تمهد استراتيجية البنك المركزي التركي لإدارة الليرة الطريق أمام المتعاملين لاقتناص مكاسب أكبر من تجارة الفائدة الأكثر ربحية في العالم.
تنتهج الإدارة الاقتصادية في تركيا سياسة تعتمد على “الارتفاع الحقيقي” (أي القدرة الشرائية)، وهو ما يعني السماح بضعف الليرة ولكن بمعدل أقل من التضخم. والهدف هو تقليل الضغوط السعرية الناجمة عن ضعف العملة.
في حين فقدت الليرة 16% من قيمتها مقابل الدولار بالقيمة الاسمية العام الماضي، فقد حققت وفقاً لمقياس القدرة الشرائية أكبر مكاسبها منذ عام 2007، ما جاء في صالح المستثمرين الأجانب الذين تمكنوا من جني فوائد تتجاوز 50% على السندات المقومة بالليرة.
في تقريره عن السياسة النقدية لعام 2025، قال البنك المركزي إن الأصول المقومة بالليرة ستظل جذابة للمستثمرين، مما يشير إلى أن الارتفاع قياساً إلى التضخم من المرجح أن يظل حجر زاوية في سياسات الحد من التضخم. وهذا خبر جيد لأي شخص يستثمر في الأصول التركية.
استراتيجية إدارة الليرة التركية
قال بيتر كينسيلا، رئيس استراتيجيات تداول العملات الأجنبية في “يونيون بانكير بريف” (Union Bancaire Privee) في لندن: “من حيث تجارة الفائدة، هذه استراتيجية مربحة جداً”، وأشار إلى أنه كان متفائلاً بشأن تجارة الفائدة بالليرة خلال الأشهر الستة الماضية.
وأضاف: “السؤال الوحيد هو إلى أي مدى وبأي سرعة سيخفض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة؟ هذا هو التحدي”.
تجارة الفائدة تعني الاقتراض في دول وبعملات بها أسعار فائدة منخفضة نسبياً، مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، واستثمار الأموال المقترضة في دول بها أسعار فائدة أعلى، مثل تركيا. من خلال ضمان الاستقرار النسبي لسعر صرف الليرة والقدرة على التنبؤ به إلى حد كبير، زاد البنك المركزي التركي من جاذبية هذه الاستراتيجية لأنها تقلل مخاطر حدوث خسائر مفاجئة في العملة.
خلال الأشهر الستة الماضية، حقق المستثمرون الذين اقترضوا بالدولار واستثمروا في تجارة فروقات الفائدة بالليرة عائداً قدره 15% في المتوسط، وفقاً للبيانات التي جمعتها “بلومبرغ”. ويعادل ذلك تقريباً مثلي العائد على الاستثمارات في البيزو الأرجنتيني، الذي يُعتبر أقرب المنافسين للعملة التركية.
أهمية استقرار الليرة التركية
من غير المرجح أن يسمح البنك المركزي التركي بتسارع انخفاض قيمة الليرة على المدى القريب، حتى بعد أن بدأ في خفض أسعار الفائدة خلال ديسمبر، بحسب ما ذكره كيفين دالي وكلمنس جراف، المحللان الاقتصاديان لدى “غولدمان ساكس”، خلال الشهر الجاري.
وأضافا أن استقرار العملة يكتسب أهمية أكبر في ضوء أن خفض أسعار الفائدة يقلل بعض الشيء من جاذبية الأصول المحلية.
و”لا تزال تجارة الفائدة بالليرة جذابة في الوقت الحالي، ولكن علينا أن نتابع مدى سرعة خفض البنك المركزي لأسعار الفائدة” بحسب فيكتور سابو، مدير أول الاستثمار لدى “أبردن إنفستمنتس” (Abrdn Investments) في لندن.
وأضاف أنه على الرغم من أن أحدث بيانات التضخم والنشاط الاقتصادي في تركيا تدعم خفض الفائدة بوتيرة حادة، إلا أن اتباع “دورة تدريجية” في الخفض يبدو أقرب للمنطق.
توقع كثير من المحللين سلسلة من التخفيضات الأكبر في أسعار الفائدة في كل الاجتماعات الثمانية التي من المقرر أن يعقدها البنك المركزي في عام 2025. تباطأ معدل التضخم السنوي في تركيا إلى 44.4% في ديسمبر مقارنة مع 47.1% في نوفمبر.
جانب سلبي لارتفاع عملة تركيا
قالت سيلفا بهار بازيكي، المحللة الاقتصادية المتخصصة في شؤون تركيا لدى “بلومبرج”، إن إحدى العواقب غير المرغوب فيها لارتفاع القدرة الشرائية لليرة قد تكون زيادة الطلب على السلع المستوردة، مما يشكل خطراً على ميزان الحساب الجاري.
“دون دخول تدفقات كبيرة لدعم مكاسب الليرة، فإن الحفاظ على هذا التوازن سيكون أمراً صعباً على صانعي السياسات النقدية”.
وقال دانيال وود، مدير المحافظ لدى “ويليام بلير إنفستمنت مانجمنت” (William Blair Investment Management) ومقرها في لندن: “حتى الآن، لا نرى أي مؤشر يدعو المستثمرين للقلق بشأن هذه الديناميكية، وإن كنا نحذر من أن المراكز أصبحت مكتظة بالفعل، ومن المرجح أن يكون كثير من المستثمرين المحتملين قد استثمروا في الليرة بالفعل”.
“على الرغم من أننا نرى أن التقييمات أصبحت أكثر ارتفاعاً قليلاً مقارنة مع عام 2024، فإننا نعتقد أن ذلك ستعوضه العوامل الاقتصادية الأساسية التي تحسنت هي الأخرى”.