رحلة تحنيط الحيوانات في العراق.. كيف تتحول اللحظة الأخيرة إلى ذكرى أبدية (صور)

تحنيط الحيوانات في العراق هو فن يحول الموت إلى ذكرى أبدية تبقى شاهدة على العلاقة العميقة بين الإنسان وحيوانه الأليف أو البري؛ حيث يُمارس هذا الفن باحترافية في أماكن متخصصة لم تعد مجرد ورش بل مساحات تخلّد ذكرى الأحياء الذين رحلوا، ليبقى أثر وفائهم حاضراً على مر الزمن.

تحنيط الحيوانات في العراق.. كيف تُحفظ الذكرى بعد الموت؟

في سوق الغزل، داخل زاوية ضيقة من بغداد، يتربع محله محمد خالد الذي يمارس مهنة تحنيط الحيوانات منذ تسع سنوات، محاطاً بمجسمات دقيقة تشمل حيوانات مفترسة وأليفة على حد سواء تبدو وكأنها تنظر بصمت للحياة من حولها، رغم أنها بلا روح حية، إذ حُفظت عبر تقنيات خاصة جعلتها وكأنها تواصل الوجود. يجمع هذا الفن بين رائحة الجلد والمواد الكيميائية لتجهيز الأجسام النافقة، التي تحظى بعدها بحياة أخرى على رفوف المنازل ونوافذ الغرف. كثير من زبائن محمد ليسوا مجرد هواة جمع تحف، بل هم من فقدوا حيواناتهم الأليفة، ويبحثون عن طريقة تحنيط تجعل الحظير الأليف جزءًا من ذكريات لا تضيع مع الزمن.

وهنا يكمن جوهر تحنيط الحيوانات في العراق، إذ يعتمد على إزالة الأجزاء الداخلية التي تتلف سريعاً، تليها معالجة الجلد بمواد تمنع التعفن وتصدّ الحشرات، ثم حشو الجسم بمواد تحافظ على الشكل والحجم الطبيعيين، وتثبيت العيون الصناعية بعناية، قبل تقديم الحيوان في هيئة قريبة من الواقعية. تستغرق هذه العملية وقتًا وجهدًا منظمًا يضمن بقاء الذكرى على أجساد تلك الحيوانات، ويجعل الموت منعطفًا إلى حياة رمزية.

أسعار تحنيط الحيوانات في العراق ومستجدات هذه المهنة

تتنوع أسعار تحنيط الحيوانات في العراق بحسب نوعها وحجمها، ويرتبط بها تقنية مستخدمة تهدف لإتمام العمل بأعلى جودة. يؤكد محمد خالد، الذي يستخدم مادة الفورمالديهايد ومجموعة من مواد التعقيم، أنه يحقن مناطق اللحم بإبر خاصة، ويستعان أحيانًا بمادة الفوم التي تُحقن تحت الجلد لتثبيت الشكل. ويلاحظ أن أغلب زبائنه مرتبطون بعلاقات قوية مع حيواناتهم، لذا تجدهم يحرصون على إتمام عملية التحنيط بمهنية شديدة لتعزيز ذكرى وفاء لا تنسى.

تستغرق عملية تحنيط الطيور بين ثلاثة وستة أيام، بدءًا بنزع الجلد الرقيق بعناية، يليه التجفيف باستخدام مادتي “البوركس” و”الفورمالين”، ثم صنع هيكل داخلي من الأسلاك والقطن، أما الحيوانات الصغيرة فتستمر ما بين يومين وأربعة أيام. ومن بين أبرز الحالات التي عمل عليها محمد، تلك الطيور النادرة من أستراليا وأفريقيا، التي تحتاج لخبرة دقيقة وحس عالي. رغم شيوع المهنة، يحرص محمد على مبدأ حماية البيئة، فهو يرفض الصيد الجائر ويتعامل فقط مع الحيوانات التي ماتت طبيعياً، ويتعاون أحيانًا مع تجار طيور يوفرون له الحيوانات النافقة.

ذكريات خالدة وتحنيط الحيوانات في العراق بين بغداد وبابل

تُعبر تحنيط الحيوانات في العراق عن رابط إنساني عاطفي عميق، كما تروي شهد الحسن تجربتها مع تحنيط كلبها الذي فارق الحياة، فكانت رغبته في الحفاظ على صورته حيّة دافعًا لتحويله إلى ذكرى ثابتة تزيّن غرفتها وتعكس وفاءً يتحدى الزمن، بعدما وجدت متخصصًا أنجز المهمة باحترافية وتكلفة مناسبة.

ولا يقتصر هذا الفن في العراق على الهوايات الفردية، بل يحتضنه عدد من المتاحف المعروفة، منها متحف التاريخ الطبيعي في بغداد الذي يضم منذ 1946 مجموعات من الحيوانات المحنطة والحشرات والنباتات، إضافة إلى متحف البصرة الذي تأسس في السبعينيات ويختص بالحيوانات البرية والمائية المحنطة، مما يعكس اهتمام البلد بالحفاظ على ذاكرة الحياة البرية.

وفي محافظة بابل، يأتي علاء السلامي ليروي قصة تحوله من هواية بدائية لجمع الحيوانات المحنطة بالملح إلى فن متقن ومعروف، فاعتمد البحث المستمر واستخدام تقنيات ومواد خاصة حتى اتقن عمل التحنيط، الذي يؤكد أن الطيور هي الأصعب في العملية بسبب رقة الريش وخصوصية العناية المطلوبة. اليوم، زاد نشاط علاء كمهنة توفر له دخلًا جيدًا، مؤكدًا أن الصبر والشغف بعالم الطبيعة والعلوم هما مفتاح تميزه.

• تحنيط الحيوانات يربط الحياة بالموت عبر احترافية فنية
• محلات مثل تلك في سوق الغزل والحلة تشكّل نسيجًا حضريًا للذكرى
• مهارات محمد خالد وعلاء السلامي تمكّن من تحويل الأجساد إلى لوحات وفاء فريدة
• التحنيط له دوافع متعددة: الذكرى الشخصية والأغراض العلمية

تحنيط الحيوانات في العراق لا يشكل مجرد مهنة تقليدية عابرة، بل هو فن يتحدى الزمن ويجسد الوفاء الرمزي بمخلوقات شاركت في رحلة الحياة، ليصبح المكان الذي تلتقي فيه الذكريات مع الفن والتاريخ، محفورًا في تفاصيل وأجساد لا تفنى.