حسن محمد حاج: الفيدرالية في الصومال: بين صراع النفوذ وفرص بناء الوحدة الوطنية
حسن محمد حاج
شهدت الصومال منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991 مراحل من التفكك والصراع، أسفرت عن بروز نظام حكم جديد يعتمد على الفيدرالية.
هذا النظام يهدف إلى إعادة بناء الدولة في ظل واقع سياسي واجتماعي معقد، حيث تتباين طبيعة العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، وذلك على خلفية تاريخية تعكس تحديات الأمن والاستقرار وإعادة تشكيل الهوية السياسية.
(نشأة الولايات وتأسيسها)
في سياق البحث عن حلول للمأزق السياسي بعد انهيار الدولة، اعتمدت الصومال في دستورها الانتقالي لعام 2004 نموذج الفيدرالية كإطار لإعادة بناء المؤسسات السياسية.
من خلال هذا التوجه، تم تقسيم البلاد إلى وحدات إدارية تتماشى مع طبيعة التكوين القبلي والجغرافي.
ومنذ ذلك الحين، ظهرت خمس ولايات رئيسية بالإضافة إلى إقليم بنادر (مقديشو) الذي يُعد العاصمة.
وهذه الولايات هي: بونتلاند، جوبالاند، جلمدج، جنوب الغرب، وهيرشبيلي.
تأسست هذه الولايات في مراحل متباينة، وكل واحدة منها تعكس خصوصيات اجتماعية وسياسية مختلفة.
بونتلاند: تعتبر ولاية بونتلاند من أولى الولايات التي أعلنت تشكيلها في 1998، وقد تبنت نظام حكم ذاتي قبل إقرار النظام الفيدرالي بشكل رسمي في الدستور الوطني.
لعب موقعها الاستراتيجي على خليج عدن دورًا مهمًا في تعزيز نفوذها الاقتصادي، كما تتمتع ببنية أمنية قوية نسبيًا مقارنة ببقية المناطق الصومالية.
جوبالاند: ظهرت ولاية جوبالاند في عام 2013 بعد صراع طويل بين الفصائل المسلحة. وتتميز بموقعها الحدودي مع كينيا، مما يجعلها منطقة حيوية في سياق التوازنات الإقليمية. وقد أدى هذا الموقع إلى اهتمام كينيا بالوضع في جوبالاند، حيث أصبحت طرفًا مؤثرًا في صياغة التحالفات الداخلية.
جلمدج: تأسست عام 2006 في وسط الصومال، وتعد منطقة متقلبة أمنيًا نظرًا لوجود نشاطات إرهابية من قبل حركة الشباب. تتمتع بموقع استراتيجي يتوسط العاصمة والمناطق الشمالية، مما يجعلها نقطة مهمة في الربط بين مختلف الأقاليم.
جنوب الغرب: نشأت في 2014، وتعتبر من أكثر المناطق التي تعاني من أزمات إنسانية وأمنية نتيجة للنزاعات الداخلية والنشاط الإرهابي. تضم هذه المنطقة عددًا من المكونات القبلية التي تسهم في تشكيل طبيعة التحالفات والصراعات.
هيرشبيلي: تأسست عام 2016، وهي ولاية حديثة التكوين نسبيًا. تعتمد اقتصادها بشكل كبير على الزراعة، ولكنها تعاني من تحديات تتعلق بالأمن والخدمات الأساسية، مما يجعلها بحاجة إلى دعم مستمر من الحكومة المركزية والمؤسسات الدولية.
(اتجاهات القيادات السياسية في الولايات)
تتباين اتجاهات القيادات السياسية في الولايات وفقًا للتوجهات القبلية والمحلية التي تؤثر على تشكيل الحكومات الإقليمية.
فبعض القيادات تتبنى سياسة التعاون مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو، بهدف الحصول على الدعم المالي والعسكري، فيما يفضل آخرون اتخاذ مواقف أكثر استقلالية لحماية مصالح ولاياتهم وضمان عدم التدخل المركزي في شؤونهم الداخلية.
وقد أدى هذا التباين إلى خلق بيئة سياسية متقلبة، حيث يتم أحيانًا اللجوء إلى التهديد بالانفصال أو تجميد التعاون مع الحكومة المركزية لتحقيق مكاسب سياسية.
فالقيادات في ولاية بونتلاند، على سبيل المثال، تميل إلى تعزيز الحكم الذاتي وترفض التدخلات المباشرة من مقديشو.
كما أن بونتلاند، نظرًا لاستقرارها النسبي، تطالب بنصيب أكبر من الموارد والسلطة، وهو ما يؤدي أحيانًا إلى توتر في علاقتها مع الحكومة الفيدرالية.
أما في جوبالاند، فتتأثر التوجهات السياسية بشكل كبير بالوضع الحدودي مع كينيا.
يحاول قادة جوبالاند الحفاظ على علاقات وثيقة مع كينيا لتعزيز أمنهم الإقليمي، وهو ما يثير شكوك الحكومة الفيدرالية التي تخشى من تأثير القوى الخارجية على الوضع الداخلي.
(التعامل مع الحكومات المركزية المتعاقبة)
تباينت علاقة الولايات بالحكومات الفيدرالية المتعاقبة بحسب طبيعة القيادة الفيدرالية وتوجهاتها السياسية. بعض الحكومات المركزية سعت إلى تعزيز سلطتها على حساب الولايات، مما أدى إلى تصاعد التوترات.
على سبيل المثال، خلال فترة رئاسة حسن شيخ محمود (2012-2017)، شهدت العلاقات بين الحكومة المركزية والولايات تصعيدًا في التوترات، حيث اتهمته بعض الولايات بالسعي لفرض سياسات مركزية تُضعف من صلاحياتها.
في المقابل، حاول الرئيس محمد عبد الله فرماجو (2017-2021) تعزيز النفوذ الفيدرالي عبر إقامة تحالفات مع بعض القادة المحليين، لكنه واجه مقاومة شديدة من ولايات مثل بونتلاند وجوبالاند، حيث رفضت هذه الولايات الانصياع الكامل لتوجيهات مقديشو.
أدى هذا الصراع إلى تجميد بعض الأنشطة السياسية وتعطيل الانتخابات في أحيان كثيرة.
وفي ظل إدارة حسن شيخ محمود الثانية (2022-2026)، تظهر محاولات لإعادة بناء الثقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات من خلال تبني سياسة الحوار والشراكة.
ومع ذلك، تبقى هذه الجهود محفوفة بالتحديات، خاصة في ظل استمرار التهديدات الأمنية وتصاعد الخلافات حول توزيع الموارد والسلطة.
( اربعة عوامل مؤثرة في العلاقة)
هناك أربعة عوامل تؤثر بشكل كبير على طبيعة العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، هي:
البعد القبلي: تلعب الانتماءات القبلية دورًا محوريًا في تحديد التوجهات السياسية لكل ولاية. فعلى الرغم من وجود إطار دستوري لتنظيم العلاقة بين الحكومة المركزية والولايات، إلا أن الولاء القبلي غالبًا ما يتفوق على الالتزام بالسياسات الوطنية.
الأمن: يشكل الوضع الأمني عاملًا حاسمًا في العلاقة بين الحكومة المركزية والولايات. تعتمد الحكومة الفيدرالية بشكل كبير على الولايات للمساعدة في مواجهة التهديدات الإرهابية، ولكن التنافس بين الطرفين أحيانًا يعوق التنسيق الأمني.
الاقتصاد والموارد: يمثل توزيع الموارد الاقتصادية نقطة خلاف مستمرة بين الحكومة المركزية والولايات. تسعى الولايات للحصول على نصيب أكبر من العائدات المالية، خاصة من الضرائب والمساعدات الدولية، وهو ما يولد توترات مستمرة بشأن توزيع الثروات.
التدخلات الخارجية: تتأثر العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات أيضًا بالعوامل الإقليمية والدولية. تلعب دول الجوار، مثل كينيا وإثيوبيا، دورًا في صياغة مواقف بعض الولايات، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي الداخلي.
ويمكن القول إن العلاقة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات التابعة لها تعكس واقعًا معقدًا ومتشابكًا، يتأثر بالتوازنات القبلية والسياسية والأمنية.
على الرغم من المحاولات المتكررة لبناء نظام فيدرالي مستقر، إلا أن التباين في التوجهات بين القيادات المحلية والحكومة المركزية يشكل تحديًا مستمرًا أمام تحقيق الاستقرار والتنمية.
تحتاج الصومال إلى تعزيز الحوار والشراكة بين الأطراف المختلفة وتبني سياسات تضمن توزيعًا عادلًا للموارد والسلطة، من أجل تجاوز العقبات التي تعيق مسار إعادة بناء الدولة.
تواصل العلاقة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات تطورها في ظل تحديات سياسية وأمنية متصاعدة، تعكس ديناميات معقدة تحتاج إلى تفكيك دقيق.
يكشف هذا التطور عن أنماط من التعاون، وفي أحيان كثيرة، تنافس قد يصل إلى مستوى القطيعة.
ولا تزال هذه العلاقة تتطلب جهودًا مستمرة لإيجاد توازن بين السلطة المركزية وحق الولايات في إدارة شؤونها وفقًا لخصوصياتها المحلية، مع تجنب الوقوع في فخ الانفصال أو التهميش.
(الدور السياسي للولايات في إعادة تشكيل السلطة الوطنية)
والحقيقة ان الولايات الصومالية أصبحت أقطابًا مؤثرة في العملية السياسية الوطنية.
فهي ليست فقط وحدات إدارية تخضع لتوجيهات الحكومة الفيدرالية، بل تمثل قوى سياسية فاعلة لها دور مباشر في اختيار القيادات على المستوى الوطني، سواء في البرلمان أو رئاسة الجمهورية.
فقد بات للولايات حق تعيين أعضاء في مجلس الشيوخ، وهو ما يجعلها جزءًا من عملية اتخاذ القرار الفيدرالي، ويعزز من قدرتها على التأثير في التشريعات والسياسات العامة.
هذا التأثير خلق نوعًا من التوازن بين السلطة المركزية والأطراف الإقليمية، لكنه أيضًا أدى إلى خلافات بين الحكومة والولايات حول آليات تقاسم النفوذ.
(التحديات المتعلقة بإجراء الانتخابات)
تعد مسألة الانتخابات واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات.
وفق النظام الفيدرالي الحالي، تحتاج الانتخابات إلى تنسيق عالٍ بين السلطات الفيدرالية والإقليمية.
ومع ذلك، تشهد هذه العملية تعثرات متكررة بسبب تضارب المصالح.
فبعض الولايات، مثل بونتلاند وجوبالاند، اتهمت الحكومات المركزية المتعاقبة بالسعي للتأثير على نتائج الانتخابات عبر دعم مرشحين موالين لها، وهو ما يعكس انعدام الثقة بين الطرفين.
كما أن غياب آليات قانونية واضحة لتنظيم الانتخابات يؤدي إلى تأجيلها أو تعطيلها، مما يخلق أزمات سياسية ويضعف مصداقية المؤسسات الوطنية.
هذا الوضع دفع أطرافًا داخلية ودولية للضغط من أجل إصلاح النظام الانتخابي واعتماد نموذج انتخاب مباشر يمنح المواطنين دورًا أكبر، لكن هذا الاقتراح يواجه صعوبات في التنفيذ بسبب تباين مواقف الولايات.
(الخلافات حول توزيع الصلاحيات والموارد)
يشكل توزيع الصلاحيات بين الحكومة الفيدرالية والولايات نقطة توتر رئيسية. فالدستور الصومالي المؤقت يترك العديد من القضايا دون تحديد دقيق للصلاحيات، مما يفتح الباب أمام تفسيرات متباينة.
تسعى الحكومة المركزية إلى تعزيز سلطتها لضمان وحدة البلاد، في حين تطالب الولايات بمزيد من الحكم الذاتي، خاصة فيما يتعلق بإدارة الموارد الطبيعية والتعامل مع المانحين الدوليين.
تعد الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، التي يُعتقد أنها متوفرة في بعض المناطق الصومالية، عاملاً إضافيًا يعقّد العلاقة.
تطالب بعض الولايات، مثل بونتلاند، بأن تكون لها اليد الطولى في إدارة هذه الثروات، في حين ترى الحكومة المركزية أن إدارة الموارد الوطنية يجب أن تكون موحدة لضمان تحقيق تنمية متوازنة.
(الأمن واللامركزية في مكافحة الإرهاب)
من أبرز الملفات التي تتطلب تنسيقًا بين الحكومة الفيدرالية والولايات هو ملف الأمن، خاصة في ظل وجود تهديدات من جماعات مثل حركة الشباب.
