امرأة حكمة.. كيف صنعت قراراً مفصلياً في مباراة الهلال والقادسية؟

بين هدفي الهلال والقادسية، كانت هناك امرأة حكم تتحكم بمصير المباراة، حيث برزت الحكمة الإسبانية إليانا فيرنانديز في دورها كمساعدة حكم خلال مواجهة الهلال والقادسية في الجولة السادسة من دوري روشن السعودي للمحترفين، والتي انتهت بالتعادل 2-2 على ملعب “المملكة أرينا” بالرياض؛ هذه اللحظة التاريخية لم تكن مجرد تسجيل للأهداف، بل كانت رمزًا لتجديد مفهوم التحكيم في كرة القدم العربية عبر وجود امرأة إسبانية تثبت كفاءتها وسط أجواء تميل للهيمنة الذكورية تاريخيًا.

تفاعل جماهيري واسع مع وجود امرأة حكم في مباراة الهلال والقادسية

لم يكن اهتمام المشجعين محصورًا في أهداف الهلال والقادسية أو أداء اللاعبين مثل سيباستيان جوزيه ورضا نور الدين، إنما تحول بالكامل إلى الحكمة إليانا فيرنانديز التي أبهرت الجميع بزيها الأسود الأنيق وتركيزها المستمر على خط اللعب؛ أدت مهامها بدقة وثقة عالية، لتصبح أيقونة للإنجاز النسائي في مجال يهيمن عليه الرجال عادةً. سرعان ما تحولت المباراة إلى ظاهرة رقمية تفاعلية عبر منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا تويتر وإنستغرام وتيك توك، حيث انتشرت صور ومقاطع فيديو تظهر قراراتها التحكيمية السليمة، مع تعليقات مشجعة من الجمهور السعودي والعربي يثنون على حضورها غير المسبوق.

كتب أحد المتابعين: “لم أظن أن امرأة ستتحكم في مجريات المباراة بهذا المستوى… إليانا تظهر أن الكفاءة لا ترتبط بالجنس”، بينما أشار آخر إلى أنها “أيقونة للمرأة السعودية التي تؤمن بأن الإمكانيات أهم من المظاهر.” وبلغت حملة التفاعل ذروتها حيث تصدرت هاشتاغ “#إليانا_فرنانديز” قائمة الأكثر تداولًا في السعودية لساعات، فيما تجاوزت منشورات مقارنة أدائها بحكام رجال أكثر من 1.2 مليون تفاعل، وصارت صورتها واحدة من أشهر الصور المشاركة في تاريخ دوري روشن السعودي.

من هي المرأة الحكم إليانا فيرنانديز التي أثرت مباراة الهلال والقادسية؟

ولدت إليانا فيرنانديز في مدينة أوفييدو الإسبانية عام 1990، وبدأت مسيرتها في التحكيم عام 2006 بعمر 16 عامًا، بعدما لاحظت لجنة تحكيم محلية موهبتها خلال مباريات الفئات الشابة. ومنذ ذلك الحين، سارت في رحلة تطور متواصلة عبر الفئات السفلية إلى أن أصبحت في عام 2022 ثاني امرأة في تاريخ إسبانيا تعين كمساعدة حكم في دوري الدرجة الأولى “لا ليغا” وهو إنجاز وطني نادر في مهد كرة القدم العالمية.

في 2019، انضمت إلى القائمة الدولية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ما منحها فرصًا للمشاركة في مسابقات أوروبية وعالمية هامة. كانت إليانا حضورًا بارزًا في عدة بطولات مرموقة منها:

  • كأس العالم للسيدات تحت 20 عامًا 2022 في كوستاريكا، حيث أدارت مباريات حاسمة في المراحل النهائية.
  • دوري أبطال أوروبا للسيدات 2022/2023 بمستوى تحكيم عالي في مرحلة المجموعات.
  • بطولة الأمم الأوروبية للسيدات (UEFA Women’s Euro) 2022، حيث ساهمت بتحكيم دقيق ومحايد.

دور المرأة الحكم إليانا فيرنانديز في تطوير التحكيم السعودي وتأثيرها الاجتماعي

وفقًا لمصدر رسمي في الاتحاد السعودي لكرة القدم، جاء اختيار إليانا ضمن استراتيجية مقصودة لتعزيز التنوع والكفاءة في صفوف الحكام، واستقطاب خبرات متميزة ترفع من المستوى الفني في دوري روشن. وُصفت بأنها “مرشحة مثالية” لمزيد من المشاركة في المباريات المحلية المقبلة. وفي الوقت ذاته، تكمن الرسالة الأعمق في رمزية وجود امرأة إسبانية تمارس مهنتها بثقة وسط الملاعب السعودية، ما يشكل تحولًا نوعيًا في النظرة الاجتماعية تجاه دور المرأة في مجالات قيادية وفنية بعيدة عن القوالب التقليدية.

وأكدت إليانا فيرنانديز في مقابلة قصيرة بعد المباراة، عبر المترجم الرسمي، شعورها بأنها “الحكم” قبل كل شيء، وليس فقط كأنثى في موقع مميز؛ وأضافت أنها فخورة بتمثيل هذا اللقاء، وأملت أن تكون مثالًا يحتذى به لكل فتاة تحلم بوضع وشاح التحكيم، في إسبانيا أو السعودية أو في أي مكان على العالم.

ربما لن يتذكر المشجعون نتيجة التعادل 2-2، لكن لحظة دخول إليانا فيرنانديز للميدان ستظل محفورة كحدث غير عادي يعيد تعريف مفهوم الاختصاص في كرة القدم؛ فقد كانت أكثر من مساعدة حكم، بل رمزًا لعصر جديد، حيث لا تُقاس الإنجازات بالجنس، بل بالمهارة، والإرادة، والثقة التي لا تلين. وفي ظل توجهات رؤية 2030 التي تعزز تمكين المرأة وتفتح أمامها كل المجالات، فإن هذه المباراة قد تكون نقطة انطلاق حقيقية، ليس فقط في دوري روشن، بل في تاريخ كرة القدم في المنطقة برمتها.