إبراهيم الحارثي لـ «عكاظ»: المسرح السعودي مثقلٌ بالخيبات ! – أخبار السعودية

إبراهيم الحارثي لـ «عكاظ»: المسرح السعودي مثقلٌ بالخيبات ! – أخبار السعودية
لا يختلف اثنان على نشاط الكاتب المسرحي إبراهيم الحارثي، وحضوره الإيجابي في المسرح السعودي والخليجي والعربي. ارتبط بالمسرح منذ كان طالباً في التعليم العام، وتطورت علاقته بالمسرح من خلال الدورات المستمرة والورش ودخوله في عضوية ورشة العمل المسرحي في الطائف.

حمل الحارثي الكثير من الأوجاع حول المسرح وهمومه، لذلك لا تستغرب حينما تراه يقرّ بأنّ مسرحنا السعودي مثقل بالخيبات، وأنّ مسرحنا قبل هيئة المسرح والفنون الأدائية كان بخير وبعد هيئة المسرح والفنون الأدائية صار مسرحنا يصارع لأجل إثبات وجوده!

الحارثي مع هذه الرؤى السوداوية ما زال يطمح في أن يرى جميع إستراتيجيات هيئة المسرح والفنون الأدائية متحققة، وأن يمكّن السعوديون من مسرحهم!

الكثير من الأسئلة والإجابات المثيرة تقرؤونها في هذا الحوار.. فإلى التفاصيل:

• حدثنا أولاً عن علاقتك بالمسرح، كيف بدأت؟

•• بداية شكراً لك أستاذ علي على هذا الحوار، الذي كنت أحتاجه كثيراً، لأنني حقيقة أحمل في قلبي الكثير من الوجع حول المسرح وهمومه، وكما يقول أبو تمام:

شكوت وما الشّكوى لنفسي عادةٌ

‏ولكن تفيض النفس عند امتلائها

نشأت كغيري من مسرحيي هذا الوطن، بدأت من المدرسة وتطورت علاقتي بالمسرح بعد أن أقر الدكتور محمد الرشيد (رحمه الله) خطة لتطوير المسرح داخل مدارس التعليم العام، رزقني الله بعدد من المسرحيين العرب الفاعلين في صناعة المسرح، وتكوّنت الفرقة المسرحية النموذجية على يد الأستاذ عوض المالكي بإدارة تعليم الطائف، هذه الفرقة كانت تتلقى تدريبات مكثفة على الفعل المسرحي من خلال القيام بورش ودورات مستمرة، تطورت الحالة لدخولي ضمن أعضاء ورشة العمل المسرحي بالطائف، إذ كانت الورشة في أعلى مراحلها وقمة عطائها، كان كل الرفاق في ورشة العمل يقدمون لي خلاصة معرفتهم وتجاربهم، تخيل أن تحيط بك رموز مهمة من رموز المسرح العربي في مكان واحد؛ العرّاب فهد ردة الحارثي ومساعد الزهراني وأحمد الأحمري وعبدالعزيز عسيري وسامي الزهراني وجمعان الذويبي وإبراهيم عسيري، لك أن تتخيل من نشأ في بيئة تجتمع على حب المسرح وتفترق عليه، هم يتحركون وفق إيقاع ممتلئ بالمسرح، والمسرح فقط، يحيط بروحك ممثلاً وكاتباً ومصمم إضاءة وسينوغراف، ومخرجاً، جميع المكونات كانت وقوداً مهماً للحركة، كنت بطبيعتي أسأل عن كل شيء وفي أي شيء، نشارك في المهرجانات المحلية والعربية والدولية، ونعقد اجتماعات مناقشة بعد كل عرض، نحلل ونقرأ ونقترح ونتشارك، وهكذا حتى توطدت علاقتي بالمسرح وما زلت، أعمل وأبحث وأقرأ وأختبر تجاربي.

