إبراهيم مصطفى يكتب: إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية.. الإنطلاق من جهات بيئة الاستثمار

إبراهيم مصطفى يكتب: إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية.. الإنطلاق من جهات بيئة الاستثمار

فى إطار سياسة الدولة الحالية نحو إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية التابعة لها، والبالغ عددها 59 هيئة متنوعة، وهو نهج حميد ومطلوب، وذلك لرفع معدلات الكفاءة، وزيادة مساهمتها فى الناتج المحلى تعد أولوية لدى الحكومة، وذلك بغرض تحديد مصير كل هيئة، وفقاً لعدد من البدائل التى تتضمن: إما الإبقاء على هذه الهيئة الاقتصادية، أو تحويلها إلى هيئة عامة، أو دمج هيئات معاً، أو تقسيم الهيئة إلى هيئات أصغر.

وحيث إنَّ الدراسات الأولية لهذه القضية من قبل اللجنة المشكلة لهذا الغرض وبعد استيفاء الإجراءات والخطوات الخاصة بفحص ودراسة 40 هيئة، فقد تم الاتفاق على الإبقاء عدد 29 هيئة اقتصادية، وتصفية وإلغاء هيئة واحدة، ودمج عدد 3 هيئات فى هيئات أخرى، وتحويل عدد 7 هيئات من هيئات اقتصادية إلى هيئات عامة لعدد من الاعتبارات، لافتاً إلى أنه من المنتظر الانتهاء من فحص ودراسة 19 هيئة متبقية، وإعداد التقرير النهائى للدراسة، تمهيداً لعرضه على مجلس الوزراء.

إن إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية يجب أن تحقق الغرض المطلوب بشأن ترشيد الإنفاق وإعادة رفع كفاءة عمل الهيئات ووظائفها وتجنب التداخلات فى الاختصاصات، وهو ما يتطلب النظر فى عدة معايير لتحقيق الجوانب الإيجابية من إعادة الهيكلة:

طبيعة ووظائف كل هيئة وبالتالى تأتى هنا أهمية دمج هيئات مع بعض تتشابه فى الاختصاصات مثل الهيئات التى تتعلق بالاستثمار فوجود هيئة للاستثمار وهيئة للتنمية الصناعية وهيئة للمنطقة الاقتصادية يشتت جهود تبسيط بيئة الاستثمار والترويج للفرص الاستثمارية رغم ارتباطها ببعضها البعض.

إبقاء ودمج وتصفية.. كيف ستتعامل الحكومة مع الهيئات الاقتصادية؟

فعندما تم دمج هيئات سوق المال والتأمين والتمويل العقارى فى هيئة موحدة للرقابة المالية وتوحيد جميع الخدمات المالية غير المصرفية فى كيان واحد ينظم هذه الأنشطة تحت مسمى الهيئة العامة للرقابة المالية أسوة بالتجارب الدولية الرائدة، رفع ذلك من كفاءة سوق الخدمات المالية غير المصرفية وتوحيد التعامل مع جهة واحدة.

وبالتالى دمج الهيئة العامة للاستثمار والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية (لمنطقة قناة السويس والمثلث الذهبي) والهيئة العامة للتنمية الصناعية فى كيان واحد سيكون له انعكاس كبير على جهود جذب الاستثمار والترويج للفرص الاستثمارية والحديث مع كيان واحد عن فرص الاستثمار وسيقلل جهود التنسيق فى ظل جهات متعددة كثيرة إلى كيان واحد يتعامل مع المستثمر. وسيقلل من الانفاق الخارجى على الترويج للاستثمار من خلال جهة واحدة فقط دون تعدد سفريات رؤساء كل هذه الجهات للحديث عن فرص الاستثمار او جهود تبسيط الاجراءات والتى يجب أن تكون واحدة ومبسطة. على أن يكون هناك نواب فعليون للهيئة الموحدة الجديدة.

وعند الدمج تأتى أهمية تشابه الهيكل المؤسسى والأجور والموظفين أو إعادة تأهيلها لتلائم عمليات الدمج؛ لأن الهيكل المؤسسى داخلياً للهيئة الجديدة حينها سيتغير، وهنا تأتى أهمية التنسيق مع الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة والشركات الاستشارية لوضع أفضل وضع بعد الدمج، لا سيما أنه حدث قبل ذلك فى أمثلة واضحة عند إنشاء هيئة الرقابة المالية، وعند دمج مصلحة الشركات فى هيئة الاستثمار من سنوات عديدة.

كذلك ستصبح هناك موازنة موحدة لجميع هذه الجهات بدلاً من تعدد الموازنات وازدواج الإنفاق على أنشطة متشابهة، وحينها يمكن المناورة فى الصرف على الأنشطة من توحيد موارد تلك الجهات وحصيلة الأراضى التى لديها، مع قيامها باستثمار أصولها وأموالها لتعظيم العائد من تلقاء نفسها بما يعزز من مواردها بعيداً عن موازنة الدولة كمصدر للتمويل؛ بل ستكون أيضاً مصدراً جيداً لتمويل موازنة الدولة من موارد تلك الكيانات الموحدة.

ستتمكن تلك الهيئة الموحدة من استخدام مقرات الهيئات المدمجة فى توسيع الخدمات التى آلت لها فى جميع الفروع المنتشرة فى المحافظات المختلفة مع تطوير جهود الميكنة المرجوة، فى ظل وجود هيئة موحدة تخاطب متلقى الخدمة منها، وتباشر اختصاصات موحدة، وتنفق على تطوير تلك الخدمات من مواردها.. فالهيئات التى لم يكن لديها مورد ذاتى اندمجت فى هيئة موحدة تحقق لها ذلك واستفادت من الهيئات التى لها موارد ذاتية وتتشابه معها فى الأنشطة نفسها.

كذلك أهمية تطبيق المعاش المبكر وفلترة العناصر ذات الكفاءة وضخ دماء جديدة بعد تقييم النقص فى الكوادر المطلوبة على جميع المستويات الوظيفية، بما يحقق الأهداف المرجوة، ومواكبة التطورات الجديدة مع معطيات العصر من التكنولوجيا الحديثة، والتنمية البشرية الحديثة، ووضع التنافسية العالمية فى ظل التحديات والفرص التى يخلقها الاقتصاد السياسى الدولى إقليمياً وعالمياً، وتتأثر بها الاقتصادات المحلية، فالعالم أصبح متداخلاً وتتسارع أحداثه بشكل كبير على مختلف الأصعدة.

وفى النهاية، الموضوع ليس بعدد الهيئات ولكن بكفاءة الأداء فقد تكفى هيئات معدودة بكفاءات وأنظمة متطورة للقيام بالمهام المطلوبة وبالوسائل الذكية المتطورة، وتحقيق الإنجازات بكفاءة وفاعلية، وبما يعود على الدولة من نفع كبير ويوفر عليها مجهوداً وتكاليف هى فى غنى عنها تضيع فى ظل التعدد وتداخل الاختصاصات وتضخم الجهاز البيروقراطى دون جدوى.

بقلم: د. إبراهيم مصطفى