الوتد الجديد.. سرد مدهش لعزلة خيري شلبي بين الموتى في المقابر

في ذكرى وفاة الروائي الكبير خيري شلبي، يبرز سر إبداعه الذي تمثل في استئجاره حوش مقابر بمنطقة المجاورين بالقاهرة، ليكون ملاذه الخاص بعيدًا عن ضوضاء العاصمة، حيث وجد في هذا الهدوء العميق مساحة للتأمل والعمل الأدبي وسط صمت الأموات الذي غمره بالإلهام.

كيف منح استئجار حوش المقابر الهدوء الذي يحتاجه خيري شلبي للإبداع الأدبي

كان خيري شلبي يقدّر الهدوء بشدة، وكان هذا الهدوء الوسيلة التي يستوحي بها أفكاره الأدبية؛ فقد أكد السيد أنور السنهوري، شقيق زوجة الروائي الراحل، أن سنوات الإبداع الثماني التي قضاها بين أرجاء حوش مقابر المجاورين كانت محطّة حاسمة في مسيرته الفنية، إذ كانت تتيح له الفرصة للكتابة دون تشويش أو انقطاع. وكانت زوجته تقف إلى جانبه، مهيئة له بيئة هادئة بعيدة عن هموم الحياة، مما جعله يفقد أحيانًا الوعي بمراحل نمو أبنائه بسبب تركيزه التام في عمله الأدبي.

دور الزوجة في دعم مسيرة خيري شلبي الأدبية وتحقيق الهدوء المطلوب للكتابة

اعترف الروائي في إحدى مقابلاته الصحفية بقوله: “اللي ربت عيالي ربتني معاهم”، مشيرًا إلى نجاح زوجته في قيادة الأسرة نحو الاستقرار، وتوفير كل سبل الراحة والدعم له. كان تفرغ الزوجة التام لتربية الأبناء وتنظيم شؤون الحياة سببًا رئيسيًا في إبعاد الروائي عن الضغوط اليومية، مما أتاح له التركيز الكامل على الإبداع الأدبي، ومد يد العون لصنع مساحات هدوء تمكّنه من إنتاج أعماله.

رحلة استئجار حوش المقابر: من عطل السيارة إلى مكان للإبداع والصفاء الذهني

حدث ذلك في منتصف الثمانينيات، عندما تعطلت سيارة خيري شلبي أثناء مروره بطريق مشهور قبل تطويره؛ فاضطر للتوجه إلى ورشة حرفي كهربائي سيارات بالقرب من مقابر المجاورين. استغل الوقت في تلك المنطقة الهادئة للكتابة، حتى غمره شعور بالراحة والسكينة وسط الأموات إلى حد نسيان الوقت أثناء ممارسة عمله الأدبي. بعد هذه التجربة قرر تأجير حوش في المقابر من أحد الأهالي الذي تعرف عليه، واحتفظ بهذا المكان لمدة ثماني سنوات من 1986 إلى 1994 كمكان يختزل فيه تفاصيل الحياة ويصقل خياله ويمنحه فرصة العزلة الضرورية.

في هذه البيئة الصامتة، استطاع الروائي تحويل واقع البسطاء ومآسيهم إلى قصص تنبض بالحياة؛ إذ كتب أعمالًا خالدة مثل “الوتد” و”وكالة عطية”، مستندًا إلى تفاصيل دقيقة التقطها من حوله.

التعاون الفني في مسلسل “الوتد” والاهتمام باللهجة الريفية

في عام 1996، اتصل خيري شلبي بطارقه وطلب منه القدوم إلى القاهرة، حيث انضم إلى فريق عمل مسلسل “الوتد” الذي استند إلى روايته الشهيرة. ساهم في توضيح لهجة قرية شباس عمير الريفية، من خلال التعاون مع المخرج أحمد النحاس والراحلة هدى سلطان، مقدمًا المصطلحات المحلية مثل “الغرفة” التي كانت تُسمّى “القاعة” وغيرها من التعبيرات الريفية الأصيلة. استمر ملازمته لفريق العمل حوالي 70 يومًا، من جلسات قراءة النصوص إلى تصوير الحلقات داخل ستوديو الأهرام، مؤكدًا أن المسلسل لم يحمل الحقيقة الكاملة عن تفاصيل الأسرة التي تحكيها الرواية، بل أجَّل بعض المشاهد إلى خيال المؤلف.

حكاية ابداع وسط الصمت وذكرى الوفاة التي تحيي روحه

ظل خيري شلبي يبحث عن العزلة التي تسمح له بالغوص في أعماق التجربة الإنسانية، وقد وجد في الحوش بقرب مقابر المجاورين ما يفتح أمامه أبواب الخيال ويغنيه بالأفكار. بعد رحيله، أصبحت ذكرى وفاته تُحيى سنويًا بمراسم قرآنية وصَدَقات تُقدّم عن روحه عبر شقيقته، ليبقى هذا المكان شاهدًا على شخصية أديب عاش بين الناس ليفكر بهم وأنتج أدبه من قلب وسط الصمت؛ جمال اختزله في لحظات سلام بمدينة مزدحمة.

الفترةالمكانالأحداث
1986 – 1994حوش مقابر المجاوريناستئجار الحوش والكتابة وسط الهدوء والإلهام
1996القاهرة – ستوديو الأهرامالتعاون مع فريق مسلسل “الوتد” كمصحح للهجة الريفية