أسعار قياسية.. فائض الذهب في لبنان بين المخاطر والفرص الاقتصادية

الوجهة الأنسب للاستفادة من ارتفاع سعر احتياطات الذهب في لبنان تثير جدلاً واسعاً بين خبراء المال والاقتصاد، خاصة مع امتلاك لبنان نحو 286.8 طناً من الذهب، ما يجعله يحتل المرتبة الثانية عربياً بعد السعودية. وتُقدَّر القيمة السوقية لهذا الاحتياطي بحوالي 31.5 مليار دولار، بعدما شهدت زيادة تقترب من الثلث خلال عام واحد (2024-2025)، مع تسجيل ارتفاعات متكررة، آخرها نصف مليار دولار خلال منتصف أغسطس الماضي.

الوجهة الأفضل للاستفادة من ارتفاع سعر احتياطات الذهب في لبنان بين المخاوف والفرص

يشهد لبنان لحظة حرجة في التعامل مع احتياطات الذهب وسط تخوفات المواطنين من فقدان أصولهم، بينما يتردد المسؤولون في اتخاذ قرار بيع جزء من الذهب لاستعادة ودائع المواطنين المجمّدة، ما يثير مشاعر الخوف من خطوة سلبية قد تحرم لبنان من الاستفادة من ارتفاعات محتملة في أسعار الذهب العالمية. الحكومة طرحت جدياً فكرة تسييل جزء من الاحتياطي لتحريك الاقتصاد ومحاولة معالجة الأوضاع المالية والنقدية المتدهورة، لكن هذه الخطوة تصطدم بحالة رفض واسعة تدعو إلى عدم المساس بالذهب بسبب فقدان ثقة اللبنانيين بالدولة ومؤسساتها، بالإضافة إلى إصرار بعض الخبراء على أن السيولة المطلوبة يمكن تحقيقها عبر مكافحة الفساد واستثمار أصول الدولة بشفافية وبشراكات حقيقية مع القطاع الخاص.

مشهد الأسواق العالمية وتأثيره على الوجهة الأفضل للاستفادة من ارتفاع سعر احتياطات الذهب في لبنان

تشير مؤشرات الأسواق المالية العالمية، منذ بداية سبتمبر، إلى ارتفاع قياسي في أسعار المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والبلاتين والبلاديوم، ضمن تغييرات هيكلية في النظام النقدي العالمي. يرتبط هذا الارتفاع بتقلبات في العرض والطلب داخل الأسواق الصناعية، وزيادة إقبال المستثمرين على الأصول الصلبة كوسيلة تحوط ضد مخاطر عدم اليقين المالي والسياسي. وفي ظل هذا المشهد، يتوجب على لبنان، الذي يمتلك احتياطيات ذهبية ضخمة، التوازن بدقة بين المخاطر المحتملة والفرص المتاحة للاستفادة القصوى من التغيرات، مع الحرص على الحفاظ على قوة احتياطات الذهب باعتبارها من أهم عوامل استقرار الاقتصاد الوطني.

المخاطر القانونية والمالية في تسييل الذهب وكيفية توظيفه كورقة تفاوضية استراتيجية

يرى المحامي المختص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية، الدكتور باسكال ضاهر، أن الذهب يشكل غطاءً استراتيجياً للاستقرار المالي السيادي، ويحسن من صورة لبنان الائتمانية ويعزز مصداقيته دولياً، لكنه يشير إلى أن خيار تسييل الذهب أو التعاقد على عقود إيجار معقدة يطرح عدة مخاطر. أهمها فقدان الغطاء السيادي وتهديد الثقة الدولية، ما قد ينعكس على خفض التصنيف الائتماني للبنان. بالإضافة إلى أن عقود الإيجار المعقدة (Gold Leasing) توفر سيولة قصيرة الأجل لكنها تلزم الدولة بتزامات طويلة الأمد تزيد من هشاشة وضعها المالي. كما يحذر من مخاطر التسييل في أوقات الاضطراب أو بأسعار غير مناسبة، مما قد يؤدي إلى خسائر استراتيجية مقابل مكاسب مؤقتة ومحدودة.

تُستخدم احتياطيات الذهب أيضاً كأداة تفاوض غير مباشرة مع المؤسسات المالية الدولية، لا سيما صندوق النقد الدولي، لتعزيز الثقة مع المانحين وتحقيق شروط تمويلية أقل صرامة. ويشدد ضاهر على أهمية الحفاظ على الذهب كأصل استراتيجي لا يجب الإنفاق عليه بشكل طارئ، ويدعو إلى الشفافية من خلال نشر تقارير دورية عن الاحتياطي الذهب، وتجنب الدخول في عقود تأجير معقدة قد تعرّض الدولة للخضوع لشروط مالية قاسية. كما يؤكد على ضرورة تنويع أدوات التمويل عبر إصلاحات هيكلية، مكافحة الفساد، وتوقيع اتفاقيات دولية للتمويل، وكلها خطوات ضرورية لتجنب الوقوع في فخ الاعتماد الأحادي على الذهب.

  • الحفاظ على احتياط الذهب كأصل استراتيجي لا يمكن بيعه بسرعة
  • تعزيز الشفافية بنشر تقارير دورية عن احتياط الذهب
  • تجنب الدخول في عقود تأجير الذهب المعقدة
  • تنويع أدوات التمويل بمكافحة الفساد والإصلاحات الهيكلية
  • توظيف ارتفاع قيمة الذهب كورقة تفاوضية مع صندوق النقد الدولي
الكمية (طن)القيمة السوقية (مليار دولار)
286.831.5
الزيادة في سنة 2024-2025نحو الثلث
الزيادة في أغسطس 2024حوالي 0.5 مليار دولار

يبقى السؤال المطروح: هل يقرر لبنان فتح الباب أمام تسييل جزء من ذهب الاحتياطيات، أم يثبت موقفه على حماية “الأصفر الرنان” للأجيال القادمة؟ تتقاطع الخيارات بين الحاجة الماسة للسيولة الفورية، والحرص على استثمار الأصول الاستراتيجية بحكمة. وتعكس الأزمة المالية الحالية ضرورة عمل متوازن يجمع بين الحفاظ على الثقة والسيولة، بعيداً عن القرارات العابرة التي قد تضر بالاقتصاد وسيادة لبنان على المدى البعيد.