ناقوس الخطر.. مضاربات الصرافين تتسبب بتهديد استقرار سوق الصرف السوري

يشكل تأثير المضاربات في سوق الصرف غير الرسمية على استقرار الليرة السورية أحد أبرز التحديات التي تهدد قوة الاقتصاد الوطني، إذ تُعد هذه المضاربات لعبة مدروسة يسعى من خلالها الصرافون لتحقيق أرباح سريعة على حساب قدرة الليرة الشرائية، مما يزيد من تعقيد الأزمة النقدية التي تضرب سوريا بشكل متواصل.

تأثير المضاربات على سوق الصرف واستقرار الليرة السورية

أكد الخبير الاقتصادي جورج خزام، مستشار وزير الاقتصاد والصناعة في سوريا، أن المضاربات التي يقودها الصرافون في السوق السوداء ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي دورات متكررة تعيد السوق إلى حالة من عدم الاستقرار المزمن، ما يفاقم أزمات المواطنين ويؤثر سلبًا على الاستقرار المالي. فقد استفاد الصرافون من التقلبات الأخيرة في سعر الدولار، حيث قاموا بشرائه بأسعار منخفضة لم تتجاوز 10,800 ليرة سورية، ثم ضخوا كميات منه بأسعار مرتفعة تجاوزت 11,300 ليرة بنسبة ارتفاع يومية تصل إلى 4.5%، وذلك ما مكّنهم من تحقيق أرباح تفوق 9% خلال فترة قصيرة للغاية، رغم الانكماش الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية للمواطن.

هذه الأرباح ليست نتيجة تفاعلات طبيعية للسوق، بل تعكس استغلالًا ممنهجًا للتقلبات النقدية حيث يفرض الصرافون إيقاعهم على سعر الصرف غير الرسمي، مع استمرار الأسواق في حالة ترقب وتذبذب مستمر في قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي. ويرصد مصرف سوريا المركزي سعر صرف الدولار في البنوك عند 11,000 ليرة للشراء و11,110 ليرات للبيع، بينما يصل السعر في السوق الموازية إلى حدود 11,150 ليرة للشراء و11,200 ليرة للبيع.

معادلة المضاربات ودورها في تآكل قيمة الليرة السورية

شرح خزام آلية المضاربات في السوق غير الرسمية، مستعرضًا معادلة بسيطة لكنها قاتلة لاقتصاد هش مثل الاقتصاد السوري: في حال انخفاض سعر الدولار بنسبة 50%، من 10,000 إلى 5,000 ليرات، يستطيع الصراف شراء ضعف كمية الدولار بنفس قيمة الليرات، مما يمنحه ربحًا يعادل 100%، أي ضعف نسبة الانخفاض. هذه الدورة المستمرة تمكّن المضاربين من تضخيم مكاسبهم في كل موجة صعود أو هبوط، بينما يخسر المواطن السوري القيمة الحقيقية لمدخراته وتتسارع تآكل القدرة الشرائية لأجوره.

ومع سياق اقتصادي معقد تتسمه معدلات تضخم هائلة تجاوزت 300% منذ عام 2020، وصعود متواصل في أسعار السلع الأساسية بأكثر من 20% خلال الأشهر الأخيرة بحسب تقارير برنامج الأغذية العالمي، تتزايد مخاطر تأثير المضاربات على استقرار الليرة السورية والاقتصاد الوطني عموماً.

دور السوق السوداء في controla استقرار الليرة السورية والسياسات اللازمة للحد من المضاربات

برزت السوق السوداء كعامل رئيسي في تحديد سعر الصرف الفعلي، متجاوزة تدخلات مصرف سوريا المركزي الذي لا يزال عاجزًا عن ضخ كميات كافية من الدولار أو فرض ضوابط فعّالة لاحتواء المضاربات. وتنعكس هذه الديناميكية المضاربية ليس فقط على سوق الصرف، بل تمتد لتؤثر على أسعار المواد الأساسية المستوردة كالقمح والدواء والمشتقات النفطية، حيث يؤدي ارتفاع سعر الدولار إلى زيادة فاتورة الواردات، التي يضطر التجار لتحميلها على المستهلك النهائي، محولين بذلك المواطن السوري إلى الحلقة الأضعف في هذه السلسلة الاقتصادية المتدهورة.

• انتقال المضاربات من صرف العملات إلى زيادة أسعار المواد الأساسية.
• تراجع القدرة الشرائية للمواطن بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار.
• عجز المؤسسات الرسمية عن ضبط السوق والمضاربات.

وفق خزام، فإن وصول سعر الدولار إلى مستويات فوق 11,600 ليرة السورية ما هو إلا نتيجة حتمية لهذه اللعبة التي تعتمد على جمع العملة الصعبة بأسعار منخفضة ثم دفع سعرها صعودًا عبر تسعير وهمي، مما يجعل الليرة السورية في مسار تراجع مستمر ويفقد الناس ثقتهم بوعد الاستقرار النقدي، ما يفاقم حالة الانحدار المالي ويزيد من معاناة السوريين الذين يعيشون في حلقة مفرغة من التضخم والغلاء.

ويخلص خزام إلى أن معالجة هذه الأزمة تتطلب اعترافًا رسميًا بسيطرة السوق السوداء على المشهد المالي، بالإضافة إلى وضع سياسات شفافة وجدية تضمن ضبط العرض والطلب، وتنشيط مصادر حقيقية للنقد الأجنبي من خلال تحفيز الصادرات والاستثمار، حيث تظل غياب هذه الإجراءات سببًا رئيسًا في استمرار الاقتصاد السوري رهينة لممارسات المضاربات الخطيرة.