 2035، ثم دولة ذات دخل مرتفع بحلول عام 2050..

الصراع المزمن:

علينا الإقرار بموضوعية شديدة أن هذا الصراع المزمن بين الجزائر و المغرب لا يخدم مصلحة الشعبين، و إنما مصالح جهات معلومة بداخل هذه البلدان ، و مصالح القوى الدولية التي لها مصالح في منطقة المغرب الكبير، فمصلحة المغرب و الجزائر  ينبغي أن تنصب على التنمية و مكافحة الفساد والتأسيس لحكم ديمقراطي منتخب و مراقب من قبل الشعب، و دعم التكامل الإقليمي و تعزيز التجارة البينية و تقوية حركة رؤوس الأموال و الاستثمارات البينية،  أما سباق التسلح و السعي نحو كسب المؤيدين و شراء الذمم من الجانبين ، فذلك لن يجدي نفعا و يرهق و يعيق التنمية بكلا البلدين…
لذلك ، فالبلدان المغاربية  في حاجة إلى حكم رشيد  والى إرساء ثنائية الحساب والتقييم، و ربط المسؤولية بالمحاسبة ، فوطننا المغاربي  جريح و يحتاج لحكمة وتضحية العقلاء من أبنائه، رجالا و نساءا شيبا وشبابا فلا مناص من التغيير و الإصلاح السياسي الحقيقي و الجاد و محاسبة المفسدين و استرداد الأموال المنهوبة لإنقاذ بلداننا من الإفلاس و الفقر و العوز.. و من يدرس تاريخ أعرق الديمقراطيات يدرك أن فصل التجارة عن السلطان و مراقبة مالية الدولة، كانت البوابة الرئيسية لإقامة مجتمعات تسودها الحرية و المساواة والعدالة الاجتماعية ، و بناء مجتمعات متماسكة استطاعت أن تجد لنفسها موقع قدم في عالم اليوم، أما الاستمرار في سياسات فرق تسد، و تقسيم المقسم.. فذلك، يخالف المنطق السليم، و يعارض السنن  الكونية ، فمعظم البلدان التي حققت التقدم تجاوزت خلافات الماضي و راهنت على إصلاح الحاضر و تجويد المستقبل … و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ..
كاتب و أستاذ جامعي مغربي

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: