سورية.. ايران.. ليبيا: الهلال الشيعي والنجمة السنية

سورية.. ايران.. ليبيا: الهلال الشيعي والنجمة السنية

سورية.. ايران.. ليبيا: الهلال الشيعي والنجمة السنية

علي الزعتري
بين الهلال “الشيعي” و النجمة “السنية” تعتقد بلدانٌ عربيةٌ أنها أصبحت بين طرفي الرحى أو المطرقة والسندان أو كالمستجير من الرمضاء بالنار أو الهارب من تحت الدلف لتحت المزراب. أهيَ مطحونةٌ بين تركيا السنية الزاحفة وإيران الشيعية الراجفة؟ وهل ارتفاع السُنَّة حدثٌ مفيدٌ في العموم م انه مرتبطٌ “بنوعِ” السُنة؟ و ما هو النوع النافع؟ وهل تنسى هي أو تغفل عن إثيوپيا و”إسرائيل” وهي تحسب حسابات من سيسود ومن سيُهزم في هذه المنطقة؟ و هل لا تخشى لا عقلانية دونالد ترمب وفريقه الآتي بفورةِ “التفكير من خارج الصندوق” بقضايا جيوسياسيةً متفجرةً وتقنيةً هائلةَ الأثر على البشرية؟
ها قد انكسر الهلال الشيعي و توكلت “إسرائيل” و أُمُها الحنون الولايات المتحدة بمنع تزويد حزب الله بالسلاح بالقوة، وتحطيم غزة علي رؤوس المدنيين وملاحقة “الخارجين عن القانون” في الضفة الغربية عبر السلطة وأوقفت في ذات الوقت الأحزابَ العراقية (الشيعية) من دعم غزة بما كانت تقذفه من مسيرات وصواريخ، وتهدد إيران تهديداً حاسماً بتبَنِّي سياسة الانكماش العسكري الفعلي عن المنطقة وإلا كما قال النتن ياهو ستتفتت إيران داخلياً وفي اليمن تُوالي القصف والتدمير لكبحِ الحماسةِ الحوثيةِ. بالمقابل صارت سوريا سُنِّيةَ القيادة، للآن، ولا يُعلمُ مستقبلها، لكن الحاضر يقول أن قيادتها الجديدة وغالبية السوريين لا تكن وُدَّاً لإيران أو لحزب الله أوالأحزاب العراقية الشيعية ولن تسمح لهم بالتواصل عبر سوريا وهذا وافقَ الرغبة الغربية “الإسرائيلية” و ربما بعض العربية لكن ليس تماماً. فالسؤال الهاجس للجميع هو إن كان الصعود السني في سوريا سيعني تحدياً أو تهديداً لاستقرار دول المنطقة. في الحقيقة لا أحد يعرف!
غير أن المتوقع هو تلاقي وتضارب الرغبات والصِيَغِ التي تحلم بها وتخطط لها قيادات المنطقة العربية و الإقليمية و القيادة الأمريكية العالمية. يبدو أن الرغبة السائدة عربياً هي في استقرار سوريا بتواضعٍ منمفأٍ لمداواة الداخل الجريح لأن استقرارها فيه استقرار المنطقة العربية خاصةً عند بدء التواصل التجاري مع تركيا وعبرها و عبر الأردن للخليج العربي. لكن كيف يكون في سوريا، والمنطقة، استقرارٌ و”إسرائيل” قد قصمت ظهر الجيش واحتلت مناطق شاسعةً منها مصادر مياهٍ هامة لسوريا والأردن وتبدو كمن انفتحت شهيته لاحتلالٍ مستمرٍ وفرض شروطها؟ وكيف يكون الاستقرار في ظل حكمٍ كرديٍّ في سوريا يحميه الغرب و تعاديه تركيا؟ عندما قال الرئيس التركي أن على الأكراد الاختيار بين دفنِ سلاحهم أو أن يُدفنوا معه، رَدَّ الرئيس الفرنسي أنهم لن يتخلوا عن الأكراد. وكيف يكون الاستقرار عندما تنتشي جهاتٌ معتدلةٌ ومتطرفةٌ إسلامية “بالانتصار” السني لأنه يعني لها ابتداء المدِّ التحريري الديني؟ وكيف يكون الاستقرار عندما تستشف الأقليات العربية الدينية والعِرقية هذا التوجه فتلتفت لحماية نفسها بالهجرة أو باللجوء للدعم الخارجي؟
كما أن تركيا تشعر اليوم أنها صنعت لنفسها تغييراً استراتيجياً مواتياً في ليبيا وفي سوريا وتسعى له في السودان. فهل تتقدم تركيا على المنطقة بالمنطق التركي أم المنطق العثماني المُوَّشى بالدين؟ وهل ستتركها إيران دون مناوشةٍ وتحَدٍّ لاستعادة مكانتها؟ وكيف سيكون هذا التحدي؟ وكيف هو الرد الصهيوني المُبادر دوماً في خلق ظروف التفوق والتمدد؟ وهل ننسى سد النهضة الأثيوپي وآثاره على السودان ومصر؟ بل أين هي القوة العربية التي تعيد التوازن، والكرامة؟ ثم كيف سيكون الوضع ونحن في العهد الأمريكي لدونالد ترمب الذي يحذرنا من الجحيم الآتي و كان قد قال أن مساحة “إسرائيل” غير واسعة فإذا الأخيرة تُعزز المقولة بنشر خرائط “لإسرائيل” الكُبرى؟ إذاً نحن اليوم نرى التجاذب التركي الإيراني الإثيوبي “الإسرائيلي” والأمريكي بمقابلة المصلحة العربية. والمصلحة العربية هي في استقرارٍ هو من باب التفاؤل لا الواقع طالما أن هذه المصالح غير العربية تتلاطم بحثاً عن نقطة التساوي في المصالح أو نقطة الاستحواذ، وكل عنصرٍ في هذه النقطة قد يكسر المصلحة العربية وقد يتلاقى معها من أبوابٍ عربيةٍ مفتوحةً للغريب وموصدةً بوجه عرب.