• المسرح السعودي، كيف تراه اليوم؟

•• بعد إنشاء هيئة المسرح والفنون الأدائية كانت كل المؤشرات تتجه لأننا سنطلق بسرعة الضوء، ولكن فجأة أحدهم وضع العصا داخل العجلة، لدينا جميع الممكّنات التي تؤهلنا لصناعة نقلة نوعية في المسرح، تشعبت الأمور وصار المسرح السعودي مثقلاً بالخيبات، ركزنا على الكم وتركنا الكيف، ومع كل هذه الخيبات، هناك مسرحيون ركّزوا على جهودهم الحقيقية وعملوا في اتجاهاتهم وانطلقوا في محاولاتهم بعدم الاعتماد على أي جهة قد تساهم في إرباك الفعل المسرحي وتساهم في ضموره، ما زلت أطمح لأن أرى جميع إستراتيجيات هيئة المسرح والفنون الأدائية متحققة، وأؤمن أن مسرحنا السعودي لن يقوم إلا عندما نثق بأبناء هذا الوطن ونمكّنهم، ونعطيهم مناخاً حقيقياً يمارسون فيه عمليتهم الإبداعية، ما قبل هيئة المسرح والفنون الأدائية كان مسرحنا بخير، وبعد هيئة المسرح والفنون الأدائية صار مسرحنا يصارع لأجل إثبات وجوده.

• لماذا اعترضت على تكريم أحمد السباعي في مهرجان الرياض المسرحي في دورته الثانية، ووصفت هذا التكريم بأنّه ورطة؟

•• أحمد السباعي حصل على العديد من التكريمات في وطننا العزيز، في نظري السباعي ليس صاحب أولوية، فهناك العديد من الأسماء التي تستحق، لماذا تستمر معنا متلازمة السباعي؟ هل يُعقل ألا يكرم إلاّ السباعي فقط، إلى متى يتم تكريم الشيخ أحمد السباعي، وكأننا فعلاً أمام قضية إقصاء حقيقية للأسماء الفاعلة التي تستحق! فعل السباعي المسرحي لم يستمر، وفكرة تكريمه تكررت في أكثر من مناسبة. أعتقد أن مهرجان الرياض كان بإمكانه أن يكون أكثر حكمة ويكرم اسماً يستحق، فلماذا لجأت هيئة المسرح والفنون الأدائية لشخصية الراحل السباعي، وأهملت الأسماء الفاعلة التي لها رصيد ونسب مسرحي ضارب في أعماق تاريخ المسرح السعودي؟

• لماذا ارتفعت وتيرة نقد المسرحيين لمهرجان الرياض المسرحي في دورته الثانية، هل الأمر مرتبط برحيل مسؤول وقدوم آخر، أم أنّ هناك أشياءً حدثت تعرفونها ولا يعرفها كثير من المتابعين؟

•• أتحدث عمّا يخصني في هذا الشأن، مهرجان الرياض أهمل دوره التنموي، فهو استفاد من أخطاء الدورة الماضية ولكنه صنع أخطاء جديدة، ناهيك عن أنه لم يمكّن المسرحيين السعوديين بصورة جيدة، بدأ أولاً بابتكار مسارين (معاصر واجتماعي) وهذا التصنيف علمياً وفنياً فيه العديد من المشكلات التي تأخذنا للتشابك، قد نحتاج لمعجزة للفصل بين المعاصر والاجتماعي، فالمسرح فعل اجتماعي معاصر، ولا يمكن أن يكون غير ذلك، أضف إلى ذلك أنّ إدارة المهرجان تأخرت في إعلان العروض المشاركة، وهذا حقيقة أربك جهود الفرق واستعداداتها. جدول الفعالية كان مكرراً من نفسه، ولا يتسق مع جودة الحركة المسرحية السعودية، المهرجان فرصة عظيمة لجميع المسرحيين الفاعلين والحقيقيين لكن من صمّم البرنامج كان يود فعلاً أن يصادر كل الآراء، ويهتم بنفسه، ويصمّ أذنه عن كلّ شيء له علاقة بالمسرح، لك أن تتخيل أنّ لدينا مجالاً لتمكين أسماء محلية تستطيع تقديم برامج وورش ذات جودة عالية، لكننا اعتمدنا على أسماء تم استقطابها مع أنها لا تمتلك جودة فنية ولا أظنها تعدّ المسرح السعودي أهمية بالنسبة لها، الدورة السابقة كانت الأسماء الموجودة في ورش العمل ذات حضور مميز ومختلف ورائع وأفادت الحراك المسرحي المحلّي، لكن هذه الدورة وضعت علامة تعجب على بعض ورش العمل، بهذا الصنيع ابتعدنا عن الهدف تماماً، وأعتقد أنّ المسؤول عن هذا الأمر كان يفترض أن يتحلى بالحكمة أولاً، والضمير تجاه المسرح السعودي، وألّا يقدم لنا برنامجاً تم تحضيره في ثلاثة أيام دون الحاجة إلى معلم (على وزن تعلم الإنجليزية في ثلاثة أيام دون الحاجة لمعلم)، أمور كثيرة تجعلك تستغرب من طريقة إدارة المهرجان، فلهذا تحدثت أنا، وانطلقت من قاعدة المحبة ولأنني لَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ.

