أسعار المعيشة المرتفعة تضغط على رواتب سكان أغلى مدن العالم اليوم

الواقع المالي في سنغافورة وتحديات الادخار وسط ارتفاع تكاليف المعيشة

في ظل تصدر سنغافورة قائمة أغلى مدن العالم، يعاني كثير من سكانها من تضاؤل القدرة على الادخار بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث تتلاشى الرواتب قبل نهاية الشهر. هذا الواقع يطرح تساؤلات حاسمة حول كيفية إدارة الأفراد لحياتهم المالية في هذه الظروف، وسط تزايد الرغبة في تبني أساليب حياة أكثر رفاهية وتجارب استهلاكية، رغم وجود نظام صندوق الادخار المركزي (CPF) الذي يقتطع جزءًا من الرواتب تلقائيًا للتقاعد والسكن والرعاية الصحية.

ارتفاع تكاليف المعيشة وتأثيره على الادخار في سنغافورة

تعتبر تكاليف المعيشة المرتفعة في سنغافورة التحدي الأكبر الذي يعيق الادخار، حيث تستمر الأسعار في التصاعد، لا سيما في قطاعات السكن، والطعام، والتنقل، والخدمات اليومية، مما يضغط بشدة على ميزانية الأسر. بالرغم من تباطؤ التضخم إلى أدنى مستوياته منذ أربع سنوات، إلا أن سنغافورة تحتل المرتبة الخامسة عالميًا والأولى إقليميًا في مؤشر تكلفة المعيشة مع ارتفاع يصل إلى 11% سنويًا، وفقًا لموقع Numbeo منتصف 2025. يُضاف إلى ذلك تقلص القوة الشرائية، إذ يشير الخبير الاقتصادي برايان لي إلى تراجع نمو الأجور الحقيقية بمتوسط 0.4% سنويًا خلال 2019-2024، مقابل نمو 2.2% في الفترة ما قبل جائحة كورونا، ما يعني ضغوطًا إضافية على قدرة الفرد على الادخار. كما ارتفعت أسعار إعادة بيع الشقق العامة بنسبة 9.6% خلال 2024، ما يزيد من العبء المالي على الأسر.

تأثير الثقافة الاستهلاكية الحديثة على الادخار في سنغافورة

ينعكس تحدي الادخار في سنغافورة أيضًا في التحولات الثقافية، حيث يلاحظ مدير الثروات جوشوا ليم زيادة في النزعة الاستهلاكية والعادات الجديدة التي تروج للإنفاق الفاخر والإشباع الفوري، مع انتشار أنظمة مثل “اشترِ الآن وادفع لاحقًا”، التي قفزت تعاملاتها إلى 440 مليون دولار سنغافوري في 2021، أربعة أضعاف ما كانت عليه في العام السابق، حسب تقرير شبكة “سي إن بي سي”. هذا يزيد من تعقيد الوضع المالي للأفراد، خاصة الشباب الذين يتجهون أكثر نحو الاستمتاع بالحياة وتلبية رغباتهم الاستهلاكية، ما يصعب من مهمة الادخار ويخلق صراعًا بين الرغبة في الاستمتاع وضمان الأمن المالي.

التحديات الجيلية وصندوق الادخار المركزي (CPF) في تحقيق الادخار الفعّال

تشكل اختلافات الأجيال جانبًا مهمًا في فهم صعوبة الادخار في سنغافورة، حيث يرى هي روي مينغ، المؤسس المشارك لمدونة The Woke Salaryman، أن الجيل الحالي نشأ وسط حملات تسويقية مكثفة عززت رغباته الاستهلاكية، على عكس الأجيال السابقة التي كانت تجربة الادخار أكثر أهمية بسبب التزامات أسرية وسكنية كبيرة. وتقول جويس آنغ (34 عامًا) إن ضغط الادخار أقل لأنها لا تتحمل التزامات كبيرة كالتي كانت موجودة في زمن والديها: “في زمن والديَّ، كان الادخار أولوية لإنجاب الأطفال، أما الآن، فلا نخطط للإنجاب بالقدر نفسه.” رغم استمرار نظام صندوق الادخار المركزي (CPF) باقتطاع نسبة تصل إلى 20% من رواتب الموظفين تحت سن 55، فإن هذا النظام يركز بشكل أكبر على التقاعد، والسكن، والرعاية الصحية، ويقلل فرص دعم السيولة المادية الفورية التي يحتاجها الأفراد لمواجهة المصاريف اليومية. وفقًا لدراسة ADP لعام 2025، يعيش 60% من العمال في سنغافورة من راتب إلى آخر، وهي نسبة عالية مقارنة بدول آسيوية أخرى، ما يبرز مدى صعوبة تحقيق ادخار فعّال.

  • ارتفاع تكاليف السكن والطعام والتنقل يزيد من أعباء المعيشة
  • زيادة النزعة الاستهلاكية وثقافة الإشباع الفوري تعرقل الادخار
  • التباينات الجيلية تغير أولويات الادخار والتخطيط المالي
  • صندوق الادخار المركزي (CPF) يقتصر دوره على التقاعد والرعاية الصحية أكثر من دعم السيولة
العنصر البيان
نسبة العاملين الذين يعيشون من راتب إلى راتب 60% حسب دراسة ADP 2025
ترتيب سنغافورة في مؤشر تكلفة المعيشة الخامسة عالميًا والأولى إقليميًا منتصف 2025
نمو أسعار الشقق العامة في 2024 9.6%
نسبة اقتطاع الرواتب لصندوق الادخار المركزي (CPF) حتى 20% للموظفين تحت سن 55

الاختلافات بين ارتفاع تكاليف المعيشة والرغبات الشخصية تؤدي إلى وضع مالي معقد، إذ يحاول الكثير من سكان سنغافورة الموازنة بين عيش حياة غنية بالتجارب ومتعة اللحظة، وبين الحاجة إلى تحقيق استقرار مالي طويل الأمد، وهو تحدٍ يبدو أن الاستهلاك يتغلب فيه على الادخار بشكل متزايد ومستمر