الكذب المتكرر.. كيف أصبحت الببغاوات مرآة للادعاءات الكاذبة؟

بدأت المعارضة الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر توجيه اتهامات مباشرة إلى بنيامين نتنياهو بأنه يسعى للحرب من أجل البقاء في السلطة، وسط غياب أي تحركات فعلية حقيقية لإزاحته أو إضعاف حكومته؛ إذ لم يشجعوا غالانت على انقلاب ضده، ولم يتفقوا فيما بينهم على بديل، كما لم يدعموا أي مظاهرات شعبية بشكل فعلي، بل اقتصروا على التأييد عن بعد بينما ظلوا بعيدين عن بناء تحالفات حقيقية مع أجنحة الليكود المعارضة لنتنياهو أو الأحزاب الحريدية، بل إنهم شاركوه بشكل غير مباشر عبر عدة شخصيات مثل جانتس وأيزنكوت قبل أن ينفصل ساعر، وتزايد استعداؤهم ليائير جولان حتى تم إقصاؤه من تحالفاتهم، الأمر الذي زاد من ضعفهم في مواجهة “حكومة العصابة”.

لماذا لا تسعى المعارضة الإسرائيلية لإسقاط حكومة نتنياهو رغم الاتهامات؟

يختلط اليمين واليسار في دولة الاحتلال في النقاشات السياسية، إلا أنهم يجتمعون حول أجندة قومية وتوراتية موحدة، وهذا ما يجعل القوى المعارضة عاجزة أو غير راغبة بإسقاط حكومة نتنياهو لأسباب استراتيجية عدة؛ فنتنياهو يواجه محاكمات فساد قد تؤدي به إلى السجن أو حتى القتل، وهذا الموقف يجعل الخصوم ينتظرون أن تسقطه الظروف بنفسها دون تدخل مباشر منهم، كما أن نتنياهو محمل بكل تبعات الهزيمة التي حدثت في السابع من أكتوبر، ويرتبط مصيره ارتباطًا وثيقاً بنتائج الحرب الراهنة؛ إذ يحقق لهم ذلك مبرراً لتبرئة المؤسسة الإسرائيلية الرسمية من أية مسؤولية، والتأكيد على أنها مجرد أداة تنفذ أوامر زعيم واحد محاط بالأعداء من كل جانب. ويشبهون نتنياهو وشخصيات مثل ترامب التي كانت أدوات تُستخدم ثم تُستبدل بعد تنفيذ المطلوب، وهو ما يفسر صمت المعارضة الحالية وعدم تحركها الجدي.

تداخل الإعلام العربي في تمكين رواية الاحتلال بنقل مسؤولية الحرب إلى نتنياهو

يلعب الإعلام العربي، بما في ذلك الفلسطيني، دوراً خطيراً في تعزيز الرواية الصهيونية التي تفصل بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، وتصور الجيش والمؤسسة الأمنية وكأنهما ضحية قرارات نتنياهو فقط، وهو تصوير يربك القضية ويضعف مصداقية المقاومة الفلسطينية، إذ يوحي أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تنفذ جرائمها رغماً عنها، وهذا ما يصب في مصلحة الاحتلال الذي يعتمد على هذه الروايات لتعزيز موقفه دولياً. كما يكرر البعض داخل الأوساط العربية والفلسطينية أن حماس هي السبب في ما يجري بغزة أو أن هناك مصالح مشتركة بين حماس ونتنياهو للحفاظ على استمرار الحرب، ما يغذي الانقسامات ويقدم خدمات مجانية لسياسات الاحتلال والولايات المتحدة التي تراقب الوضع عن كثب.

دور الولايات المتحدة والدعم الدولي في استمرار الاحتلال وتثبيت رواية الضحية والمعتدي

تمارس الولايات المتحدة غطاءً كاملاً للاحتلال وتدافع عنه في كل المحافل الدولية، وتهدد بمحاكمات عقابية ضد من يتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، كما تعاقب السلطة الفلسطينية لمنعها من دعم قضايا الاحتلال قضائياً أو عبر منظمات دولية. يستمر الدعم الأمريكي الأوربي والإعلامي في صرف الأنظار عن جوهر القضية الأصلية، وهو وجود الاحتلال ذاته، ويتجلى ذلك في عدة وسائل:

  • المشاركة المباشرة من الولايات المتحدة في حماية الاحتلال
  • إلهاء الضحية باستمرار عبر الحديث عن حل الدولتين المزيف
  • صمت وتعاطٍ سلبي من بعض الأطراف العربية
  • اتهام المقاومة الفلسطينية بأنشطتها المشروعة بالمسبب لكل ما يحدث

يبقي هذا الخطاب الإعلامي المكرر والمتكرر على تفوق الاحتلال، ويُحوّل الفلسطينيين من ضحايا إلى مجرمين في السرديات الدولية، ما يؤدي إلى فقدانهم كل الأوراق الرابحة التي ملكوها في كفاحهم من أجل إنهاء الوجود الصهيوني العنصري في المنطقة. تغطية القوى العظمى، وكذلك الصمت الدولي والإقليمي، يجعل من العملية الحالية أداة لإعادة ترميم السيطرة الأميركية على المنطقة، بعدما ظهر التحدي الروسي والإيراني واليمني والفنزويلي. يبقى السؤال قائمًا عن مدى وعي القوى الكبرى وخاصة الصين خشية أن تستيقظ من غفلتها بعدما تستنفد الأطراف الأخرى المعارك بمواقف ضعيفة واهية.