د. ماجد العبلي: سوريا الجديدة: خارطة طريق النجاح

د. ماجد العبلي: سوريا الجديدة: خارطة طريق النجاح

د. ماجد العبلي: سوريا الجديدة: خارطة طريق النجاح

د. ماجد العبلي
إن المواطن العربي المسكون بهموم الأمة لَيَنظُرُ إلى إعادة بناء الدولة الجديدة في سوريا نظرة المتفائل الحذر؛ لأن الذاكرة مثقلة بخيبات الماضي والحاضر..
ولكي تنجح تجربة الدولة السورية الجديدة، فلا بد لها من حسم تموضعها الاستراتيجي الخارجي من جانب، وإعادة إنتاج الدولة السورية داخليا على أسس استراتيجية إنسانية منقطعة عن التراث السياسي العربي من جانب آخر.
وسيتم عرض تفاصيل ذلك على النحو التالي:
أولا: حسم التموضع الاستراتيجي على المستويين العالمي والإقليمي؛ حيث لدى سوريا الجديدة، على المستوى العالمي، ثلاث خيارات هي: الانحياز للغرب (أمريكا وأوروبا الغربية)، أو الانحياز للشرق (روسيا والصين)، أو عدم الانحياز، واتباع سياسات وطنية استقلالية متوازنة..
وأما على المستوى الإقليمي فلديها أربع خيارات هي: التحالف مع تركيا، أو التحالف مع السعودية ودول الخليج، أو التحالف مع الكيان المحتل، أو اتباع سياسات وطنية استقلالية متوازنة مع أقطاب الإقليم..
وكل خيار من هذه الخيارات المحتملة سيفرض واقعا مختلفا وسيناريوهات متعددة..
ثانيا: إعادة إنتاج الدولة السورية على أسس استراتيجية إنسانية، وقطع علاقتها ببنية الدولة العربية القائمة وتراثها السياسي، بحيث تتجاوز العُقَد (كلّها أو جُلّها أو بعضها) والتي كبّلت الدولة العربية الحديثة منذ خمسينيات القرن الماضي ولغاية تاريخه، وأهمها: المغالبة، والأحادية، والموالاة، والاستلاب، والتسوّل، والإفراط، والتفريط، والروبوت، والإلغاء، والسَّلق.
والمطلوب لتجاوز هذه العقد هو إحلال بدائلها الإيجابية، وهي: الشرعية، التعددية، والانتماء، والاستقلال، والإنتاجية، والعدل، والوطنية، والمواطنة، والاعتراف، والحكمة؛ وذلك على النحو التالي:

عقدة المغالبة:

 تمثل المغالبة طريقة الاستيلاء على السلطة السياسية في التجربة التاريخية العربية الممتدة من عهد معاوية بن أبي سفيان ولغاية تاريخه، حيث يتم التسليم للغالب بالسلطة، إذ تُعدُّ الغلبة مصدر شرعية الأمر الواقع.
أما البديل المطلوب فيتمثل بالشرعية الدستورية التي تقنن تداول السلطة السياسية سلميا، وتخلق بيئة سياسية تعددية آمنة تتنافس فيها كل القوى السياسية لنيل ثقة الشعب الذي يمنح السلطة عبر الانتخابات العامة لطرف سياسي أو أكثر للمدة المحددة دستوريا.

عقدة الأحادية:

تتمثل الأحادية بعدم وجود (نظام سياسي) في الدولة العربية المعاصرة، وإنما بوجود (نظام حاكم) يحتكر الحقيقة والشرعية والسلطة والثروة والإعلام، ويضفي على نفسه صفات القداسة أو الألوهية، ويوظف الدولة وكل مواردها لبقائه واستقراره واستدامة ثقافة الأحادية التي تُعليه فوق الوطن.
وأما البديل المطلوب فيتمثل بالتعددية والتي تعني بناء (نظام سياسي) يقوم على ركنين: الحكم والمعارضة (المتعددة)، حيث تتشارك كل الأطراف السياسية الحقيقة والشرعية والإعلام، وفق تنافسية دستورية آمنة على السلطة والثروة، لتوظيف الدولة وكل مواردها لصون الاستقلال والسيادة الوطنية، وتحقيق أمن ورفاه المجتمع، وضمان حقوقه وحرياته.

عقدة الموالاة:

تتمثل عقدة الموالاة بتقديم الحاكم ونظامه على الوطن، حيث يصبح الحاكم مقدسا لا يجوز نقده، ما يفضي إلى تراجع كل القيم الوطنية لتغدو هامشية، فيضيع الوطن.
وأما البديل المطلوب فيتمثل بتكريس قيمة الانتماء للوطن كقيمة جمعية عليا مهيمنة على كل القيم الوطنية الأخرى، حيث تتم ترجمتها عمليا من خلال الإخلاص للمصالح الاستراتيجية الوطنية المجمع عليها سلفا باعتبارها مرجعية عليا تسمو على مؤسسة الحكم والجماعات والأشخاص؛ الأمر الذي سيوحّد المجتمع، ويضمن استقراره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والنتيجة دولة وطنية قوية.

