الجمعة 27/ديسمبر/2024 – 05:09 م
في قلب باريس حيث نُصبت مقصلة الثورة الفرنسية لتكون أداة لإنهاء خصوم السلطة، وفي سهول الأناضول، حيث صنع الإغريق حصان طروادة لدخول المدينة بخديعة، تمتد عبر التاريخ دروس عن المكر السياسي.. واليوم في دمشق تعود هذه الملاحم التاريخية لتتصدر المشهد السوري.
في سجن صيدنايا، الملقب بـ”المسلخ البشري”، دُفنت أحلام النخب السورية التي حلمت يوما بسوريا حرة وديمقراطية، هناك تم تصفية رموز المعارضة المدنية والمفكرين الذين كانوا يتطلعون لإعادة بناء البلاد على أسس ديمقراطية، فلم تكتفِ مقصلة النظام بسحق رؤوسهم، بل أرادت أن تطمس أفكارهم إلى الأبد، وفي الوقت نفسه سمح هذا النظام عن مكر بنمو التطرف، متخذا منه ذريعة لتبرير قبضته الأمنية وحكمه القمعي أمام المجتمع الدولي بحجة محاربة الإرهاب.
ولكن في 8 ديسمبر ومع تغيير موازين القوى في المنطقة والعالم بسبب حرب أوكرانيا وغزة، تزلزل المشهد وسقط نظام الأسد بشكل مدوٍ أذهل العالم، تحت ضربات المعارضة المسلحة، التي خرجت من بطن حصان طروادة- إدلب مدعومة من تركيا، فسيطرت على معظم الأراضي السورية، واليوم سوريا التي كانت مركزًا لحضارات عظيمة، أصبحت ميدانًا لصراع النفوذ الإقليمي والدولي، حيث يحكم الحاضر بخديعة الماضي.
والآن وبينما يمسك حكام سوريا الجدد بزمام السلطة، فإنهم أمام لحظة تاريخية وعليهم استيعاب الدروس المستخلصة من رمزية المقصلة التي أودت برؤوس الثورة الفرنسية، والحصان الطروادي الذي أوصلهم للحكم، فعليهم أن يفهموا أن سوريا حاليا كطائر الفينيق الخارج من الرماد، فإما أن يكونوا جناحيه، فيحلقوا معه في سماء الحضارة السورية العريقة، أو أن يرميهم من شموخ قممه إلى جحيم التاريخ.
في الجامع الأموي حيث يصلي الدمشقيون بجانب كنيسة يوحنا المعمدان ومقام رأس الحسين منذ قرون، وفي سوق الحميدية التاريخي حيث تعايش التجار من كل الملل والنحل، تكمن سر قوة سوريا الحقيقية، فشعبها العريق بمكوناته الطائفية المتنوعة وتاريخه الممتد عبر آلاف السنين، قادر على تحويل هذا المنعطف التاريخي إلى بداية جديدة.
إنها ملحمة تتجدد على أرض الشام، حيث يلتقي صوت المقصلة الفرنسية بصهيل حصان طروادة، ليكتب التاريخ فصلًا جديدًا بحبر الحاضر على صفحات المستقبل.