صعوبة الدولار.. هل ما زال العملة المفضلة في الأسواق؟

خفض أسعار الفائدة وتأثيره على الدولار والعملات العالمية: قراءة في الواقع والتحديات المستقبلية

في خطوة ملفتة، قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس ليصل النطاق إلى ما بين 4.00% و 4.25%، وذلك للمرة الأولى منذ بداية العام؛ هذه الخطوة جاءت استجابة للضغوط الاقتصادية والتحديات التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي، وخصوصاً تباطؤ سوق العمل، مما أثار تحولات واضحة في تحركات الدولار والعملات العالمية.

خفض أسعار الفائدة وتأثيره المباشر على الدولار والعملات العالمية

خفض أسعار الفائدة يصنع دوماً موجات مباشرة على الأسواق المالية والعملات، فقد شهد الدولار الأميركي خلال الفترة الماضية تقلبات حادة نتيجة هذا القرار، حيث سجل أدنى مستوياته أمام اليورو خلال أربع سنوات قبل إعلان الخفض. ويلاحظ أن الدولار بدأ في تعويض بعض خسائره تدريجياً بعد قرار الفيدرالي، لكن تراجع قيمته جاء نتيجة تأثيرات سياسية واقتصادية عميقة. في هذا السياق، يشير الخبير المالي د. محمود جباعي إلى أن سبب تراجع الدولار عالميًا يشمل عوامل متنوعة:

  • الأوضاع الجيوسياسية المتوترة التي تخلق حالة من عدم الاستقرار المالي
  • ارتفاع مديونية الولايات المتحدة إلى نحو 37 تريليون دولار، ما يعني أزمة ديون حادة
  • سياسات الحكومة الأميركية المالية، مثل فرض الرسوم الجمركية التي أدت لتوترات دولية أثرت سلباً على الدولار

تلك العوامل مجتمعة أضعفت من ثقة المستثمرين في الدولار، مع تحول الاهتمام نحو الملاذات الآمنة والبدائل الاستثمارية.

تراجع الدولار وارتفاع الذهب والعملات الأخرى: تأثيرات متبادلة

تراجع مؤشر الدولار كان فرصة ذهبية لارتفاع أسعار الذهب والمعادن النفيسة، فمع انخفاض تكلفة الاقتراض وانخفاض معدلات الفائدة الأميركية، شهد الذهب ارتفاعاً متسارعاً في ظل أجواء سياسية واقتصادية متوترة على مستوى العالم. يسجّل سعر أونصة الذهب حالياً حوالي 3800 دولار مع توقعات بأن تصل إلى 4000 وحتى 5000 دولار إذا استمرت الظروف على حالها. إضافة إلى الذهب، شهدت عملات أخرى تحسناً ملحوظاً مقابل الدولار، من بينها:

العملةنسبة التحسن مقابل الدولار
الجنيه الاسترلينيزيادة ملحوظة خلال الأيام الأخيرة
الين اليابانيتحسن تدريجي في الأداء
اليوروارتفاع مستقر مقابل الدولار

هذه التحولات توضح إعادة ترتيب أوراق الأسواق المالية في ظل الأزمات والتغيرات الحادة التي يشهدها العالم.

هل يواجه الدولار خطر فقدان مكانته بين العملات العالمية؟

على الرغم من تراجع الدولار، يظل الدولار محور الاقتصاد العالمي بفضل قوته السياسية والاقتصادية، وقدرته على التحكم في التجارة الدولية وتحديد أسعار الذهب والنفط، فضلاً عن كونه الملاذ الأول للبنوك المركزية. لكن التحديات الجديدة التي يظهرها الانخفاض في قيمة الدولار تشمل:

  • تصاعد أهمية العملات الرقمية التي بدأت تلقى قبولاً متزايداً في التداولات الرسمية والدولية
  • تنافس الذهب والعملات الرقمية مع جميع العملات الورقية كشكل بديل للقيمة
  • تقليل الاعتماد التدريجي على الدولار في بعض الاحتياطات النقدية العالمية

يضيف د. جباعي أن العملات الرقمية، إذا اعتمدتها دول كبرى مثل الولايات المتحدة رسمياً، قد تغير جذرياً موازين القوة الاقتصادية، لكن الدولار لا يزال وسيط التبادل الأساسي المرتبط بقوة الولايات المتحدة السياسية والأمنية، إذ لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة.

أما على الصعيد اللبناني، فقد أصبح الدولار هو الملاذ الرئيسي بعد سقوط الليرة وانهيار أسعارها، حيث ترتبط معظم المدخرات والتحويلات والمعاملات اليومية بالعملة الأميركية، مما جعل الاقتصاد اللبناني رهيناً لتقلبات سعر الدولار. لذلك، ينصح الخبير المالي بتوزيع الثروة والاستثمار في:

  • الذهب كملاذ آمن
  • العقارات التي تحافظ على القيمة
  • فتح استثمارات جديدة متنوعة بغض النظر عن طبيعة العملة

يؤكد جباعي أن الاحتفاظ بالمدخرات في العملة الورقية لن يحافظ على القيمة بسبب التضخم العالمي المستمر، في حين يشكل الاستثمار في الأصول المنتجة والملاذات الآمنة الوسيلة الأفضل للحفاظ على رأس المال.

يبقى الدولار محركًا رئيسًا للأسواق والاقتصادات العالمية، لكنه يواجه تحديات ضغطت على قيمته مع ظهور بدائل رقمية واستثمارات ملاذ آمنة، ما يفتح سؤالاً جوهرياً حول مستقبل تفرد الدولار وهل سيشهد العالم تحوّلات حقيقة في نظام العملات أم ستتوزع السلطة بين العديد من العملات البديلة.