الإسلام السياسيّ والفخ الثلاثي المركب في سوريا

الإسلام السياسيّ والفخ الثلاثي المركب في سوريا

الإسلام السياسيّ والفخ الثلاثي المركب في سوريا

 
د. هيثم علي الصديان

هناك تصوّر سياسيّ لدى الإسلاميّين أنّه محرَّم عليهم تولّي قيادة الأمة… الأمر الذي ولّد لديهم ظمأ إلى السلطة (وهذا حقّ لهم). لكنّهم أخطؤوا الاختيار(زماناً ونموذجاً ومكاناً).
ثمّة توجّه أمريكيّ إلى تمكين الإسلام السياسيّ مقابل بعض التنازلات الجوهريّة فيما يخصّ الكيان، بعد أن يئس من التّيّارات القوميّة واليساريّة عامّة.
في التجربة السورية الجديدة ثمّة طرفان متنازعان: التركيّ والغربيّ. بيد أن الغربي يعوّل على المدى البعيد وعلى البُعد الاستراتيجيّ؛ فهو يرى أن تركيا الأردوغانيّة مرتبطةً بشخص رجب طيب أردوغان، بعدها ستعود تركيا الناتو، بعد انتهاء مرحلة أردوغان بالموت أو بخروجه من الحياة السياسية بعد انتهاء ولايته. وستصير سوريا الإسلاميّة حليفاً للناتو ومن حصّة الغرب بُعيد انتهاء صلاحيّة الكنف التركي الأردوغاني..
وهذا هو مقتل تجربة الإسلام السياسيّ العربيّ للأبد، فبعد أن أُجهِضت في فلسطين ومصر وتونس، سيكون آخرُها في المدى المنظور هي سوريا…
بعدها ستحصل القطيعة الأبستمولوجية مع هذا التيّار…
وهذا هو الفخّ الاستراتيجيّ المركّب الذي نصّبه الغرب للتجربة الإسلاميّة، ولا سيما أنّها (في نموذجها السلفيّ/ القاعديّ المحوّر) هشّةٌ منهكةٌ بالتّهم الدوليّة والديون الفرديّة التي أضعفتها، وستجعلها سلعةً قابلةً للتداول السياسيّ والمساومة والتخلّي عن جوهر هويتها العقدية. ولن ينفعها تحالفُها القادمُ مع  النموذج الإخوانيّ، لأنّ هذا النموذج هو الآخر واقعٌ تحت وطأة، وضغط، تجارب سابقة مُخفَِقة، فهو أشبه بالمهاجم الذي ضيّع أكثرَ من مرّةٍ ضربات جزاء منحت له، ثمّ يُعطى فرصةَ تولّي الضربة الأخيرة الحاسمة(نموذج مارتن بالميرو، اللاعب الأرجنتيني الذي أضاع ثلاث ركلات جزاء في مباراة واحدة).
لقد كان حريّاً بالعقل السياسيّ الإسلاميّ أنْ يتجنّبَ هذه المرحلةَ ويبتعد عن هذا الشَرك القاتل؛ بيد أنه فَرِحَ وهلَّلَ بهذا الذي يحسبه فتحاً ربّانيّاً، على حين أنّه نزغٌ شيطانيّ مكينٌ، رُصد لهذا العقل القاصر عن إدراك المرصود، نتيجةَ أزمة مظلوميّة يعانيها ويتوهّم معظمَها. فليست أمريكا التي تستطيع أن تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممَّن تشاء، وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء.
وهي تجربة تحتاج إلى مدد ربّاني حقيقيّ لإخراجها من هذا الفخّ الذي تَحوْلُ بينه وبين رؤيتهِ شهوةُ السلطة وتوهُّمَ ضياعِ الأمّة من دونهم.
كاتب سوري

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: