الدكتور علي سبتي الحديثي: من مواطن عربي الى القائد العربي السوري أحمد الشرع ورفاقه
الدكتور علي سبتي الحديثي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتقدم أليكم ومن خلالكم الى الشعب السوري بكل مكوناته بخالص التهنئة والتبريكات بنجاح ثورته وبزوغ فجر جديد. ونحن معشر الذين يؤمنون بجدلية العلاقة بين العروبة والإسلام بكل ما تعنيه نأمل أن يكون عهد حرية منضبطة وبناء وتقدم ورفعة وميثاق وطني جديد تكفل به الحريات للجميع ، ويحدونا الأمل أن تستعيد سوريا دورها الرائد في مثلث الحضارة منذ فجر الإسلام حيث شكلت الشام واحدًا من أضلعه الثلاثة مع مصر والعراق قلب الوطن العربي والحضارة العربية الإسلامية منذ تشكلت حاضرة الأمويين بعد عصر الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم . وفي مثلث الحضارة تسمو الجسارة وتتجسد الجدارة وتسود روح التسامح المستند الى العدل لبناء أنموذج حضاري يتماشى مع روح العصر في خارطة المجتمع السوري الذي هو فسيفساء السجادة التي أتقن الله صنعها فتنوعت زهورها وألوانها كل لون يمثل طيفا من أطياف المجتمع يتحد ليظهر اللوحة الرائعة لتنوع المجتمع وعقائده وأطيافه منذ تأسيس الدولة الأموية.
الأمل يتجدد ببزوغ الفجر الجديد فأهلا بالنصر المكلل بالعقل والحكمة والحسم والعدالة والرحمة وبناء مجتمع جديد يستوعب الجميع ولا يظلم ولا يهمش أحد من أبناء سوريا الكرام ، في عقد اجتماعي حضاري جديد أساسه المواطنة وعدم التهميش ، واعتماد الكفاءات المخلصة والنظيفة لإعادة بناء الوطن بما لا يعيده الى المربع الأول ويقطع على المتربصين بالثورة من أصحاب الغرض كل طريق ، ويطمئن المحيط العربي والإسلامي مستفيدا من تجارب الماضي وفشل التجارب التي قادتها حركة الأخوان المسلمين في كل من مصر وليبيا وتونس، وقبل ذلك التداعيات الكارثية التي أعقبت احتلال العراق حيث زرعت الطائفية المقيتة والمحاصصة اللعينة وشوهت الأحزاب الإسلامية بشقيها التي تعاونت مع الاحتلالين صورة الإسلام الحضاري حتى أصبح المواطن العراقي ينظر الى هؤلاء كسراق ولصوص يتسترون خلف المظاهر والطقوس المستوردة الغريبة عن جوهر الإسلام وقيمه النبيلة فأوغلوا في الفساد وعاثوا بها إلى اليوم ظلما وطغيانا ولصوصية مما أسفر عن تمزيق النسيج الاجتماعي في العراق فأدخلوه بنفق المحاصصة والفساد وهدموا كل جميل عرفه العراق الحديث منذ تأسيس الدولة العراقية مطلع القرن العشرين.
ولكونك كنت من أوائل الأبطال الذين هبوا من الشباب العربي المسلم لقتال المحتل الأمريكي الذي غزا بغداد حاضرة الخلافة العباسية ، ولمتابعتي لخطابك وسلوكك الحضاري والواقعي كرجل يهدف الى أعادة بناء دولة جديدة لبلد مجتمعه مركب وبنيته الأجتماعية والمادية مهشمة تحتاج تكاتف الجميع لأعادة بنائها من جديد ولحرصنا وقلقنا المشروع على مستقبل سورية كونها ركن أساسي من أركان الأمه وتمنياتنا المخلصة أن ينجح الثوار في بناء أنموذج حضاري يطمئن القلوب ويطفئ المخاوف ويقبر التآمر وخصوصا الفارسي الماكر الذي لن ينسى أبدا هزيمته النكراء وسيعمل جاهدا على أجهاض التجربة الوليدة، فإننا نأمل أن يتواصل الخطاب الحضاري المطمئن والمسؤول لقائد الشام الجديد ورفاقه وأن يقترن القول بالفعل وأن يمنح الشعب حريته فعلا وليس قولا وهو الذي رفع شعاراتها منذ إنطلاق الثورة عام 2011 بلا قمع للرأي ولا تهميش ولا أستبداد واستئثار بالسلطة ، وأن يتم التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الجامع وأن يشارك فيه الجميع بلا استثاء وفي مقدمتهم الشخصيات المعارضة منذ انطلاق الثورة والتي تقيم في المهجر وكان لها دور كبير في أسناد الثورة في الداخل وتحشيد المجتمع العربي والدولي الذي كان له أثر كبير في نجاح الثورة . وأن يخرج المؤتمر بنتائج ملموسة، وألا يكون مجرد مناسبة للخطابة .
