16 شهرًا.. ارتفاع غير مسبوق في أسعار النحاس بسبب اضطرابات الإمدادات

ارتفعت أسعار النحاس بشكل ملحوظ خلال تداولات اليوم الجمعة، رغم أن معظم المحافظ الاستثمارية لا تزال خالية من التعرض لهذا المعدن الحيوي الذي يغذي تصنيع السيارات الكهربائية، والطاقة المتجددة، وبنية الذكاء الاصطناعي. وفي ظل وجود ضعف في الاقتصاد الصيني، الذي يستهلك نحو 60% من الإمدادات العالمية من النحاس، واصل السعر مسيرته التصاعدية، وهو موقف يعد غير معتاد في ظل هذه الظروف الاقتصادية.

أسعار النحاس وتأثير العجز في الإمدادات العالمية

يشهد سوق النحاس عجزًا هيكليًا في الإمدادات حتى عام 2027، حيث تتوقع بنوك كبرى أن يصل سعر النحاس إلى 15,000 دولار للطن، وهو ما يمثل ارتفاعًا بنحو 43% عن الأسعار الحالية. ومع ذلك، فإن هذا الصعود مرتبط بفهم فروقات الاضطرابات المؤقتة مقارنة بالعوامل الهيكلية طويلة الأمد. وقد تسببت ثلاثة اضطرابات كبرى في تقليص الإمدادات العالمية بشكل كبير، ما أدى إلى تشديد السوق بشكل غير مسبوق:

• كارثة منجم غراسبرغ في إندونيسيا، الذي أغلق تمامًا منذ 8 سبتمبر 2025 إثر انهيار كارثي بسبب تدفق الوحل، مما أخرج ما بين 525,000 و591,000 طن من السوق حتى نهاية 2026، بنسبة 2.6% من الإنتاج العالمي.
• انهيار نفق في منجم “إل تينيينتي” بشركة Codelco في تشيلي، أدّى إلى تعليق العمليات عقب وفاة سبعة عمال.
• تعطيل مؤقت لعمليات الطحن في منجم “كونستانسيا” في بيرو بسبب احتجاجات اجتماعية وحواجز، ما دفع شركة Hudbay لتوقيف نشاطها مؤقتًا.

وقد أدت هذه الأحداث إلى تعديل توقعات غولدمان ساكس لسوق النحاس عام 2025 من فائض قدره 105,000 طن إلى عجز بحوالي 55,500 طن، فيما تشير مؤسسة Benchmark Mineral Intelligence إلى احتمالية وقوع أكبر عجز منذ 2004. ويشرح المحللون أن توقف ثلاثة مناجم رئيسية في الوقت ذاته لا يقتصر أثره على التكيف فقط، بل يعيد تسعير السوق بالكامل، بينما العجز البنيوي لن يتغير حتى إعادة تشغيل هذه المناجم الجديدة.

النحاس والطلب المتزايد بفعل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي

ساهمت التقنيات الحديثة، ولا سيما الذكاء الاصطناعي، في زيادة الطلب على النحاس بطرق لم تكن متوقعة قبل عامين؛ إذ يحتاج كل مركز بيانات فائق الحجم (Hyperscale AI Data Center) إلى قرابة 50,000 طن من النحاس، مقارنةً بـ 5,000 إلى 15,000 طن فقط للمراكز التقليدية. وتتوقع BloombergNEF أن تستهلك هذه المراكز حوالي 400,000 طن سنويًا خلال العقد المقبل، مع ارتفاع يصل إلى 572,000 طن في عام 2028، وقد يتجاوز إجمالي النحاس المستخدم في مراكز البيانات 4.3 مليون طن بحلول 2035.

علاوة على ذلك، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الكهرباء من مراكز البيانات من 77 غيغاواط في 2023 إلى 334 غيغاواط بحلول 2030، مما يستلزم كميات هائلة من النحاس في أنظمة التوزيع الداخلية وربطها مع شبكات الكهرباء، ما يعكس دور النحاس الحيوي في البنية التحتية الحديثة القائمة على الذكاء الاصطناعي.

اتجاهات الطلب طويلة الأمد على النحاس في الكهربة والطاقة المتجددة وتوقعات الأسعار

تعزز عدة اتجاهات كهربائية الطلب المستدام على النحاس، من أبرزها:

• المركبات الكهربائية التي تحتاج إلى 2-3 أضعاف كمية النحاس المستخدمة في السيارات التقليدية؛ ويتوقع المجلس الدولي لدراسة النحاس أن يرتفع الطلب العالمي إلى 33 مليون طن بحلول 2035، ثم 37 مليون طن بحلول 2050، مقارنة بـ 27 مليون طن في 2024.
• مشاريع الطاقة المتجددة التي تشمل التوربينات الهوائية، والألواح الشمسية، وتحديث شبكات الكهرباء التي تعتمد بشكل كبير على النحاس لنقل وتوليد الطاقة.

ومن الجدير بالذكر أن دورة تطوير المناجم الجديدة تمتد إلى 17 عامًا في المتوسط، ما يعني عدم قدرة الإمدادات على التعامل سريعًا مع ارتفاع الطلب، وهو ما يعمّق العجز الحالي.

وفي سوق التداولات الأمريكية، ارتفعت العقود الآجلة للنحاس تسليم ديسمبر بنسبة 1.9% إلى 5.04 دولار للرطل بحلول الساعة 15:29 بتوقيت جرينتش، ما يعكس التفاؤل الحذر مع استمرار تقلبات السوق.

يبقى النحاس محورًا أساسيًا في صنع مستقبل الطاقة والسيارات الذكية، وسط تحديات الإمدادات والتطورات التكنولوجية التي تجعل من مراقبة أسعاره واستراتيجيات الاستثمار فيه ضرورة لا غنى عنها.