إلا أن غياب الثقة بين الطرفين يؤثر سلبًا على التنسيق الأمني. فعلى الرغم من حاجة الحكومة المركزية إلى تعاون الولايات في التصدي للإرهاب، إلا أن بعض الولايات تتهم الحكومة بعدم توفير الدعم اللازم، أو بالتدخل في شؤونها الأمنية لتحقيق مكاسب سياسية.
في الوقت نفسه، تحاول بعض الولايات بناء قوى أمنية خاصة بها لتعزيز سيطرتها على أراضيها، وهو ما يولد مخاوف من نشوء جيوش إقليمية قد تقوّض وحدة الدولة.
وقد أدى هذا الوضع إلى تضارب المصالح في إدارة العمليات العسكرية، حيث تنشأ أحيانًا نزاعات بين القوات الفيدرالية والقوى الأمنية التابعة للولايات حول قيادة العمليات وطريقة تنفيذها.
(التأثيرات الإقليمية والدولية على العلاقات الداخلية)
تتأثر العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات بالتدخلات الإقليمية والدولية.
فكثيرًا ما تتدخل دول الجوار، مثل كينيا وإثيوبيا، لدعم أطراف معينة داخل الصومال بما يخدم مصالحها الإقليمية. على سبيل المثال، تلعب كينيا دورًا مؤثرًا في ولاية جوبالاند بحكم موقعها الحدودي معها، مما يزيد من تعقيد العلاقات بين مقديشو وقيادة جوبالاند.
كما تسعى دول إقليمية ودولية إلى تعزيز نفوذها داخل الصومال من خلال دعم مشاريع تنموية أو تقديم مساعدات إنسانية.
ومع ذلك، يؤدي غياب التنسيق بين الحكومة المركزية والولايات حول كيفية إدارة هذه المساعدات إلى خلافات داخلية قد تعرقل وصول المساعدات إلى مستحقيها، أو تُستغل لتحقيق أهداف سياسية.
(الآفاق المستقبلية للعلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات)
على الرغم من التحديات التي تعترض طريق التعاون بين الحكومة الفيدرالية والولايات، هناك محاولات جادة لتجاوز هذه الخلافات وبناء شراكة حقيقية تحقق الاستقرار والتنمية.
ويُعد الحوار الوطني، الذي تشرف عليه أطراف داخلية ودولية، إحدى الأدوات المهمة لتعزيز التفاهم بين الأطراف المختلفة.
لكن نجاح هذه الجهود يعتمد على استعداد جميع الأطراف لتقديم تنازلات حقيقية.
فالحكومة الفيدرالية تحتاج إلى تبني سياسات أكثر شمولية تعترف بحقوق الولايات وتتيح لها مساحة أكبر من الحرية في إدارة شؤونها.
وفي المقابل، ينبغي على الولايات الإقرار بضرورة وجود سلطة مركزية قوية قادرة على حماية وحدة البلاد وضمان مصالح جميع الصوماليين.
كما أن اعتماد دستور دائم يحسم الخلافات المتعلقة بتوزيع الصلاحيات والموارد سيكون خطوة مهمة نحو استقرار العلاقة بين الحكومة والولايات.
يتطلب ذلك توافقًا سياسيًا واسعًا وإشراك جميع الفاعلين في صياغة الدستور لضمان أنه يعكس تطلعات الشعب الصومالي بمختلف مكوناته.
كما يمكن القول إن العلاقة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات التابعة لها تعكس تحديات كبيرة لكنها في الوقت نفسه تحمل فرصًا لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة.
يتطلب هذا المسار التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف بتحقيق المصالحة الوطنية، وتعزيز الثقة المتبادلة، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الضيقة.
فالصومال بحاجة إلى تجاوز خلافاته الداخلية وتوحيد جهوده لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعترض طريقه نحو مستقبل أفضل.
(الأبعاد الاجتماعية وتأثيرها على العلاقة بين الولايات والحكومة الفيدرالية)
تتميز الصومال بتركيبتها الاجتماعية القائمة على نظام العشائر، حيث يشكل الانتماء القبلي عاملًا أساسيًا في تحديد الولاءات السياسية والاجتماعية.
وعلى الرغم من تبني النظام الفيدرالي رسميًا، فإن الواقع العملي يعكس استمرار تأثير الهياكل القبلية في إدارة العلاقات بين الحكومة المركزية والولايات.
في كثير من الأحيان، يُفضّل القادة المحليون تلبية مطالب عشائرهم على الالتزام بالسياسات الوطنية، مما يؤدي إلى تهميش بعض الفئات الاجتماعية التي لا تتمتع بنفوذ كافٍ ضمن تلك الهياكل العشائرية.
هذا التداخل بين القبلية والسياسة يولّد تحديات كبيرة في توزيع المناصب، سواء على مستوى الحكومة الفيدرالية أو الولايات. فالاختيارات السياسية لا تتم دائمًا بناءً على الكفاءة أو البرامج السياسية، وإنما وفق توازنات قبلية تهدف إلى تحقيق قدر من الرضا الاجتماعي.
هذا الواقع يؤثر على أداء الحكومات ويضعف قدرتها على تنفيذ الإصلاحات التي تتطلب قرارات شاملة وحازمة.
(دور المجتمع المدني ومنظمات المجتمع الدولي في تعزيز التعاون)
مع استمرار الصراعات الداخلية وغياب الثقة بين الأطراف السياسية، برزت منظمات المجتمع المدني كفاعل مهم في تقريب وجهات النظر ودفع عجلة الحوار الوطني.
تقوم هذه المنظمات بتنظيم مؤتمرات وورش عمل تجمع بين ممثلي الحكومة الفيدرالية والولايات بهدف تعزيز التعاون وتقديم حلول توافقية للمشكلات القائمة.
إلى جانب ذلك، تلعب المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، دورًا رئيسيًا في تقديم الدعم الفني والمالي لتعزيز الحوكمة الفيدرالية.
وتسهم هذه المنظمات في تدريب الكوادر الحكومية، دعم الانتخابات، وتمويل المشاريع التنموية التي تهدف إلى تخفيف حدة الفقر والبطالة، وهما من أبرز الأسباب التي تؤجج الصراعات السياسية.
ومع ذلك، يبقى التحدي في ضمان استخدام هذه المساعدات بطريقة تخدم مصلحة جميع المواطنين، وليس فئة معينة فقط.
(التحديات المرتبطة بالبنية التحتية والتنمية الاقتصادية)
تعد التنمية الاقتصادية من الملفات الشائكة التي تعيق بناء علاقة متينة بين الحكومة الفيدرالية والولايات.
يعاني معظم سكان الولايات من نقص حاد في الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، وهو ما يعمق الشعور بالتهميش ويدفع بعض الولايات إلى المطالبة باستقلال أكبر في إدارة شؤونها الاقتصادية.
كما تسعى الحكومة الفيدرالية إلى توزيع الموارد المحدودة بشكل عادل بين الولايات، لكنها تواجه صعوبة في تلبية احتياجات الجميع، خاصة في ظل التفاوت الكبير بين الولايات في مستوى التنمية.
على سبيل المثال، تتمتع بونتلاند بقدر من الاستقرار الاقتصادي النسبي نظرًا لموقعها الجغرافي وموانئها البحرية، في حين تعاني ولايات مثل جنوب الغرب من فقر مدقع وأوضاع إنسانية متدهورة.
هذا التفاوت الاقتصادي يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق تنمية متوازنة في جميع أنحاء البلاد.
فبعض الولايات تعترض على المركزية في إدارة الموارد، مطالبةً بسلطات أوسع في التفاوض مع المانحين الدوليين وتنفيذ المشاريع المحلية.
وفي المقابل، تخشى الحكومة الفيدرالية من أن يؤدي منح تلك الصلاحيات إلى نشوء اقتصاديات مستقلة قد تقوّض وحدة الدولة.
(التعامل مع الأزمات الإنسانية والكوارث الطبيعية)
تتعرض الصومال بشكل متكرر لأزمات إنسانية ناتجة عن الجفاف والفيضانات، فضلًا عن النزاعات المسلحة.
وهذه الأزمات تشكل اختبارًا صعبًا للعلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، حيث يتطلب التعامل معها تنسيقًا عاليًا لضمان وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة.
ومع ذلك، تعاني البلاد من ضعف البنية التحتية اللازمة لإدارة الكوارث، مما يؤدي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية.
كذلك يؤدي غياب التنسيق الفعّال بين الحكومة والولايات إلى تعطيل جهود الإغاثة في بعض الأحيان، حيث تشتكي الولايات من تدخل الحكومة المركزية في توزيع المساعدات.
وفي أحيان أخرى، تتهم الحكومة الفيدرالية بعض الولايات بعدم الشفافية في استخدام الموارد المخصصة للأزمات.
ونتيجة لهذا الوضع تبرز الحاجة إلى إنشاء آليات واضحة ومشتركة لإدارة الكوارث، تضمن تحقيق الاستجابة السريعة والفعالة للأزمات.
(التوجه نحو إصلاح دستوري لتعزيز الاستقرار)
إحدى القضايا الأساسية التي تشغل الساحة السياسية في الصومال هي الحاجة إلى إقرار دستور دائم ينظم العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات بشكل أوضح.
يعاني الدستور الحالي من الغموض في كثير من مواده، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات بين المستويات المختلفة من الحكم.
هذا الغموض يؤدي إلى تباين في التفسيرات بين الحكومة والولايات، مما يعطل اتخاذ القرارات ويعرقل جهود التنمية.
يدعو بعض الخبراء إلى تشكيل لجنة وطنية تضم ممثلين عن الحكومة الفيدرالية والولايات والمجتمع المدني، بهدف إعادة صياغة الدستور بشكل يعكس تطلعات جميع الأطراف.
ويتطلب هذا الإصلاح توافقًا سياسيًا واسعًا، خاصة فيما يتعلق بقضايا مثل إدارة الموارد الطبيعية، الأمن، والنظام الانتخابي.
كما ينبغي أن يشمل الإصلاح ضمانات دستورية تحمي حقوق الأقليات والفئات المهمشة، وتضمن مشاركتها الفاعلة في صنع القرار.
(تعزيز ثقافة الحوار وبناء الثقة بين الأطراف المختلفة)
يتطلب نجاح النظام الفيدرالي في الصومال تغيير الثقافة السياسية السائدة، التي تميل إلى الصراع على النفوذ بدلاً من التعاون والشراكة.
إن بناء الثقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات يحتاج إلى خطوات عملية تعزز من قيم الشفافية والمساءلة.
يمكن تحقيق ذلك من خلال عقد لقاءات دورية بين القادة السياسيين في مقديشو وعواصم الولايات، لمناقشة القضايا العالقة والوصول إلى حلول توافقية.
كما أن إشراك المواطنين في عملية صنع القرار يمكن أن يسهم في تقليل حدة التوترات، حيث يشعر الناس بأنهم جزء من الحلول وليسوا مجرد متلقين للقرارات.
في هذا السياق، تلعب وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني دورًا حيويًا في نشر ثقافة الحوار وتعزيز الوعي بأهمية التعاون بين جميع الأطراف لتحقيق الاستقرار.
(مستقبل النظام الفيدرالي في ظل التحديات الإقليمية والدولية)
في ظل البيئة الإقليمية غير المستقرة، يبقى النظام الفيدرالي في الصومال عرضة للتأثر بالتغيرات السياسية في دول الجوار. تتطلب هذه التحديات من الصومال تعزيز وحدتها الداخلية لمواجهة الضغوط الخارجية.
كما أن الانخراط في التحالفات الإقليمية، مثل الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، يمكن أن يعزز من موقف الصومال على الساحة الدولية ويدعم جهودها في تحقيق التنمية والاستقرار.
في النهاية، يمكن القول إن تحقيق الاستقرار في النظام الفيدرالي الصومالي يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف.
وينبغي على الحكومة الفيدرالية والولايات تجاوز الخلافات الضيقة وتبني رؤية مشتركة لبناء دولة قادرة على تلبية تطلعات شعبها.
إن نجاح هذا المشروع يعتمد على تحقيق التوازن بين المركزية واللامركزية، وضمان أن يكون النظام الفيدرالي أداة لتعزيز الوحدة الوطنية وليس سببًا في مزيد من الانقسام.
المصادر
مركز الجزيرة للدراسات يقدم تحليلًا معمقًا حول التحديات التي تواجه الفيدرالية في الصومال.
https://studies.aljazeera.net
مركز الصومال للبحوث ودراسة السياسية الأسباب الرئيسية للخلافات بين الحكومة والولايات.
اندبندنت عربية: مسألة تقاسم الثروة النفطية بين الحكومة الفيدرالية والولايات في الصومال.
https://www.independentarabia.com
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الأزمات السياسية في الصومال، تأجيل الانتخابات والخلافات الدستورية.
كاتب وصحفي صومالي
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: