في خطوة دبلوماسية لافتة، تقترب الرباط ومدريد من التوصل إلى اتفاق نهائي لفتح مكاتب الجمارك في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، بعد مفاوضات ماراثونية استمرت أكثر من عامين. وتعتبر هذه الخطوة تحولًا كبيرًا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، في وقت تشهد فيه العلاقات السياسية بينهما تحسنًا ملحوظًا، خاصة بعد الدعم الصريح الذي قدمته إسبانيا لمغربية الصحراء.
إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا
يرتقب أن تساهم هذه الخطوة في إعادة تنظيم وتطوير العلاقات التجارية بين البلدين، حيث ستركز على تعزيز المصالح المتبادلة مع الحفاظ على السيادة الوطنية للمغرب. وبحسب صحيفة “إلباييس” الإسبانية، فإن هذا الاتفاق يُعدّ نقطة تحول تاريخية، حيث يهدف إلى إحياء التعاون التجاري بين الجانبين بعد سنوات من التوترات.
وكانت الرباط قد أغلقت مكاتب الجمارك في مليلية في أغسطس 2018 بشكل مفاجئ، ما أثار تساؤلات واسعة حول أسباب القرار وتداعياته. أما بالنسبة لسبتة، فكانت المدينة تفتقر أصلاً إلى مكاتب جمركية، ما يجعل الاتفاق الجديد تطورًا مميزًا في العلاقات الثنائية.
ضوابط صارمة لتبادل السلع
وفقًا للتفاصيل الواردة في “إلباييس”، فإن التبادل التجاري بين المغرب وإسبانيا بعد فتح الجمارك سيكون محكومًا بضوابط دقيقة. حيث سيسمح بعبور شاحنة واحدة فقط يوميًا عبر كل مركز جمركي في الاتجاهين، وهو ما يعكس الحذر البالغ من الطرفين في إدارة هذه المرحلة الحساسة.
وقد تم تحديد قائمة محددة للمنتجات التي سيتم تبادلها بين البلدين. وتشمل هذه المنتجات الفواكه، البقوليات، والأسماك القادمة من المغرب، في حين ستصدّر إسبانيا منتجات النظافة والأجهزة المنزلية والإلكترونيات.
مرحلة أولى مشروطة
في مرحلة أولى من الاتفاق، سيكون التبادل التجاري محصورًا في هذه السلع، حيث من المتوقع أن يتم استبعاد بعض المنتجات، مثل مواد البناء والمنتجات الزراعية، من المعاملات الجمركية. هذا يأتي في وقت تثار فيه تساؤلات حول كيفية تنظيم هذه العملية في المستقبل.
من جانبها، أكدت المندوبة الحكومية في مليلية، سابرينا موه، أن فتح الجمارك يتم بتنسيق كامل مع السلطات المغربية لضمان تحقيق الضمانات اللازمة. وأوضحت أن العملية ستتم بشكل تدريجي، لضمان عدم حدوث أي عقبات.
مستقبل العلاقة بين البلدين
رغم وجود تحفظات على بعض بنود الاتفاق، لا سيما المتعلقة بتقييد بعض البضائع، يرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل فرصة استراتيجية للمغرب لتعزيز سيادته على المعابر الحدودية وضمان تدفق منتجاته بشكل منظم. كما تأتي في إطار سياسة اقتصادية شاملة تهدف إلى تعزيز دور المغرب كمحور تجاري بين إفريقيا وأوروبا.
ومع استمرار المفاوضات بشأن تفاصيل الاتفاق، يبقى التساؤل الأهم: هل ستشكل هذه الخطوة بداية لحقبة جديدة من التعاون، أم ستواجه تحديات تعيق تنفيذها بنجاح؟
التحديات والفرص
الفتح المرتقب للجمارك في سبتة ومليلية يمثل اختبارًا حقيقيًا لإرادة البلدين في بناء شراكة اقتصادية متوازنة. فبينما تسعى إسبانيا لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، يركز المغرب على تعزيز سيادته الوطنية وتعميق نفوذه الإقليمي. مع استمرار التحولات في المنطقة، فإن النجاح في هذا الاتفاق سيعكس قدرة الطرفين على تجاوز التحديات وتحقيق نتائج إيجابية للشعبين.