استقرار سبتمبر.. القطاع الخدمي في أمريكا يحافظ على استقراره رغم التحديات

نمو الطلب على النحاس بسبب عجز الإمدادات الهيكلي وتأثير الذكاء الاصطناعي والكهرباء

ارتفعت أسعار النحاس بشكل ملحوظ خلال تداولات الجمعة، رغم ضعف الاقتصاد الصيني الذي يستهلك 60% من إمدادات النحاس عالمياً؛ وهو توجه غير اعتيادي يعكس تحديات هيكلية في العرض. معظم المحافظ الاستثمارية لا تزال متحفظة ولا تستثمر في النحاس رغم دوره الحيوي في صناعة السيارات الكهربائية، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي. تتوقع بنوك كبرى باختلاف سيناريوهات وصول سعر النحاس إلى 15,000 دولار للطن، بارتفاع يقارب 43% من المستويات الحالية، مع ضرورة التمييز بين الاضطرابات المؤقتة والعوامل الهيكلية طويلة الأجل التي تؤثر في السوق.

عجز الإمدادات الهيكلي وتأثير الصدمات على أسعار النحاس

يواجه سوق النحاس عجزاً هيكلياً في المعروض يمتد حتى عام 2027، حيث أزالت ثلاثة اضطرابات كبرى كميات كبيرة من العرض العالمي، مما سدد ضربة قوية للسوق. أول هذه الصدمات كانت كارثة منجم “غراسبرغ” في إندونيسيا، ثاني أكبر منجم نحاس عالمياً، الذي أغلق بعد انهيار ناجم عن تدفق وحلي في سبتمبر 2025؛ مما أدى إلى إخراج ما بين 525,000 و591,000 طن من الإمدادات حتى نهاية 2026، ما يعادل 2.6% من الإنتاج العالمي من المناجم. بالإضافة إلى توقف منجم “إل تينيينتي” في تشيلي عقب انهيار نفق أدى إلى وفاة سبعة عمال، ووقف مؤقت لعمليات الطحن في منجم “كونستانسيا” في بيرو بسبب احتجاجات واضطرابات اجتماعية.

هذه الأحداث دفعت بنك غولدمان ساكس إلى تعديل توقعاته لسوق النحاس لعام 2025 من فائض متوقع إلى عجز يقدر بـ 55,500 طن، فيما تتوقع مؤسسة Benchmark Mineral Intelligence أكبر عجز في السوق منذ عام 2004. يؤكد المحللون أن توقف ثلاثة مناجم رئيسية في وقت واحد لا يتيح للسوق التكيف بالشكل المعتاد، بل يعيد تسعير كل شيء، مما يعزز الأسعار على الفور مع استمرار عجز المعروض الهيكلي بغض النظر عن توقيت استئناف عمل المناجم.

تزايد الطلب على النحاس بفعل التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي

يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محوريًا في تعزيز الطلب على النحاس بشكل غير مسبوق، إذ يتطلب كل مركز بيانات فائق (Hyperscale AI Data Center) ما يصل إلى 50,000 طن من النحاس، مقارنة بـ 5,000 إلى 15,000 طن في المراكز التقليدية. وتتوقع BloombergNEF أن تستهلك مراكز البيانات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي 400,000 طن من النحاس سنويًا خلال العقد القادم، مع بلوغ الذروة عند 572,000 طن في 2028، ومن المتوقع إجمالي استهلاك يبلغ 4.3 مليون طن بحلول 2035.

يزداد الطلب على الكهرباء من هذه المراكز بشكل كبير، حيث من المتوقع أن يزيد استهلاكها للكهرباء من 77 غيغاواط في 2023 إلى 334 غيغاواط بحلول 2030؛ ما يتطلب كميات ضخمة من النحاس في أنظمة التوزيع الداخلية والربط بشبكات الكهرباء. هذا التوسع في البنية التحتية يعكس تأثير التكنولوجيا الحديثة على سوق النحاس بشكل عام.

الاتجاهات الكهربائية وتوقعات أسعار النحاس المستقبلية

تدفع عدة اتجاهات كهربية مستدامة الطلب على النحاس بشكل مستمر، أهمها السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة. تحتاج المركبات الكهربائية إلى دبوس النحاس أكثر بمعدل 2 إلى 3 أضعاف مقارنة بالسيارات التقليدية، ويتوقع المجلس الدولي لدراسة النحاس (ICSG) أن يصل الطلب العالمي على النحاس إلى 33 مليون طن بحلول 2035، ويرتفع إلى 37 مليون طن بحلول 2050، مقارنة بـ 27 مليون طن في 2024. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد مشاريع الطاقة المتجددة مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية وتحديث شبكات الكهرباء بشكل كبير على النحاس لنقل وتوليد الطاقة.

ويُعد طول دورة تطوير المناجم، التي تستغرق في المتوسط 17 عاماً، سبباً رئيسياً في عجز الإمدادات وعدم قدرة السوق على مواكبة الطلب المتزايد بسرعة. هذا الواقع يعزز حالة العجز المستدام في السوق ويحفز المستثمرين على إعادة تقييم مراكزهم الاستثمارية.

• ثلاثة اضطرابات رئيسية في مناجم النحاس أدت إلى تقليص العرض العالمي
• الذكاء الاصطناعي يضاعف الطلب على النحاس في مراكز البيانات فائقة الحجم
• المركبات الكهربائية والطاقة المتجددة عوامل رئيسية في ارتفاع الطلب لفترة طويلة

شهدت عقود النحاس الآجلة لتسليم ديسمبر ارتفاعاً بنسبة 1.9% إلى 5.04 دولار للرطل، يعكس ذلك حالة التفاؤل الحذرة المتعلقة بسوق النحاس وسط تقلبات عالية وتوقعات استمرار العجز الهيكلي، إذ يظل هذا المعدن حجر الزاوية في بناء مستقبل الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحديثة على مدى العقود القادمة