تركيا لا تريد أكراداً ثائرين وسوريا لا تريدهم كذلك وهنا التقاء مصلحة. لكن الغرب على اتساعه لن يرضى بترويض هؤلاء الأكراد على الطريقة التركية. وتركيا ترعى الجانب الديني من القيادة السورية والحمساوية الجهادية و ببلادٍ مثل ليبيا والسودان والصومال وقد تريد أن تتمدد لغيرها. والغرب لا يريد من تركيا هذا الدور الذي تتقدم فيه الحمية الدينية تارةً والمصلحة التركية تارةً. كما أن “إسرائيل” لا تريد في سوريا و المنطقة “أسلمةً” منتظمةً لحكومات وجيوش سُنيةً كانت أم شيعيةً وهي تؤيد الأكراد وترى في انبعاث كياناتٍ عِرقيةٍ غير إسلامية بالكامل مصلحةً تسعى لها مع تمددها اليهودي. أما إيران فتبحث عن مُرتكزٍ متجددٍ تبعث من خلاله محوراً تسيطر عليه بإسم المقاومة وإزار المذهب. لا “إسرائيل” ستسمح بهذا ولا حتى تركيا التي لن ترضى بتفكيك سوريا بعد هذا الجهد الجهيد ولذلك ستبقى إيران تتمنى التغيير في سوريا وتسعى له وكأنه مفتاح الجنة بينما ستكتشف أنها تواجه داخلياً تحدياتٍ جمةً وكاسرةً قد تزيحها من هذا الحلم. والحبشة لا تريد لا لمصر ولا للسودان معارضةَ سد النهضة والأخيرتين في “خانة اليك” في هذا الأمر تاركتين السدَّ بما حمل لمستقبلٍ غير معروف. فهل سيأتي عليهِ زلزالٌ وتندفع مياهه لِتُغرقَ السودان ومصر أم سينتهي بسوء إدارة أم أن تغيير سياسةٍ وقيادةٍ في الحبشة يعيد الصواب والتوافق؟ أما مواجهته مصرياً وسودانياً بغير التمني هذا فقد فات وقتها، للأسف. لكننا قد نرى استثارةً لحركاتٍ مقاومةٍ بالوكالة في القرن الإفريقي والحبشة وإرتريا وهي المنطقة المزدحمة بالقوى الغربية و”الإسرائيلية” و التركية و العربية (المتفرقة) والروسية والإيرانية ويكون الهدف من هذه الحركات التي تتخللها العِرقية والدينية خلط الأوراق والفرص للتدخل الذي قد يغير من هدف سد النهضة المعادي للآن لمصر والسودان والذي يمكن أن يتحول لصديقٍ بتحول السياسات والقيادات. والغرب يريد الاستقرار لمنطقتنا بمزاجهِ الذي نختصرهُ بحق “إسرائيل” أن تسود وحماية الأقليات بالوصاية الاستعمارية وحماية مصادر الطاقة ومنع روسيا والصين وإيران من التأثير في المنطقة بأي شكلٍ يهدد المصالح الغربية هذه. وكذلك كبح الجماح الديني السني والشيعي عن الولوج في مصالح الغرب ورؤيته للعالم.
العرب يكتشفون أنهم هلالاً أم نجمةً مكشوفون لمصالحِ القوى الإقليمية والدولية لكنهم لا يستطيعون “لَمَّ شملهم” في اجتماعٍ عربي استراتيجي يحدد مصلحتهم و طريقة الدفاع عنها. واهمون نحن إن ظننا الحكومات ستفعل ذلك لأن كل حكومةٍ تعمل لذاتها و عينها على غيرها خوفاً من الغدر ولعل التحركين السوري والأردني هما الوحيدين اللذين يحملان عقلانيةً الآن في مسعىً لتآلفٍ عربي ظاهره الاستقرار السُنِّي الرسمي. لكن مجمل الموقف العربي لا يُزيلُ التخوف من تحركٍ أو توجهٍ شعبيٍّ غير رسمي يكون الموازي للسُنية الرسمية الصاعدة وقد يخلق فوضى داميةً كما لا يعمل لخلق نقطة تلاقٍ مصلحيةٍ بين العرب والأتراك والإيرانيين منبعها المشاركة الدينية في العقيدة الواحدة رغم اختلاف المذاهب. كما أنه يترك مجهولاً كيفية الرد بوجه التوسع الصهيوني والتهديد الحبشي والجحيم الأمريكي الموعود واستعداد الغرب الأوروبي لحماية الأقليات ولو باستعمارٍ جديد. و يا عربي”عِشْ رجباً تسمعْ عجباً”.
الأردن

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: