في خضم الأحداث الكثيرة التي عاشتها مصر خلال الأربعة عشر عامًا الماضية، تم ضياع جيل معين لم يتم التعبير عنه بالشكل الكافي. هذا الجيل هو جيلي، جيل التسعينات، حتى جاء هذا الفيلم الذي يعد تعبيرًا عن حالة جيل بأكمله.
لمع اسم “عصام عمر” سابقًا من خلال مسلسل “بالطو”، عبر فيه وقتها عن معاناة طبيب شاب في إطار كوميدي ينتمي لهذا الجيل.
وفي في فيلم “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو”، تم التعبير عن معاناة شاب من نفس الجيل ايضًا لنفس النجم “عصام عمر”، ليصبح “عصام عمر” أيقونة لتمثيل جيل التسعينات.
عبر “عصام عمر” عن معاناة شاب من خلال لوحة فنية رسمها بعناية كاتب ومخرج محبان للسينما المصرية المحلية الأصيلة “محمد الحسينى” و”خالد منصور”، عن طريق سيناريو شاعري وكادرات مميزة حققت المتعة البصرية والمعنى.
كذلك، معظم الأعمال السينمائية والدرامية دائمًا ما تعبر عن الطبقة العليا من المجتمع أو الطبقة العشوائية، بما فيها من أحداث تخدم الدراما ،ولا أحد يقترب من الطبقة التحت متوسطة (الطبقة العامة) وفي فيلمنا هذا تم الاقتراب من تلك الطبقة اخيرًا.
“الكلب رامبو” انعكاس لحالة “حسن”
يبدأ الفيلم بمشهد مثير لوجه ضبع يتقاتل في غابة، ثم تبدأ حركة الكاميرا في التوسع تدريجيًا لنكتشف أن هذا المشهد يُعرض على شاشة التلفاز في غرفة البطل حسن “عصام عمر”، الذي يظهر وهو يداعب كلبه “رامبو” أثناء مشاهدتهم لمشهد الضبع.
وفي مشهد آخر، نشاهد “حسن” يتابع على هاتفه مقطعًا من فيلم وثائقي عن طبيعة الضباع، ويختتم المعلق الصوتي المقطع بسؤال عن: “هل الضباع حقًا متوحشة أم البشر هم من ظلموها؟!” مع تقدم أحداث الفيلم، يتبين لنا أن حال الكلب “رامبو”، الذي يبحث “حسن” له عن منفذ من غضب “كارم” (الضبع)، ما هو إلا انعكاس لحال “حسن” الذي يبحث عن منفذ لنفسه للخروج من دائرة توحش الضباع حوله هو ووالدته بعد وفاة والده، فيحاول أن يجد مبررًا لنفسه للتحول إلى ضبع كي يستطيع مواجهة الضباع التي تفترسه هو ووالدته.
يبحث عن منفذ عند حبيبته في مطعم تعمل به، يقبع تحت الأرض، يتم إغلاقه بباب يشبه أبواب السجون، ولكنه لا يشعر بالسعادة معها رغم مساعدتها له، بل يصدم ويشعر بالامتعاض حينما يعلم أنها قد خُطبت لشخص آخر. ثم يشتد عليه توحش الضباع من حوله، فتنصحه والدته بأن يذهب إلى عمه. فيذهب إليه ويجده يقبع تحت الأرض أيضًا في محله الذي يعمل به ؛وأثناء حديثه مع “حسن”، نشاهده يذهب عند سلالم محله ليلتقط من الأعلى بقايا حفلة عيد ميلاد من الطبقة العليا، فيشعر “حسن” حينها بالاشمئزاز ويرفض أن يأكل من تلك الحلوى المتبقية عندما عرض عليه عمه بأن يأكل، في دلالة لرفضه الإذعان للضباع.
في النهاية، لا يجد “حسن” بُدًا سوى التحول إلى ضبع مفترس ليواجه تلك الضباع التي تؤذيه هو ووالدته وكلبه المسكين “السيد رامبو”.
تصميم واقعية الأحداث استطاع “خالد منصور” أن يصمم فيلمًا ينتمي إلى السينما الواقعية التي كدنا أن ننساها، سينما روادها المصريون “محمد خان” و”عاطف الطيب”. ذكرنا “منصور” بهم من خلال حكيه للحدوتة عن طريق شوارع مدينة “القاهرة” الساحرة صباحًا والمقبضة ليلًا، فجعل من “القاهرة” بطلاً وجزءًا شاهدًا على الأحداث.