• عتاب كثير من المسرحيين كان حول الدعوات، هل دعوة كلّ المسرحيين ممكنة؟

•• لا أعلم حقيقة دقة هذا الأمر -أقصد موضوع الدعوات- من يريد الحضور فالمهرجان متاح وأبوابه مفتوحة، ولا يمكن لأحد أن يمنع أي مهتم عن عين المسرح، فالساحة ركض متواصل ومتصل، لكن المشكلة كانت في انعدام تقدير الأسماء الفاعلة، وعدم تطوير حالة إدارة الشأن المسرحي بما يليق بالمسرح وأهله، ودعوة جميع المسرحيين السعوديين في نظري ليست صعبة، والمتابع للمسرح السعودي يعلم أنه بالإمكان أن تكون الأمور مرتبة أكثر.

• هل هناك آلية واضحة لدعوات المعنيين بالمسرح، أم أنّ هذه الدعوات تتم بحسب الموالين وأصحاب العلاقات؟

•• في مثل هذه الأمور ليس هناك ميزان واضح، ولا أفهم حقيقة كيف تُدار هذه الطريقة عند المسؤول عن مهرجان الرياض، وأعتقد أن هذا الشأن داخلي أكثر، والحديث عنه لن يفيد حالة الحراك المسرحي، كل من تدعوه هيئة المسرح والفنون الأدائية يستحق بلا شك، فالمسرح مصنع للتجارب ومن المهم أن نغذّي المسرحيين بكل جديد ومتجدد ليساهم ولو بجزء بسيط في تغذية النواحي الفنية من خلال الاحتكاك مع الأسماء الموجودة.

• شكاوى المسرحيين لا تنتهي، وهناك من يسأل بغرض المعرفة، هل هناك تحييد فعلي مقصود ومتعمّد لأسماء مسرحيّة مهمة في المشاركة والحضور، أم أنّ هذه أوهام المسرحيين التي اعتدنا عليها في كل حدث أو مناسبة؟

•• اسمح لي أن أعارضك في هذا السؤال، المسرحيون أهل الله، وأصحاب قلوب لا تنبض إلا بالحب والحب وحده، لم يسكنوا يوماً ما في أي جهة تبنى على الوهم، هم سدنة فنّهم بجهدهم وعاطفتهم، ويتحلقون حول بعضهم بكل فرح، ويساندون بعضهم بصورة مختلفة ومميزة، لكن للأسف هناك من يرغب في أن يختفي هذا الوهج، وأن تنعدم الفرص تماماً بين المسرحيين أنفسهم، انظر لجميع الأسماء الفاعلة، هل تجد لهم مكاناً في جدول الفعاليات الخاص بمهرجان الرياض؟

انظر لتكريم السباعي وستعرف أن الجهة المسؤولة عن المسرح لا تنظر للمسرحيين السعوديين كما يجب، انظر لجميع البرامج التي تقوم بها هيئة المسرح، ستعرف بنفسك أن الرفاق على حق، وأن هناك من يحاول تغييبهم عمداً عن مهرجان بهذا الحجم.

• الصراع بين مسرح النخبة والمسرح الاجتماعي لدينا ما زال مستمراً، وهناك من يغذّي هذا الصراع ويصل في أحايين كثيرة للإقصاء.. لماذا؟

