وبعد توحيد المملكة بدأت تتشكل ملامح الهوية السعودية، وذلك بعد التحول التنموي في الستينيات، حيث أخذت تندمج هذه القبائل، وساعد في ذلك تشكيل القطاعات العسكرية وإرسال الطلبة للابتعاث والتوعية الدينية، وبالتالي حدث انصهار مجتمعي أكثر في المدن الكبرى، وأخذت تتحدد الهوية السعودية بشكل واضح.
هذا التشكيل للهوية السعودية كان سريعا ويسيرا بسلاسة، لأن لم يوجد ما يشوه هذا التكوين، فلم يكن هناك مستعمر أو احتلال يبطئ هذا التكوين، وساعدت بشكل ما مجموعة من الأسس التي تقوم عليها الهوية الوطنية، وهي اللغة، ومنظومة الأخلاق من الدين ” الوسطي”، والعادات والتقاليد، والتراث، والتربية التي تشكل العمود الفقري للهوية التي تميّز أي أمة أو أي مجتمع عن غيره، وتشكل في المحصلة النهائية نمط حياة ذلك المجتمع وشخصيته، لأن الهوية والانتماء تتشكلان داخل الأسرة.
على صعيد آخر، فإنّ التاريخ الاجتماعي والسياسي والوثائق تتحدث عن الصعوبات الشديدة، والظروف العصيبة القاسية التي واجهت الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- إبّان التوحيد، ومنها: التهديدات الداخلية والخارجية، وسعة الرقعة الجغرافية للمملكة، وانعدام وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة، وقلّة ذات اليد، والحروب والقبلية، والجهل والفقر، وانعدام الأمن على جميع المستويات في الماضي، وهو ما يجعلنا ندرك جهود حكومتنا بما ننعم فيه الآن، لذا نهدف دائما لرفع مستوى الولاء للوطن والاعتزاز بالهوية. ونلاحظ أن الكثير ممن عاشوه ذلك الوقت نجد فيهم الانتماء والإخلاص للوطن وقيادته، وكلنا نُلاحظ في أجدادنا ذلك الود الصادق والبر الوطني، ويعود السبب لإدراكهم ما مروا به في تلك الحقبة الزمنية، وربما توفي الكثير منهم وهم يتكلمون بما مروا به وبآبائهم من ضيق حال وشدة، وكيف تغير الحال في زمن استقرار المملكة وتوحيدها.
وللهوية الوطنية أهمية كبرى للمجتمع والدولة، إذ تعمل كقوة تربط بين أفراد المجتمع وتحميه من الانقسامات القبلية وطائفية، بحيث يحصل كل فرد على حقوقه، ويتمتع بالرفاهية داخل مجتمعه بناءً على هويته الوطنية، وبغض النظر عن وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي أو الدين والعمر، وما إلى ذلك من الفروق الفردية، ويستمر ذلك لأجيال متوارثة تنعم في حياة كريمة وأمان مُستتب.
ولو تتبعنا ما حل بالكثير من الدول البعيدة والمجاورة من التناحر والشتات والفرقة بين أبناء الوطن الواحد لوجدنا قصصًا مأساوية لشباب ضاعت أحلامهم وأُزهقت لما حل بواقع دولهم بسبب النزعات الطائفية والمذهبية، وتوزيع الولاءات والانتماءات لكل جهة خارجية إلا مصلحة الوطن، ولإدراكنا معنى أن يكون الإنسان واعيا لما يدور حوله من مساعٍ لتشويه أهمية الوطن وقيمة الانتماء له.
2- ما عناصر الهوية الوطنية؟
الدين الإسلامي والالتزام بتعاليمه الصحيحة المعتدلة من دون تطرف أو انحلال، مع استشعار مسؤولية أننا قدوة في تصدير تعاليم الدين الإسلامي.
اللغة العربية، وهي سياج من المفردات الأصيلة تتحصن به الثقافة العربية الغنية بالموروث الأدبي والشعري العريق.
المكان والثقافة والتقاليد، وتعني موقع الجزيرة العربية المميزة منشأ الحضارات القديمة ومهبط الإسلام.
التاريخ المشترك الذي يتمثل في وجود أسرة آل سعود المالكة، رمز لوحدة وطنية جامعة وإنجازات تنموية لأكثر من 93 عاما.
المجتمع يتمثل في شعب أصيل نقي لم يخضع لمستعمر أبدا، ويتميز بعادات عربية نبيلة ومتآلف، ويعي معنى المصير المشترك.
الثقافة، وهي متنوعة بمناطقها ومتناغمة، وتشكل فنونا مختلفة وموروثا شعبيا متنوعا أصيلا.
وتقوم بلادنا بتعزيز الهوية الوطنية على الدوام، للمحافظة عليها على مر العصور، ومن الأمثلة على ذلك الاحتفاء بالقهوة السعودية بوصفها منتجا ثقافيا مميزا للمملكة، حيث ترتبط القهوة بالإرث الثقافي للمملكة عبر تاريخ حافل بالعادات والتقاليد، وقيم الكرم والضيافة، والحضور الإنساني والجمالي والفني في الأغاني والقصائد واللوحات، حتى أصبحت عنصرا رئيسا في الثقافة والموروث الشعبي السعودي، وعلامةً ثقافيةً تتميز بها المملكة، سواءً من خلال زراعتها، أو طرق تحضيرها وإعدادها وتقديمها للضيوف.
ومن منطلق المكانة العالية لهذا الرمز الثقافي والوطني جاءت تسمية عام 2022 عام القهوة السعودية، وذلك تعزيزا لمكانتها محليا ودوليا باعتبارها رمزا من رموز الثقافة السعودية، وموروثا أصيلا.
وأذكر الرقصات الشعبية، ولا سيما العرضة، التي أصبحت رمزًا للثقافة السعودية التقليدية، وفي عام 2015 تم إدراجها في قائمة يونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
كما أن الزي السعودي، وهو الثوب والغترة أو الشماغ والعقال و«المشلح»، كان زيا رسميا للبلاد منذ توحيد المملكة وحتى اليوم، وكانت ترتديه المرأة بفخر، بالتالي نجد أن الزي السعودي رمز ثقافي عريق يُفتخر به.
هل من الممكن تسليط الضوء على الهوية الوطنية في ضوء رؤية المملكة العربية السعودية 2030؟
العمل في تعزيز الهوية الوطنية يتنامى في كل العهود، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– سعت حكومتنا الرشيدة في تعزيز الهوية الوطنية بأن جعلت منها أولوية في رؤية المملكة 2030 عبر إطلاقها برامج عدة: الأول هو برنامج صندوق الاستثمارات العامة الذي يهدف إلى أن يكون قوة محركة للاستثمار في المملكة، ويستقطب الجهات الاستثمارية الخارجية، وهذا يتيح المجال للفرص الجديدة والمشاريع، ويدفع عجلة التحول الاقتصادي للسعودية نحو العالم.
الثاني مشروع نيوم: فكرة أستطيع القول عنها أنها إبداعية، لأنها تسوق للسياحة في المملكة بطابع مُختلف يعزز الصورة الذهنية لتاريخنا والحضارات التي قامت في مملكتنا، وتغير الصورة النمطية، بالإضافة إلى أنه مشروع للمستقبل، يهدف لجعل منطقة شمال غرب المملكة وجهة حيوية لاستقطاب أفضل العقول المبتكرة والشركات القوية، حتى تتفوق على المدن العالمية الأخرى من حيث القدرة التنافسية ونمط المعيشة.
برنامج تعزيز الشخصية السعودية: هذا البرنامج في الحقيقة فيه تفاصيل كثيرة يستهدف بمنهجيته سياسات المنظومات التي تخاطب الشباب من الجنسين بأسلوب عصري مثل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتعليم، والأسرة كقيمة ترتبط بتاريخ المملكة ومبادئها الإسلامية الراسخة، ويهدف لتعزيز قيم الوسطية والتسامح والإيجابية والانتماء الوطني والحس الواعي بمسؤولية الفرد تجاه واجبات المواطنة، وتحصين الشباب من المخدرات، والتحلي بالمرونة والمواظبة على العمل، وتطوير روح المبادرة والعطاء والإتقان بتعزيز قيمة العمل التطوعي لدى الشباب، وبالتالي تحفيزهم نحو النجاح والتفاؤل.
أيضا يهدف لنشر الوعي بين الشباب بأهمية التخطيط المالي، وأن يدرك الشاب السعودي احتياجات سوق العمل، وأهمية التدريب المهني، بما يسهم في بناء اقتصاد الوطن، وترسيخ المنجز السعودي والفكري والتنموي والإنساني للمملكة، مما يكون له دور في تصحيح الصورة الذهنية للمملكة،
وتعزيز المفاهيم الأساسية للانتماء للوطن، ويتم ذلك من خلال مشاركة جميع فئات الشعب جنبًا إلى جنب في مواجهة التحديات المختلفة التي تمس الهوية الوطنية السعودية، وتقلل من شأنها (زي لما نسمع الآن كلمة بدوي فنعتز بهذه الكلمة ونفخر بها، لأنها تدل على أصالتنا العربية)، والمشاركة في أي محفل علمي يسهم في رفع اسم الوطن خارجيا، لنعرف العالم بهويتنا الوطنية.