رحيل سعد البريك.. قامة دعوية ستظل إرثه الإنساني والفكري حاضراً

وفاة الشيخ سعد البريك تُعد حدثًا مفصليًا في الوسط الدعوي الإسلامي، حيث فقد العالم الإسلامي إحدى القامات الدعوية الشامخة التي تركت إرثًا إنسانيًا وفكريًا خالدًا. الشيخ البريك كان صوت الحق في زمن احتاج فيه المسلمون إلى خطاب متزن وواضح، إذ أثرى الحياة الدعوية والإعلامية بحضور فاعل وعطاء لا ينضب، مما جعله رمزًا بارزًا على صعيد الدعوة والإصلاح في المملكة والعالم الإسلامي.

وفاة الشيخ سعد البريك.. من هو القامة الدعوية التي تركت إرثًا فكريًا وإنسانيًا خالدًا؟

وُلد الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك عام 1963 في الرياض، حيث تخرّج من كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية متخصّصًا في العقيدة والمذاهب المعاصرة، نال الدكتوراه بمرتبة الشرف مع أطروحة بعنوان “تنصيص اختيارات الإمام الخطّابي الفقهية”، والتي أصبحت مرجعًا أكاديميًا مهمًا في الفقه المقارن. استهل مسيرته التعليمية كمحاضر في كلية المعلمين بقسم الدراسات الإسلامية، ومن ثم انطلق إلى فضاءات الدعوة والإعلام حتى أصبح من الأصوات الفكرية المؤثرة في المملكة وخارجها. لم يكن خطابه مجرد كلمات بل كان تجربة غنية بالخبرة بين العلم والعمل والفكر والموقف، مع قدرة متميزة على الجمع بين الفقه والواقع، مما جعله مرجعًا موثوقًا للكثيرين، خصوصًا الشباب.

دور الشيخ سعد البريك في الإعلام الإسلامي والعمل الدعوي وإرثه الحيوي

شكل الشيخ سعد البريك حالة فريدة في الإعلام الإسلامي، حيث قدم برامج فضائية مميزة منها “خذوا عني مناسككم”، و”وثبت الأجر”، و”النجاة”، إضافة إلى سلسلة “سواعد الإخاء”، والتي تناولت هموم المجتمع وقضاياه الحساسة بلغة شرعية مبسطة تجمع عمق الفقه ورحابة الفكر؛ ما جعله يجيد استخدام الإعلام في تشكيل وعي الأمة. إلى جانب ذلك، كان للشيخ بصمة إنسانية بارزة بالتزامه العمل الخيري ودعم الشباب وقضاء حوائج المحتاجين في السعودية وخارجها، مؤمنًا بأن الشباب هم طاقة الأمة التي تحتاج إلى توجه ورعاية صحيحة، وكان يؤثر في نفوسهم بقوة وحب. تولى العديد من المناصب الدعوية والإدارية الهامة منها:

  • المشرف العام على المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد في البديعة والصناعية الجديدة بالرياض
  • عضو الهيئة الشرعية في الندوة العالمية للشباب الإسلامي
  • عضو مجلس أمناء مؤسسة الوقف الإسلامي في السويد
  • عضو مجلس أمناء مسجد التوحيد في طوكيو – اليابان
  • إمام وخطيب جامع الأمير خالد بن سعود لأكثر من 25 عامًا

مؤلفات الشيخ سعد البريك وخطابه المعتدل في مواجهة الانحرافات الفكرية

بالرغم من انشغاله المكثف في ميادين الدعوة والإعلام والعمل الخيري، حرص الشيخ سعد البريك على إثراء المكتبة العلمية بمجموعة من المؤلفات التي تعكس جهوده الفكرية منها:

  • “الاختيارات الفقهية للإمام الخطَّابي” (ستة مجلدات)
  • “الإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز”
  • “فتاوى الفضائيات: الضوابط والآثار”
  • بحوث منشورة في مجلات علمية محكمة وموقعه الإلكتروني

تميّز خطابه بالوسطية والاعتدال، انطلق من فهم متعمق للكتاب والسنة مع مواكبة للواقع المعاصر، دافع عن ثوابت الدين بقوة وتميّز في مواجهة التيارات الفكرية المنحرفة بأسلوب مبني على الحجة الشرعية والمنهج العقلي، مما جعله قدوة للكثير من الشباب الباحثين عن الحقيقة والوسطية. كان لرحيله وقع مؤلم على الساحة الدعوية، لا سيما وأن الرجل جمع بين صفات العالم والمصلح والإنسان والإعلامي، وقد عزّاه كبار العلماء والدعاة والمفكرين الذين أشادوا بإرثه الدائم وتأثيره الواسع، مؤكدين أن من فقده خسر الأمة الإسلامية صوتًا جهورًا بالحق.

رغم رحيله الجسدي، سيبقى الشيخ سعد البريك حاضرًا في الذاكرة الإسلامية عبر خطبه ومؤلفاته وبرامجه الذين أسهموا في ترسيخ مفاهيم الوسطية والإصلاح والدفاع عن القيم الأصيلة، وسيظل اسمه منارًا لعاشقي الدعوة والعلم والتربية، يذكر الجميع بأن الإرث الفكري والإنساني لا يزول مع الغياب بل يبقى نورًا يهدي الأجيال القادمة.