•• لأن هناك من نشأ على هذه الأشكال، ولأن هناك من يرفض أساساً فكرة التعدد، الأمر رحب وفيه سعة، لكن هناك من يصنع الأزمة بين الأشكال المسرحية، والمصيبة أن تجد مثل هذه الصراعات تأييداً من قبل بعض الأسماء الفاعلة، المسرح هو المسرح، فعل مقرون بالنبل، عندما تنافس المسرح مع بقية الفنون بقي صامداً عزيزاً حياً، لم يقدم الأحداث اليومية الهشة، لم يقدم فعلاً (ميّتا) أو كما قال جروتوفسكي: «المسرح الذي يقدم الأحداث اليومية هو مسرح ميّت». ‏كان بالإمكان أن نكون أعمق، بعمق استغلالنا للبحث عن الإنسان في أيّ شيء، حتى لو كان ذلك في (يوميات دار التمثيل الإسلامي)؛ لأن المسرح كلغز فلسفي يعني المسرح الذي له طموحات فلسفية، مسرح الأسئلة لا مصنع التفاهة والوهم.. التجارب الصعبة والمأساوية غالباً في القرن العشرين قد خلقت الحاجة إلى المسرح -دون كذب وهروب من المشكلات حتى العنيفة منها- يمنح الإنسان الأمل، والوعي الاجتماعي والأخلاقي، ويجدّد معنى الوجود. ‏في نظري أنه من الأولى بنا أن نذهب لجوهر المسرح! ‏لماذا لا نسأل أنفسنا ما هو المسرح في جوهره الأعمق؟

وبموجب هذا السؤال، وبالتناغم مع الممارسة المسرحية السعودية التي استمرت ظاهرة وحقيقية ولا يمكن لألف كفّ أن تحجب فرادتها وجودتها وقدرتها ووعيها بسبب أسماء مدهشة كانت وما زالت تضع مسرحنا السعودي في مقدمة الصفوف للبحث عن الحقيقة، وللإبقاء على مسرحنا (حيّاً) يقدم الجدية والفرادة والاختلاف المنظم في الأساليب، المسرح فعل نبيل جميل، ‏سيد الفرح، ‏ونافذة للحياة، ‏ولسان الحب وأغنية الخلاص، ‏المسرح ما حاك في صدرك، ورضيت أن يطلع عليه الناس، المسرح نار المعرفة ومدرسة الأخلاق والحرية.

• ما أبرز مشكلات المسرح السعودي اليوم؟

•• الإدارة، والضمير، وعدم الإيمان بأن المسرحي السعودي قادر على صناعة الفرق، والوعي بقيمة المسرح، والجوع إلى الحوار.

• مقولة الكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي: «المسرح لا يطعم خبزاً، المسرح يصنع حباً»، هل انحرفت لدى كثير من المهتمين بالمسرح فأصبح الخبز مقدماً اليوم على الحبّ والعطاء؟

•• انحرفت جداً. صار المسرح مفرّغاً من قيمته الحقيقية، نرى الآن في المسرح السعودي أن الأمر أصبح (تحدياً) لا إقناعاً، وهذه إشارة مخيفة لأنّ المسرح لا يمكن أن يدار بهذه الطريقة التي تجعل بينه وبين أهله (فجوة) وجفاء، لم تعد هناك قنوات وصل بين المسرحيين وبين الجهة المسؤولة عنهم، وسط فراغ كبير يعيش المسؤول، هذا المسؤول الذي يصم آذانه عن النقد، وتزعجه رفرفة أجنحة الآراء المختلفة وطنين الجهود التي تكون بعيدة عن دائرته.

• دُعيت للمشاركة في مهرجان (بين ثقافتين) ولكنك لم تلبث أن أعلنت عن إقصائك من المشاركة بعد موافقة الجهات المعنية واستكمال الإجراءات اللازمة للمشاركة من قبل المعنيين. مَنْ أقصاك وأقصى معك الكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي، ولماذا؟

•• لا أعلم حقيقة، وليس هناك سبب واضح، في البداية قالوا ألغيت الندوة، ثم اتضح أنه لم يحدث هناك إلغاء بل استبعاد لي ولعرّاب المسرح السعودي فهد ردة الحارثي، حاولت الاستفهام من الإخوة في الجهة المنفذة للمهرجان، لكن يبدو لي فيما يخصني أنا بأن هذا استمرار لحالة الإقصاء التي يتحرك بها المنظمون لأيّ فعالية كونهم يعودون بذلك للجهة المسؤولة عن كل ممارس للفنون المختلفة، أتمنى أن يتابع أي شخص من وزارة الثقافة هذا الأمر، ويخبرني عن السبب حتى أستطيع بدوري أن أفهم الأمر، هذا الموقف يُعد إساءة كبيرة بحق الممارسين والفاعلين في المسرح السعودي.