تسعى الحكومة المصرية إلى إحداث تحول جوهري في قطاع الطيران المدني عبر تبني ممارسات عالمية تستهدف تحسين الأداء وتعظيم العوائد الاقتصادية، وفي إطار هذه الجهود، يتم التخطيط لإشراك شركات دولية في إدارة وتشغيل المطارات المصرية، بهدف الارتقاء بتجربة المسافرين وزيادة الإيرادات.
رؤية شاملة لتطوير المطارات
تمتلك مصر 23 مطارًا دوليًا، إلى جانب مطار القاهرة الدولي الذي يُعد الأكبر في البلاد، وتهدف الحكومة – بحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الطيران المدني – إلى رفع القدرة الاستيعابية للمطارات من 66.2 مليون راكب حاليًا إلى 72.2 مليون راكب بحلول عام 2026-2027، مع تطلعات للوصول إلى 109.2 مليون راكب سنويًا بحلول عام 2030.
في هذا السياق، أعلن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي عن التعاقد مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC) لتولي مسؤولية طرح المطارات المصرية أمام القطاع الخاص،
وأكد رئيس الوزراء، خلال اجتماعه مع رجال الأعمال المصريين الأسبوع الماض، أن هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق معايير دولية متقدمة في إدارة المطارات، إلى جانب تعزيز كفاءتها. وشدد مدبولي على أهمية دور القطاع الخاص في تطوير قطاع الطيران المدني.
دور القطاع الخاص في التطوير
ومن جانبه، أوضح وزير الطيران المدني، الدكتور سامح الحفني، أن إشراك القطاع الخاص يمثل ضرورة لتطوير البنية التحتية للمطارات وتحسين جودة الخدمات، مؤكدا أن الشراكة مع القطاع الخاص ستقتصر على إدارة الأنشطة التجارية داخل المطارات، مع الحفاظ على ملكية الدولة للأصول،
وأشار وزير الطيران، في بيان إعلامي، إلى أن نجاح تجارب سابقة، مثل تجربة مطار مرسى علم بنظام B.O.T، يعزز دعم الحكومة لهذا الاتجاه، مضيفا أن التعاون مع بيوت خبرة دولية سيضمن اختيار أفضل النماذج التشغيلية، مع الحفاظ على السيادة المصرية على المطارات.
وأكد على سعي الحكومة، في هذا الإطار، إلى شراكات ناجحة أخرى مع شركات عالمية، مثل مصر للطيران للصيانة والأسواق الحرة.
استراتيجية لجذب الاستثمار
طرح إدارة المطارات المصرية للقطاع الخاص يعد استراتيجية جديدة لجذب الاستثمار، وهذا ما ذهب إليه المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، الذي أكد أن الحكومة – بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية – تعمل على إعداد الدراسات اللازمة لطرح المطارات أمام القطاع الخاص بدءًا من عام 2025.
وأوضح المتحدث باسم مجلس الوزراء، خلال تصريحات تليفزيونية، أن هذا التوجه الجديد للحكومة المصرية يأتي ضمن استراتيجية شاملة لتعزيز تنافسية المطارات المصرية عالميًا.
تعزيز الاقتصاد الوطني ونقل خبرات
ويرى متخصصون في مجال الطيران أن هذه الخطوة ستسهم في تحسين تجربة المسافرين، زيادة أعداد الرحلات الجوية، جذب المزيد من السياح، وتعزيز الاستثمارات الأجنبية، كما ستوفر الإدارة المشتركة بين القطاعين العام والخاص موارد إضافية بالعملة الأجنبية، مما يخفف الأعباء المالية على الدولة، وتحقق الشراكة الأهداف التالية:
• زيادة الرحلات الجوية: استقطاب شركات الطيران العالمية لتسيير رحلات منتظمة إلى المطارات المصرية.
• تعزيز السياحة: رفع كفاءة المطارات سيؤدي إلى زيادة أعداد السياح، مما يدعم الاقتصاد الوطني.
• جذب الاستثمارات: توفير فرص استثمارية جديدة في مجال الخدمات اللوجستية.
• نقل الخبرات: تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص يساهم في إدخال التكنولوجيا والخبرات العالمية.
خبراء لـ “بانكير”: فكر جديد يعظم من مكانة مصر
تطوير قطاع الطيران المدني بالشراكة مع القطاع الخاص يمثل جزءًا من استراتيجيتها لتعظيم الاستفادة من أصول الدولة، ويراه الخبراء الاقتصاديون أنه سيعكس رؤية واضحة لتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للنقل الجوي.
حيث ثمن الخبير الاقتصادي أحمد خطاب، فكرة طرح المطارات المصرية أمام القطاع الخاص، معتبرا أنها ستساهم بشكل كبير في زيادة أعداد السائحين الوافدين إلى مصر، بالإضافة إلى تحسين الخدمات المقدمة لهم داخل المطارات المصرية.
وقال “خطاب”، في تصريح خاص لـ بانكير، إن طرح المطارات المصرية أمام القطاع الخاص، “فكر جديد” تتبعه الحكومة المصرية طبقا لتوصيات صندوق النقد الدولي، الذي يحبذ فكرة إشراك القطاع الخاص في إدارة ممتلكات الدولة، على اعتبار أن “مش لازم الدولة تدير كل شيء”.
وجهة مشرفة للدولة المصرية
وأضاف الخبير الاقتصادي: “أنا مع تمكين القطاع الخاص في مختلف الإدارات مع الحفاظ على حقوق المواطن المصري، ويجب أن تكون هناك شروط قوية في العقود التي ستبرم مع القطاع الخاص، على أن يلزم العقد الشركات بتقديم خدمة مميزة للوافدين، ويكون وجهة مشرفة للدولة المصرية أمام الوافدبن إليها، كما يجب أن يتيح العقد الحق للدولة المصرية بفسخ التعاقد حال الإخلال بأي من بنود التعاقد”.
وأشار إلى أهمية اختيار “شركات” تحترم المواثيق الدولية وتحفظ حقوق الدولة المصرية وناجحة في مجال المطارات، وذلك لتساهم في رفع القيمة السوقية والرأسمالية للمطارات المصرية، مضيفا: “المطارات هي عنوان البلد، والسائح اللي جاي بيعرف قيمة الدولة من خلال اللي بيشوفه في المطار بتاعها، عشان كدة ضرورة الشركات دي تقدم الوجه الحقيقي لقيمة مصر لانه بدوره هيساهم في زيادة أعداد السائحين الوافدين إلينا في المستقبل”.
وأوضح “خطاب” أن حسن اختيار الشركات العالمية التي ستدير المطارات المصرية سيعود بالنفع على الدولة مستقبلا، وذلك لانه سيساهم في إضافة قيمة إيجابية للمطارات المصرية، أما اختيار شركات ليس لديها خبرة في هذا المجال، سيؤثر سلبا على صورة مصر الدولية، وبدوره سيؤثر على أعداد السائحين الوافدين إلينا بالسلب مستقبلا.
واختمم الخبير الاقتصادي تصريحاته قائلا: “التوجه للقطاع الخاص في إدارة المطارات هو محاولة محمودة من الحكومة للبحث عن إراد جديد ومحافظ مختلف لتوفير العملة الصعبة خلال السنوات المقبلة”.
يعزز التنافسية مع المطارات العالمية
وفي السياق ذاته، قال الخبير الاقتصادي محمد البهواشي، إن فكرة طرح المطارات المصرية أمام القطاع الخاص، مجدية للغاية طبقا لاحتياجات السوق، وما تستهدفه الحكومة المصرية مستقبلا، وطبقا لما يتوافق مع رؤية المستثمرين الذين شاركوا رئيس مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير.
وأضاف “البهواشي”، في تصريح خاص لـ بانكير: “التشاركية في هذا المجال الهام والتغلب على الثغرات التي تواجهنا في إدارة المطارات سيعزز من قيمة مصر عالميا، ويعزز التنافسية مع المطارات العالمية، ويعمل على تعافي قطاع هام لمصر اقتصاديا وهو قطاع السياحة”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن القطاع الخاص سيكون أقدر على إدارة المطارات المصرية، وسيعمل على تحقيق طفرة تنموية كبيرة في هذا المجال، من خلال دعم المطارات الموجودة بخطوط طيران وشركات جديدة وهو ما سيخلق بيئة تنافسية عالية.
توازن بين جذب الاستثمار والحفاظ على السيادة
رغم الفوائد المتوقعة من هذه الخطط الطموحة، تواجه الدولة المصرية تحديًا كبيرًا في تحقيق التوازن بين جذب الاستثمار الأجنبي والحفاظ على سيادتها على قطاع الطيران، وهذا يتطلب التزامًا قويًا بتنفيذ المعايير الدولية وضمان توفير بيئة استثمارية مشجعة، وفي ظل التحديات الاقتصادية العالمية، يظهر إصرار الحكومة على تجاوز العقبات وتحديث البنية التحتية، كجزء من رؤية شاملة تستهدف تعزيز مكانة مصر كمحور رئيسي للطيران الإقليمي والدولي، وهذا ما ستكشف عنه الأشهر القادمة.