عالم أزهري يوضح الحكم الشرعي لتقبيل أيدي العلماء.. ما التفاصيل؟

تقبيل أيدي العلماء من الممارسات التي أثارت جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصًة بعد مشهد تقبيل وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري أثناء زيارة رسمية، حيث تنوعت الآراء بين من يعتبره تعبيرًا عن التقدير والتوقير ومن يراه انكسارًا مخلًا بالكرامة؛ لذا كان من الضروري البحث في حكم تقبيل أيدي العلماء شرعًا لتوضيح هذه المسألة ودحض اللبس المحيط بها.

تقبيل أيدي العلماء وحكمه الشرعي بين التقليد الأصلي والجدل المعاصر

بحسب الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، فإن تقبيل أيدي العلماء ليس فعلًا مستحدثًا، بل هو تقليد متجذر في تاريخ العلماء الأزاهرة عبر الأجيال، ويُعبّر عن برّهم وإجلال مكانتهم العلمية. ويستند هذا السلوك إلى نصوص شرعية وعادات عرفية متواترة؛ حيث إنه معروف أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقبلون يد النبي صلى الله عليه وسلم ويتبادلون ذلك بين بعضهم، وقد أجمعت المذاهب الأربعة على جواز هذا الفعل واستحبابه ما دام خاليًا من مظاهر التملق والنفاق.

متى يكون حكم تقبيل أيدي العلماء جائزًا ومحببًا؟ ومتى يُعد محرّمًا؟

يوضح الدكتور العشماوي أن حكم تقبيل أيدي العلماء جائز ومحبب إذا كان بدافع البرّ الخالص لله وحده، دون أي أهداف دنيوية أو انخداع بالمصالح الشخصية، مستدركًا أن الأفضل للعالم ألا يمد يده قصد التقبيل، بل يُفضل أن ينزعها إذا أمكن كي تُحفظ نقاء النية وهيبة العلم. أما إذا انحرفت النية نحو التزلف للسلطة، أو كانت بدافع المنافع الشخصية، فحينها يصبح هذا الفعل مكروهًا وربما محرّمًا، خاصة إذا تغيرت نية المريد بعد أن يتولى شيخه منصبًا رسميًا. ويلفت العشماوي إلى أنه شخصيًا امتنع عن تقبيل أيدي شيوخه بعد تقلدهم وظائف عُليا، رغم أنه كان يفعله قبل ذلك عرفانًا واستحبابًا لعلمهم.

تمييز بين تقبيل أيدي العلماء وبين التملق لأهل السلطة في الواقع المعاصر

في منشوره التفصيلي، عبّر العشماوي عن حزنه من مشهد تقبيل القيادات الدنيا لأيدي القيادات العليا، خصوصًا إذا كانوا يرتدون الزي الأزهري، مشيرًا إلى أن كثيرًا من هذه الأفعال مدفوعة بالخوف من السلطة أو طلبًا للمنافع، مما يؤدي إلى تفريغ التقبيل من قيمته الدينية والأخلاقية. وأكد أن تقبيل يد الأب أو الأم، أو كبار السن الفقراء والمساكين لتلطيف قلوبهم هو من مكارم الأخلاق، بينما تقبيل يد أصحاب النفوذ والسلطة تحت مظلة التزلف لا قيمة له ويصفه بـ”خرط القتاد”. وأشاد بموقف بعض الشيوخ الذين يرفضون تقبيل أيديهم احترامًا لمكانة العلم وليس للمنصب.

  • تقبيل أيدي العلماء جائز ومستحب بنية الخالص لله
  • ينبغي للعالم ألا يمد يده للتقبيل للحفاظ على نقاء النية
  • يُحرّم التقبيل إذا تحول إلى تزلف للسلطة أو للحصول على المناصب
  • تقبيل يد الأقارب والمساكين لتلطيف خواطرهم من مكارم الأخلاق
  • رفض بعض الشيوخ لتقبيل أيديهم يعزز هيبة العلم والرسالة

موقف يحترم هيبة المناصب ويكرّم العلماء بعيدًا عن الرياء والتزلف

اختتم الدكتور العشماوي حديثه بالتأكيد على أن تقبيل أيدي العلماء يجب أن يكون خاليًا من الرياء والنفاق، وأنه معبر راقٍ عن المحبة والاحترام إذا أُدي بنية سليمة. وذكر موقفًا أعجبه فيه رفض شيخ كبير تقبيل تلميذه يديه بعد توليه مسؤولية رسمية، حفاظًا على هيبة المنصب وسلامة الرسالة العلمية، مشيرًا إلى أن تقبيل يد النساء الأجنبيات أو الفسقة وأعوان الظلمة غير جائز ولا يليق قط، داعيًا الله حفظه من مواقف تثير الشبهة وتضر بالمقام الديني.

يندرج حكم تقبيل أيدي العلماء ضمن نطاق الترابط بين النية والقصد، وهو ما يؤكد عليه العلماء بضرورة التفريق بين التوقير الحقيقي وبين التزلف والرياء، وبين البرّ والإجلال وبين السعي للمصالح الدنيوية، ويظل هذا الأمر مرهونًا بفهمٍ عميق للبعد الديني والأخلاقي لا مجرد مظهر سطحي قد يُساء فهمه أو يُستغل.