روحاني وفني.. رحلة الشيخ ياسين التهامي التي تركت أثراً لا يُنسى في عالم الفن والروحانيات

الشيخ ياسين التهامي هو أحد أعلام الإنشاد الصوفي العريق في مصر والعالم العربي، وصوته العذب العميق جعله رمزًا خالدًا في مجال المديح النبوي والمجالس الروحانية منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، محققًا حضورًا مميزًا في عالم الإنشاد الديني والصوفي بفنه الخاص الذي يجمع بين الحب الإلهي والوجد الروحي.

من هو الشيخ ياسين التهامي ومسيرته الفنية والروحية

وُلد الشيخ ياسين التهامي عام 1949 في قرية الحواتكة بمركز منفلوط في محافظة أسيوط، ونشأ في بيئة ريفية محافظة مليئة بالمظاهر الروحانية كالمساجد والزوايا وحلقات الذكر المنتشرة بين الناس، ليحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ويتأثر بالتراث الديني والصوفي المحيط به منذ طفولته؛ ما شكل وجدانه الفني والروحي، وفتح له باب الدخول إلى عالم الإنشاد. بدأ مسيرته الفنية في بداية السبعينيات، مشاركًا في الاحتفالات الدينية والمناسبات الشعبية، واستطاع أن يحقق شهرة واسعة في صعيد مصر قبل أن ينطلق نحو القاهرة والمحافظات الأخرى، جامعًا بين الحضور الشعبي الكبير والطابع الروحاني العميق في حفلاته ومجالس الذكر.

الأسلوب الفني وتأثير الشيخ ياسين التهامي في الإنشاد الصوفي

تفرّد الشيخ ياسين التهامي بأسلوبه الفني المميز، حيث لم يكن مجرد منشد يكرر القصائد الصوفية التقليدية، بل أبدع مدرسة فنية تقوم على عدة محاور أساسية:

  • أداء قصائد كبار المتصوفة كمحققٍ ومؤدي عميق مثل ابن الفارض، الحلاج وجلال الدين الرومي
  • استخدام مقامات موسيقية متنوعة تضفي على الإنشاد غنى روحيًا وثراءً صوتيًا
  • طول النفس في الأداء حيث يمتد الإنشاد لساعات دون أن يفقد الحضور حماسهم
  • خلق حالة وجد صوفي وتجلٍّ فريد داخل المجالس الروحانية

وقد عُرف بصوته الجهوري المهيب الذي يجمع بين القوة والعذوبة، مما جعله مختلفًا تمامًا عن باقي المنشدين، وأتاح له أن يؤثر بشكل مباشر في قلوب المستمعين، محققًا حضورًا روحانيًا خالدًا.

الانتشار والإرث الروحي للشيخ ياسين التهامي في عالم الإنشاد الصوفي

لم يقتصر حضور الشيخ ياسين التهامي على حدود القرية أو حتى مصر، بل امتد ليشمل معظم الدول العربية وأوروبا وإفريقيا، حيث أحيا العديد من الحفلات والملتقيات الدينية التي جعلت من الإنشاد الصوفي ظاهرة عالمية، ومثّلت جسراً بين ثقافات مختلفة. كان له دور بارز في إحياء هذا الفن ونقله من الزوايا الصوفية الصغيرة إلى المسارح الكبرى والمهرجانات الدولية، معززًا مكانته كوجه بارز للتراث الروحي المصري. أثّر هذا الانتشار بشكل مباشر في الأجيال الجديدة من المنشدين، لاسيما ابنه الشيخ محمود التهامي، الذي سار على خطى والده محافِظًا على جماليات الفن الصوفي، مما ساهم في استمرار وإثراء هذا التراث العظيم.

ارتبط اسم الشيخ ياسين ارتباطًا وثيقًا بالتصوف كعاشق حقيقي، عبر من خلال الإنشاد عن أعمق معاني الحب الإلهي والشوق الروحي، باختياره لقصائد تنزّلت في فن الفناء في حب الله والتسليم الكامل، وعكست مجالسه حالات وجد متجسدة في تفاعل عاطفي شديد وبكاء من الجمهور. وعلى الرغم من شهرته الواسعة، لم يرغب في الأضواء الإعلامية أو الشهرة التلفزيونية، محافظًا على بساطة مكانته وكأنه منشد شعبي يجمع القلوب، مما أكسبه محبة صادقة من الجمهور.

ترك الشيخ ياسين التهامي إرثًا فنيًا وروحانيًا غنيًا يتضمن مئات الحفلات والقصائد التي أثرى بها الساحة الدينية، وهو أيقونة صوفية حية تعبر عن الهوية الروحية المصرية بصوته الذي استمر لأكثر من خمسة عقود، حيث شكل مدرسة فنية لا تضاهى في الجمع بين روحانية الذكر وجماليات الفن. يشكل الشيخ ياسين رمزًا خالدًا للإنشاد الصوفي، وصوتًا نابضًا بالعشق الإلهي، مستمراً في منح هذا الفن حياة متجددة، ومخلدًا اسمه في ذاكرة محبيه وعشاق المديح العذب.