عقدة الاستلاب:

تتمثل عقدة الاستلاب بخضوع النظام الحاكم العربي الكامل المستدام للقوة الدولية الكبرى تحت تأثير الانهزام أو الانبهار الحضاري، أو تحت تأثير المصالح النخبوية، أو الضغوطات والمساومات؛ ما ينشئ أزمات خانقة مستدامة ما بين الشعب والنظام الحاكم يمكن انفجارها أو تفجيرها في أية لحظة.
والبديل المطلوب هو الاستقلال الوطني، وتحصين الجبهة الداخلية وتمتينها عبر الاستجابة الكاملة لاستحقاقات البيئة الوطنية الداخلية كأولوية عليا غير قابلة للتصرف، ومقاومة الضغوط الخارجية عبر توسيع دائرة الشركاء الوطنيين في عملية صنع القرار، واستثمار وتوظيف الإطار التشريعي للمجتمع الدولي.

عقدة الإفراط:

 تتمثل هذه العقدة باتّباع النظام الحاكم العربي استراتيجية الإفراط في الظلم والقسوة في تعامله مع الداخل الوطني المجتمعي عبر تكريس سياستي القمع والإفقار ضد الشعب، الأمر الذي كرس العداء ما بين السلطة والشعب، والنتيجة دولة خاوية على عروشها.
ومقابل ذلك فإن المطلوب تكريس منهج العدالة الاجتماعية الذي يضمن الحد المقبول من الحرية والرفاه؛ ما يفضي إلى نمو مجال عاطفي ما بين السلطة والشعب.

عقدة التفريط:

وتتمثل بتفريط النظام الحاكم بالمصالح الوطنية والقومية تحت الضغوطات الداخلية والخارجية؛ ما أدى تاريخيا إلى ضياع منجزات كبيرة تم تحقيقها باستثمار كل موارد الوطن لزمن طويل، وهدر مواطن القوة التي تم بناؤها بالدم والعرق، وهدر الموارد المستدامة التي كان يتوجب صونها لضمان جودة مستقبل الأجيال القادمة.
والبديل المطلوب هو الوطنية بمعنى التمسك الاستراتيجي بالمصالح الوطنية العليا وعدم التهاون بها أو تجزئتها تحت أي ظرف من الظروف، وهذا من شأنه تعبئة الموارد الوطنية واستثمارها لتحقيق رفاه المجتمع ومنعة الدولة.

عقدة التسوّل:

تتمثل عقدة التسول بانتهاج النظام الحاكم العربي استراتيجية الاعتماد على القروض والمنح الخارجية لتغطية النفقات الحكومية الجارية المبالغ بها؛ لضمان استدامة الاعتماد على الخارج، وتعطيل الموارد الوطنية، وهدر كل الفرص المتاحة، ما يعني الانكشاف الاستراتيجي للعالم الخارجي.
والبديل المطلوب هو الإنتاجية بمعنى الانتقال إلى استراتيجية الإنتاج الوطني والمتمثلة بالاكتفاء الذاتي المبني على برامج التنمية الرأسمالية الشاملة بعيدة المدى التي تشغل مختلف الموارد الوطنية وتستثمر كل الفرص المتاحة، لتحقيق المنعة الاستراتيجية الوطنية.

عقدة الروبوت:

تتمثل عقدة الروبوت بتعامل النظام الحاكم العربي مع المواطن العربي وكأنه (روبوت: لا يملك إرادة ولا إحساسا)، بحيث تتم برمجته وإعادة برمجته مرارا وتكرارا باتجاهات متناقضة حسب مصالح وأهواء النظام الحاكم دون أية مقاومة؛ الأمر الذي يقتل الثقة الشعبية بالنظام الحاكم.
والبديل المطلوب هو تكريس مبدأ المواطنة بمعنى التعامل مع المواطن العربي بصفته إنسانا حرا ذكيا كامل الأهلية يملك إرادة ذكية وإحساسا عاليا بالكرامة وذاكرة فاعلة، وأنه جزء من مجتمع يتمتع بالحقوق المدنية، وأن اتجاهاته تمثل بوصلة للإرادة الشعبية التي يتوجب على الحاكم الاستجابة لها على الدوام.

عقدة الإلغاء:

تتمثل عقدة الإلغاء باتّباع النظام الحاكم العربي استراتيجية اجتثاث المعارضة جذريا بكل ما يملك من أدوات القوة والسلطة بكل قسوة وعنف لإلغائها، وإغلاق كل المسارات الذاتية الخلفية لاحتمالية العودة أو العدول عن هذه السياسة مستقبلا.
والبديل المطلوب هو الاعتراف بالمعارضة مكونا وطنيا شرعيا، والتعايش مع فكرة أن المعارضة قد تكون شريكا له في الحكم أو بديلا عنه على المدى المتوسط أو البعيد؛ فلا يثخنها بالجراح، كي لا تثأر منه حين تدور عليه الدوائر، ولذا عليه أن يحافظ على سلامة طرق العودة.

عقدة السّلْق:

تتمثل عقدة السَّلق باتّباع النظام الحاكم العربي استراتيجية الهروب للأمام، حيث يتهرب من حل المشاكل التي تواجه المجتمع والدولة والوطن، ويَعْمَدُ لإغلاق ملفاتها على علاتها تعسفيا؛ بحيث تظل جراحا قابلة للنكْء والنزف عند أي منعطف وطني؛ ما يجعل السلم المجتمعي معرضا للانهيار لأتفه الأسباب.
والبديل المطلوب هو الحكمة بمعالجة المشاكل التي تواجه المجتمع والدولة والوطن بعقلانية وموضوعية وواقعية، وحلها حلا مؤسسيا استراتيجيا مهما كانت التكاليف؛ لتحقيق الاستقرار السياسي والسلم المجتمعي المستدام..
والحديث ذو شجون…
كاتب اردني

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: