الدائرة الثالثة.. هل تبدأ إسرائيل حرب استنزاف طويلة ضد الحوثيين؟

الدائرة الثالثة.. هل تبدأ إسرائيل حرب استنزاف طويلة ضد الحوثيين؟

شنت إسرائيل، خلال الأيام الماضية، غارات جوية استهدفت البنية التحتية لجماعة الحوثى فى اليمن، وتضمنت تنفيذ ضربات بالقرب من مطارى الحديدة والعاصمة اليمنية صنعاء، فى رابع الهجمات الإسرائيلية على اليمن، ضمن ما تسميه بالهجمات على «دول الدائرة الثالثة»، وهى الدول التى لا تشترك فى حدود مع إسرائيل. 

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، «إن الهجمات على الحوثيين فى اليمن تهدف إلى تلقينهم درسًا.. فحواه أن من يؤذى إسرائيل سيدفع أثمانًا باهظة للغاية»، معتبرًا أن الحوثيين هم «الذراع الأخيرة التى بقيت لمحور الشر الإيرانى»، بعد الضربات الإسرائيلية على حركة «حماس» الفلسطينية و«حزب الله» اللبنانى، إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد فى سوريا.

ومع تنفيذ الضربات الأخيرة، يرى كثير من المراقبين فى إسرائيل أن الضربات ضد الحوثى قد تتطور إلى شن حرب إسرائيلية مفتوحة على اليمن، قد تتخذ شكل حرب استنزاف تمتد لفترات طويلة، خاصة فى ظل بُعد المسافة وتعقد الجغرافيا اليمنية، بالإضافة إلى نقص المعلومات الاستخباراتية، ما يتطلب عمليات طويلة ومعقدة، تشترك فيها عدة أسلحة، ورفع الاستعدادات لتلقى الرد على الضربات.

 

هجمات إسرائيلية تستهدف عدة بنى تحتية يمنية.. و«الحوثى» يتعهد بالانتقام

شنت إسرائيل، الخميس الماضى، غارات جوية استهدفت مجموعة من البنية التحتية بالقرب من مطارى الحديدة والعاصمة اليمنية صنعاء، واستهدفت الغارات المدرج الرئيسى بمطار صنعاء الدولى وبرج المراقبة والطائرات، ما أدى إلى اشتعال النيران فى بعضها لاحقًا، حسب مصادر لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية.

وأعلن الحوثيون فى اليمن أن الغارات التى شنتها إسرائيل أسفرت عن مقتل ٦ أشخاص على الأقل، وإصابة ٤٠ آخرين، ووصفوها بأنها «عدوان وحشى»، وتوعدوا بـ«الانتقام».

وأشاروا، فى بيان لهم، أن الغارات الإسرائيلية ضربت مطار صنعاء الدولى ومحطة كهرباء فى العاصمة، وموانئ الحديدة ورأس عيسى، ومحطة كهرباء رأس الكتيب فى محافظة الحديدة، مضيفين: «نؤكد أن ردنا سيكون قريبًا.. العدوان الإسرائيلى لن يمر دون عقاب».

من ناحيته، أعلن الجيش الإسرائيلى عن استهداف البنية التحتية العسكرية للحوثيين فى اليمن، ومطار صنعاء الدولى ومحطتى الكهرباء حزيز ورأس قنتب، وموانئ الحديدة والصليف ورأس قنتب على الساحل الغربى، مع تنفيذ سبع غارات فى صنعاء وثلاث على الحديدة.

وجاء ذلك بعد أن هاجم الجيش الإسرائيلى، خلال الأسابيع الأخيرة، أهدافًا- زعم أنها عسكرية خاصة بالحوثيين- فى عمق اليمن وفى المنطقة الساحلية الغربية للبلاد، منها هجمات على ميناء الحديدة والعاصمة صنعاء، كما تمت مهاجمة محطتين لتوليد الطاقة، وخزّانات وقود، فى غارات شاركت فيها ١٤ طائرة حربية إسرائيلية.

وكشف تحقيق، أجراه موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن الجيش الإسرائيلى استعد منذ عام ونصف العام للهجوم على الحوثيين فى اليمن، ومع مرور الوقت، تمت إضافة المزيد والمزيد من الأهداف إلى الهجوم، وفى النهاية تم ضرب خمسة أهداف، كل منها يحتوى على عشرات المكونات.

وأوضح التحقيق أن التقديرات تشير إلى أن الضربات الإسرائيلية «ستعطل قدرة الحوثيين على تلقى الأسلحة من إيران»، بعد أن «نفذوا عدة هجمات بصواريخ ومسيرات على سبيل التضامن مع الفلسطينيين، بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتى بدأت بعد أحداث ٧ أكتوبر فى العام قبل الماضى.

ونقل عن مسئول إسرائيلى قوله «بعد تهديدات الحوثى بالرد، أمر رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلى الفريق أول هرتسى هاليفى، سلاح الجو بالبدء فى تحديث أنظمة الكشف والإنذار المبكر، استعدادًا لهجمات محتملة، مثل تلك التى يتم شنها من خلال صواريخ باليستية أو طائرات دون طيار».

وأضاف «الهجمات ضد الحوثيين ستستمر طالما كان ذلك ضروريًا، وفى كل مرة سيدفعون ثمنًا باهظًا»، مشيرًا إلى أن «هذه الضربات أكثر أهمية من الضربات السابقة».

فيما أشارت الصحف العبرية إلى أن إسرائيل أبلغت واشنطن مسبقًا بالهجوم، وأن الموافقة على خطط الهجوم تمت من قبل رئيس الأركان اللواء هرتسى هاليفى ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وقال مسئولون إسرائيليون: «قلنا إن الحوثيين سيدفعون ثمنًا باهظًا.. إذا لم يفهموا بالقوة فسوف يفهمون بقوة أكبر».

وحسب الجيش الإسرائيلى، فقد أطلق الحوثيون، تضامنًا مع الفلسطينيين، أكثر من ٢٠٠ صاروخ باليستى وأكثر من ١٧٠ طائرة دون طيار على إسرائيل، أسقطت الولايات المتحدة أو إسرائيل معظمها، لكن ٢٢ منها اخترقت دولة الاحتلال.

وهاجم الجيش الإسرائيلى الحوثيين ثلاث مرات سابقة، فى يوليو وسبتمبر الماضيين وفى ١٩ ديسمبر الجارى.

وبات من الواضح، إثر الضربات الأخيرة، أن إسرائيل اتخذت قرارًا بتصعيد الهجمات ضد الحوثيين فى اليمن، بعد أن شكلت الهجمة الأخيرة درجة إضافية فى تصعيد الردود من جانب إسرائيل على إطلاق الصواريخ من جانب الحوثيين، وجاءت وسط عمل المنظومة الإسرائيلية على جبهات أخرى، مثل غزة وسوريا ولبنان. 

 

الضربات قد تطول بسبب المسافة والجغرافيا ونقص المعلومات الاستخباراتية

 

تبادل الضربات بين إسرائيل والحوثيين قد يستمر لفترة طويلة، وفقًا لمصادر إسرائيلية، مع توقع أن تتحول الضربات إلى حرب استنزاف.

وأفادت مصادر إسرائيلية أن الغارات الأخيرة، التى شنتها إسرائيل باستخدام عشرات المقاتلات، والتى تعد الرابعة من نوعها، تميزت باستهداف مطار صنعاء، إضافة إلى الهجمات على الموانئ البحرية ومحطات توليد الكهرباء والطاقة، بهدف فرض نوع من الحظر على اليمن.

وأوضحت المصادر أن إسرائيل تواجه معضلة فى هذه الجبهة، حيث تتطلب المعركة وقتًا طويلًا وجهدًا فى جغرافيا بعيدة ومعقدة، بالإضافة إلى نقص فى المعلومات الاستخباراتية.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الحوثيين سيردون بتكثيف إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على العمق الإسرائيلى، وربما يستهدفون أيضًا سفنًا إسرائيلية وأجنبية فى البحر الأحمر.

ورأى المحلل الإسرائيلى تامير هايمن، فى مقال بموقع القناة ١٢ العبرية، أنه حتى هذه اللحظة لم تدخل المواجهات إسرائيل والحوثيين مرحلة «الحرب المفتوحة»، لأن إسرائيل خلال هجماتها على الحوثيين كانت تستهدف بنى تحتية يمنية، تختص بالتجارة أو لها علاقة بالطاقة، بما يعنى أنه لا توجد عمليًا معركة واسعة ومستمرة لإضعاف الحوثيين بصورة تفرض عليهم ضغوطًا متصاعدة، كما فعلت إسرائيل مع باقى الجبهات فى غزة ولبنان وسوريا.

واعتبر «هايمن» أنه من الضرورى أن يتم تصعيد المواجهة، وأن يتدخل سلاح البحر الإسرائيلى مع سلاح الجو فى الفترة المقبلة فى تنفيذ الضربات، والتعامل مع الحوثيين كمنظومة عسكرية؛ وتنفيذ هجمات عملياتية تسمح بتغيير جوهرى فى قوة الحوثيين، على أن تشمل المعركة جمع معلومات استخباراتية دقيقة، حول الضباط ذوى الأهمية واستهدافهم، ومهاجمة المنظومات التى تسمح بإطلاق الصواريخ.

من ناحية أخرى، أشارت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية إلى أن هناك تحركًا- كما يبدو- لتطويق الحوثيين بالعقوبات، بجانب تنفيذ الهجمات العسكرية، بعد أن نشر مشروع مكافحة التطرف «CEP» تقريرًا يتناول تفاصيل حول نمط عمل أجهزة الاستخبارات الحوثية فى اليمن. وتضمن التقرير، الذى حصلت الصحيفة العبرية على نسخة حصرية منه قبل نشره، أسماء عدد من كبار مسئولى الاستخبارات الحوثية فى اليمن، ما قد يؤدى أيضًا إلى فرض عقوبات جديدة على بعض هؤلاء الأفراد.

واتهم التقرير- وفقًا للصحيفة الإسرائيلية- الحوثيين فى اليمن بـ«نهب المساعدات الإنسانية، والقيام بأنشطة غير قانونية»، من خلال ما أسماه بـ«جهاز القمع الحوثى»، وهو جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، والذى «يدير بشكل سرى وشبه سرى بعض الأنشطة الأكثر حساسية وفظاعة»، مع تورط «جماعة الحوثى بشكل مباشر فى انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، بما فى ذلك ضد موظفى توصيل المساعدات فى اليمن»- وفق ادعاءات التقرير.

وحسب «جيروزاليم بوست» فإن أهمية المعلومات التى يتناولها التقرير تكمن فى أنها تمنح سلطات العقوبات الدولية معلومات تفصيلية قد تسفر عن فرض المزيد من العقوبات على قيادات الحوثيين، فى ضوء ما أسمته بـ«الانتهاكات العديدة التى ارتكبتها جماعة الحوثى»، مؤكدة أن الأعضاء البارزين فى جهاز المخابرات والأمن، سواء على المستوى الوطنى أو الإقليمى، مرشحون بقوة للاستهداف خلال الفترة المقبلة.