يعيش البريطانيون أجواء كئيبة مع مطلع العام الجديد؛ حيث لا تزال الشركات تعانى تداعيات ميزانية الخريف التى رفعت الضرائب وزادت التكاليف، ما أدى إلى تراجع ثقة الاقتصاد، واستمرار الركود منذ تولى حزب العمال السلطة فى يوليو الماضى.
وزاد الطقس السيئ من حدة هذه الأجواء، ما أثار تساؤلات حول جدوى الاستثمار فى بريطانيا خلال هذا العام.
لكن الواقع، على عكس التوقعات السلبية، يحمل الكثير من الفرص الواعدة.
وعلى الرغم من التحديات، تبدو الآفاق الاقتصادية لبريطانيا قوية نسبياً، مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى.
وفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، يتوقع خبراء الاقتصاد أن يتجاوز النمو الاقتصادى البريطانى نظيره فى كل من فرنسا وألمانيا خلال العام الحالى.
كما أن تفوق بريطانيا فى صادرات الخدمات يجعلها أقل تأثراً بالتعريفات الجمركية الأمريكية المحتملة، مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.
إضافة إلى ذلك، تعزز الأغلبية البرلمانية القوية لحزب العمال من الاستقرار السياسى، وهو عامل جاذب للمستثمرين فى ظل تصاعد حالة عدم اليقين السياسى على المستوى العالمى.
شهد القطاع الخاص البريطانى تحسناً ملحوظاً فى الأرباع الأخيرة، وهو ما دفع الأسواق المالية والمستثمرين الدوليين إلى إبداء التفاؤل بشأن الأصول البريطانية.
كما أن بنوك وول ستريت ومديرى الصناديق باتوا أكثر تفاؤلاً بشأن الأسهم البريطانية.
يرى المحللون أن أسهم شركات البترول والبنوك المدرجة ضمن مؤشر «فوتسى 100» قد تستفيد من أجندة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المتعلقة بتحرير اللوائح التنظيمية، كما توفر هذه الأسهم تنوعاً بعيداً عن تقييمات التكنولوجيا الأمريكية المرتفعة.
ومع استقرار الوضع الاقتصادى، تبدو أسعار الأصول البريطانية جذابة بالنسبة للمستثمرين الدوليين.
على الرغم من المؤشرات الإيجابية، يتطلب تأمين تدفق مستدام لرؤوس الأموال وزيادة الاستثمارات التجارية تدخلاً حكومياً مدروساً.
فقد كان قرار تحميل أصحاب العمل العبء الأكبر من الضرائب قراراً خاطئاً أضر بثقة الشركات، كما أن حكومة العمال لم تساعد نفسها من خلال الرسائل السلبية التى تنقلها.
هناك تحديات حقيقية تواجه بريطانيا، لكن الحكومة قضت وقتاً أطول فى التركيز على انتقاد إرث المحافظين، بدلاً من تقديم رؤية واضحة للنمو الاقتصادى أدى إلى إرباك المستثمرين.
ليس هناك خطط لإنفاق أو ضرائب كبيرة لدعم الشركات فى الأجل القريب.
ومع التزام وزيرة الخزانة راشيل ريفز بعقد حدث مالى واحد سنوياً، فإنَّ الخيارات المتاحة للحكومة تبدو محدودة، لكن ضبط الإنفاق العام وإزالة الحواجز أمام النمو يمكن أن يشكلا خطوات فعالة.
ولا تزال الشركات قلقة من احتمال زيادة الضرائب، على الرغم من تعهد ريفز بعدم حدوث ذلك.
فى الوقت نفسه، يمكن أن تكون إزالة الحواجز أمام النمو مفيدة أيضاً.
ومن المتوقع أن تسهم بعض السياسات المعلنة لحزب العمال فى تحسين التوقعات الاقتصادية.
فعلى سبيل المثال، تسريع إجراءات التخطيط لمشروعات البنية التحتية، مثل مراكز البيانات وأبراج الكهرباء، قد يعزز التنمية الاقتصادية.
كما أن تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبى يمكن أن يقلل التعقيدات البيروقراطية مع أكبر شريك تجارى لبريطانيا.
ومن المنتظر أن تكشف الحكومة عن استراتيجيتها الصناعية فى الربيع المقبل؛ حيث ستوضح هذه الخطة المشاريع العامة وفرص الاستثمار المشترك والسياسات المالية، ما سيزيد من شهية الشركات للاستثمار.
كما تتيح هذه الاستراتيجية فرصة للتأكيد على المزايا التنافسية لبريطانيا، مثل الخدمات المالية والتعليم الجامعى وعلوم الحياة والصناعات الإبداعية والتقنيات المتقدمة.
هذه المزايا تم التقليل من شأنها وسط موجة التشاؤم السائدة، وينبغى لحزب العمال أن يروج لها.
لتحقيق النجاح، ينبغى على الحكومة تنفيذ هذه التدابير والتواصل بشأنها بفعالية، مع التركيز على مصالح قادة الأعمال كمستثمرين ومبتكرين.
وإذا تم ذلك بشكل جيد، يمكن للحكومة أن تعزز الثقة بالاقتصاد البريطانى الذى يبدو جذاباً على المستوى العالمى.
فى نهاية المطاف، قد تؤدى المشاعر الاقتصادية السلبية إلى دوامة من التدهور الذاتى، لكن المزاج الوطنى المتشائم يبدو مبالغاً فيه مقارنة بالواقع.
بريطانيا تمتلك فرصة للنمو والاستثمار، وعلى حزب العمال أن يتبنى رؤية أكثر تفاؤلاً وسياسات أكثر ذكاءً لتحسين الوضع الاقتصادى.