كذلك الشريط الصوتي المميز أضفى بعدًا أعمق لواقعية الفيلم، الذي نسمع من خلاله في خلفية الأحداث موسيقى تصويرية لفيلم قديم يشاهده “حسن”، وصوت القرآن صباحًا في الشوارع، وصوت قطار مارٍّ في الخلفية، بالإضافة إلى استخدام الموسيقى التصويرية بدون مبالغة مما عزز من الواقعية.
أما الإضاءة والألوان فقد تم استخدامها لتعبر عن حال البطل، فنشاهد البطل ينعكس عليه اللون الأحمر حينما يغضب أو يغمره الحماس، وعند الهدوء ينعكس عليه اللون الأخضر، حتى أننا نلاحظ في المشهد الختامي أن البطل يلبس اللون الأحمر عند ثورته وقراره بالانتقام أخيرًا من غريمه.
فقدان البوصلة بعد فقدان الأب
يفقد الإنسان بوصلته بعد فقدان أبيه في سن صغير، أما أن يكون مثل “حسن” تائهًا ومكبّل اليدين رغم تمسكه بمبادئه، أو أن يكون مثل كارم “احمد بهاء” يطيح بالجميع من أجل البقاء. وشاهدنا ذلك في أول المشاهد حينما علمنا بفقدان “حسن” لأبيه ووفاة أبو “كارم” أيضًا، الذي أدى إلى توحشه والاعتداء على أخيه ودخوله المستشفى على إثر ذلك الاعتداء.
حينما أتى رجل عجوز إلى ورشة “كارم” يعاتبه على ما فعله في حق أخيه، وكان “حسن” حينها بجوار أمه يسمع ما يدور وهو يشاهد صرصارًا مقلوبًا تحت قدميه لا يقوى على الحركة، يرى نفسه العاجزة فيه.
كذلك، يشاهد “حسن” نفسه دائمًا منكسرًا من خلال المرايا المكسورة في منزله. وفي مشهد لاحق، نشاهد “حسن” ترتعش يديه وهو يتحدث إلى أمه عبر الهاتف حينما تحذره من “كارم” الذي يبحث عن كلبه لقتله.
ترتعش يديه مثل الثلاجة التي كان يرعش ضوءها في المطعم التي تعمل به حبيبته السابقة “أسماء” (ركين سعد)، الذي كان يحتمي فيه هو وكلبه، حتى يقرر أن يصلح تلك الرعشة التي أصابت الثلاجة في دلالة عن عزمه على إصلاح نفسه المرتعشة ومواجهة “كارم”.
تحول الكلب إلى ضبع في بداية الفيلم تم الإشارة لفيلم “الغول” الذي يشاهده “حسن” كل عيد ميلاد له في إشارة لرغبة “حسن” للتحول إلى غول أو حيوان مفترس، أرغمه المجتمع الذي يشبه الغابة على التحول له، رغم محاولاته المستميتة أن يكون كلبًا مسالمًا. وفي النهاية، تم الانتقام لكلبه المسكين “رامبو” الذي عوقب بسبب تمرده، وحذا “حسن” حذوه وانتقم له ولنفسه عن الإذعان الذي أرغمه المجتمع على التخلي عنه، بحرقه لسيارة “كارم” في رمزية تبين أنها عاقبة الفاحشة التي كان يمارسها فيها، والصاق تهمة النجاسة به وليست بالكلاب.
نرشح لك: الوطنية للإعلام تكرم أسرة مسلسل “أم كلثوم” وتحيي الذكري الخمسين لكوكب الشرق
وجود والد “حسن” طوال أحداث الفيلم من الممكن أن يكون والد “حسن” لم يمت، خصوصًا أنه لم يتم التأكيد خلال أحداث الفيلم، بل تم الإشارة إلى أنه هرب واختفى، ربما لأنه لم يستطع مقاومة الضباع، فقرر الاختباء بالقرب من ابنه في مكان عمله. فنلاحظ أن مدير عمل “حسن” يفضله عن زميله ويعطف عليه ويساعده من بعيد. وحينما نسمع التسجيلات القديمة بين “حسن” ووالده وهو طفل، الذي كان يسمعها حينما يفتقد إلى والده، نسمع نفس صوت مديره في العمل الذي جسده الفنان “أحمد السلكاوي”.