قفزة جديدة.. ثنائية النمو والأزمة في مصر وهل تضمن الدولارات اللازمة للاقتصاد؟

النمو في موارد مصر الدولارية: واقع التدفقات والتحديات الاقتصادية الراهنة

شهدت موارد مصر الدولارية خلال الفترة الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في تدفقات النقد الأجنبي، بعدما مرت البلاد بأزمة اقتصادية عميقة استمرت نحو عامين، أثرت بشكل جلي على الأداء الاقتصادي المحلي؛ إلا أن الوتيرة الحالية للنمو في هذه الموارد لا تزال غير كافية لتلبية متطلبات الاقتصاد المصري المتصاعدة، مما يطرح تساؤلات حول مدى نمو موارد مصر الدولارية بسرعة تلبي الاحتياجات الحقيقية، والعوامل التي تعيق تحقيق طفرة قوية في تدفقات العملات الأجنبية إلى البلاد.

تطور مصادر موارد مصر الدولارية وتأثيرها على سوق النقد الأجنبي

تختلف مصادر موارد مصر الدولارية بين تحويلات المصريين العاملين في الخارج، صادرات السلع غير البترولية كالمنتجات الصناعية والزراعية، الصادرات البترولية من نفط وغاز، إيرادات السياحة، قناة السويس، الاستثمار الأجنبي المباشر، استثمارات الأجانب في أدوات الدين، المنح الخارجية، والاقتراض الدولي؛ فكل منها يلعب دورًا في تغذية الاقتصاد بالعملة الصعبة، لكن وبالرغم من الزيادة اللافتة في بعض هذه الموارد خلال العقد الماضي، فإنها لم تواكب بشكل كاف احتياجات الاقتصاد المصري المتزايدة، ما أدى إلى اتساع الفجوة الدولارية وتكرار أزمات العملة.

وفقًا لبيانات البنك المركزي والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت تحويلات المصريين في الخارج نحو 32.8 مليار دولار خلال العشرة أشهر الأولى من العام المالي 2024-2025، مسجلة نموًا زيادة قدرها 69.6% مقارنة بالعام السابق؛ كما وصلت صادرات السلع إلى 40.8 مليار دولار في عام 2024، محققة نموًا سنويًا بنسبة 14%، وهو مؤشر إيجابي لكنه غير كافٍ لتغطية العجز الكبير في ميزان المدفوعات؛ وذلك لأن الصادرات غير البترولية تغطي أقل من 45% فقط من الواردات.

الأزمة الناتجة عن اتساع فجوة الدولارات والحلول العاجلة

تواجه موارد مصر الدولارية تحديات متصاعدة تتمثل في ارتفاع الديون الداخلية والخارجية، والتي وصلت إلى مستويات تجعل الدخل من مصادر النقد الأجنبي أقل من الالتزامات المرتبطة بالفوائد والأقساط قصيرة الأجل، الأمر الذي يشكل عبئًا على الاقتصاد ويقيد قدرة البلاد على تغطية احتياجاتها النقدية؛ فقد بلغ الدين العام 14.686 تريليون جنيه (ما يعادل 302 مليار دولار) في نهاية مارس 2025، فيما وصل الدين الخارجي إلى 156.689 مليار دولار خلال نفس الفترة.

في هذا السياق، يرى الخبراء الاقتصاديون مثل طارق متولي، نائب رئيس بنك بلوم مصر سابقًا، أن الحلول العاجلة تكمن في إجراء إصلاح هيكلي شامل للاقتصاد، مع تسريع التنمية في قطاعات مثل السياحة التي تعد رافدًا مهمًا لتدفقات النقد الأجنبي، فضلًا عن تعظيم الاستفادة من برامج الطروحات الحكومية وإعادة توظيف الأصول المملوكة للدولة بكفاءة، ومن بينها الموانئ على البحر الأحمر والبحر الأبيض والمتوسط؛ وذلك لدعم الاقتصاد الوطني وتعزيز التنمية المستدامة.

• الإصلاح الهيكلي للاقتصاد المصري لضخ مزيد من النمو
• تسريع وتيرة التنمية السياحية وتوسيع الاستثمارات الأجنبية
• تعظيم الاستفادة من برامج الطروحات الحكومية وبيع الأصول
• إعادة توظيف الأصول الحكومية بحرفية وكفاءة

دور الدولة والآفاق المستقبلية لنمو موارد مصر الدولارية

أكد طارق متولي على ضرورة انسحاب الدولة التدريجي من النشاط الاقتصادي المباشر، والتركيز على دورها التنظيمي من خلال سن تشريعات تشجع الاستثمار الأجنبي، مع ممارسة دور رقابي يضمن منافسة عادلة؛ مستشهداً بنموذج صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة مع الإمارات التي أتاحت للدولة دور المنظم والمُمكّن، بينما تولى المستثمرون مهمة التطوير والتمويل.

على صعيد متصل، أعلن صندوق النقد الدولي في يوليو 2025 دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الدعم المالي المخصص لمصر، وتأجيل المراجعة إلى فصل الخريف، بسبب تأخر تنفيذ برنامج تخارج الدولة من القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي يعد من الالتزامات الجوهرية المتفق عليها مع الجهات الدولية.

هذا الواقع الاقتصادي يعكس أهمية استدامة النمو في موارد مصر الدولارية وتعزيز استقرار سوق النقد الأجنبي، حيث يمثل ذلك حجر الزاوية في تحقيق توازن دائم في ميزان المدفوعات وتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة تُجنب البلاد أزمات متكررة في العملة.