ولقد تفألت بالمبادرة التي أوعزتم بها للحوار مع الأستاذ فارق الشرع نائب الرئيس السوري السابق المعروف برصانته ووطنيته وعروبته ( والذي عرفته عن كثب في قمم بيروت وشرم الشيخ والدوحة التي شاركت فيها عضوا في الوفد العراقي مع عدد من زملائي الوزراء والسفراء وكان يقاتل بالكلمة من أجل الحيلولة دون احتلال العراق في كل المحافل العربية والدولية ويسجل لك أنك من أوائل الشباب العربي الذي قاتل المحتل الأمريكي لبغداد الرشيد ) خطوة على الطريق الصحيح وأتمنى أن لا تتوقف عند شخصه الكريم فأنا شخصيا أعرف عدد من شخصيات النظام السابق كانوا متعاطفين مع مطالب الشعب ورافضين دواخلهم للفساد والهيمنة الفارسية على الشأن السوري وحكم أسرة الأسد ولكنهم لا يستطيعون المجاهرة بمواقفهم ورؤاهم لأسباب ربما تخص وضعهم الشخصي وخوفهم من بطش النظام بهم وبعوائلهم على سبيل المثال الصديق الأستاذ حسين عرنوس رئيس الوزراء السابق وهو من التكنواقراط المحترمين وفي دواخله كل هواجس المواطن وتوجهاته العروبية لا غبار عليها ورفضه للوجود الإيراني بدواخله كما أسر لي شخصيا وهو في السلطة … وكذلك الصديق الأستاذ ناجي عطري الذي تحدث لي بمرارة عن معاناته مع المسؤولين الإيرانيين، وأمثال هؤلاء السادة الكرام كثير وعلى مختلف المستويات سواء في الحزب أو الدولة … لذلك أتمنى أن يتم استيعاب رجال الدولة الأشراف أصحاب الخبرة والكفاءة ممن لم يوغلوا في دماء الأبرياء والفساد، فيس كل من عمل في مؤسسات الدولة مدان ففي هذا ظلم كبير.
كان في جعبتي الكثير لأقوله ولكن حديث القائد أحمد الشرع مع البيك وليد جنبلاط ووجهاء الدروز أبناء سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط وشبلي العيسمي أجاب على كثير من هواجسي لكنني مثل غيري من محبي الشام والحريصين على مستقبلها ننتظر الأفعال في القريب بعد أن تأخذ قيادة الثورة والمرحلة الانتقالية وقتها لتثبيت الأمن وتلبية احتياجات الناس وحل الفصائل ودمج أجزاء منها في الجيش الوطني الجديد، بما في ذلك قوات قسد التي تتكون من خليط عربي كردي تحت راية سوريا الموحدة، ثم إيجاد منافذ عمل للفائض من عناصر الفصائل عن حاجة الجيش الوطني الجديد. ولا حاجة لي أن أذكرك بأن الكورد أخواننا في العقيدة والوطن ويكفيهم فخرا أن منهم صلاح الدين ومحمود الحفيد أحمد شوقي وعباس محمود العقاد ….. وكان خلفاء بني عثمان يتخذون منهم جند يسمونهم جند الأسلام لشدة بأسهم وأيمانهم بمبادئ الأسلام العظيم .
كنت أتمنى أن لا يحل الجيش السوري والمؤسسات الأمنية أنما يعاد هيكلتها وتدمج الفصائل معها وفق اعتبارات فنية وليست عاطفية، وأن من نصح بهذا الفعل لا يريد خيرا للثورة السورية والعهد الجديد وأن نظرته قاصرة ، وأمامك تجربة العراق ماثلة للعيان وبنفس الوقت نتمنى من بعض شخصيات معارضة المهجر ان لا يضعوا نظارات سميكة على عيونهم في تعاملهم مع قيادة الداخل أهل الميدان ويمنحوها فرصة وفي المؤتمر الوطني الشامل الذي نتمنى أن يشارك فيه الجميع يتم التوافق على المستقبل وشكل النظام وقدسية الحريات العامة دون أي إقصاء مع عقد أجتماعي جديد يرسم لسوريا مستقبل مشرق وتستعيد دورها الحضاري بكل جدارة .
أيه القائد المنتصر أن أعظم القادة الذين خلدهم التاريخ ليس الطغاة والدكتاتوريين الذين يستأثرون بالسلطة ولا عملاء الأجنبي أنما هم من بنوا مجدا لأمتهم وحضارة وإرث كبير للأجيال وللإنسانية .
ولذلك أحذرك محبا ومخلصا من احتكار السلطة، فسوريا عانت من احتكارها طويلًا، وأتمنى عليك تشكيل مجلس انتقالي برئاستكم يضم مختلف مكونات الشعب السوري يكون بمثابة مرجعية للفترة الانتقالية . فأن لغموض يثير الريبة ولذلك فأن من الضرورة بمكان أن يعلن المجلس الانتقالي عن برنامج المرحلة الانتقالية.
وأحذرك من كبت الحريات فالسوريون عانوا من كبت الحريات طويلًا لذا خرجوا سنة 2011 صارخين: حرية … حرية … حرية…
وأن لا تقع في فخ تقديم الولاء على الكفاءة فثمة أكفاء كثر في سورية يجبون وطنهم ومستعدين للتعاون معك بإخلاص وأنا شخصيا أعرف الكثير منهم .
أن ارتكاب خطأ حل الجيش كان ثمنه باهضا في العراق وفي ليبيا مع الفارق في الحالة السورية حيث التغيير الوطني خلاف الحال في العراق ، الذي أحتله الأمريكان ولم يكن الشعب ثائرا على نظامه ، وفي ليبيا حيث كان الأطلسي حاضرا بقوة في المشهد ، وهو الذي تركها تتخبط لليوم في مخطط معروف .
وحل أجهزة الشرطة وخلق فراغ أمني في المدن خطأ فادح .
وأخيرا وليس أخرا فأن سورية تحتاج لجيش لا يتدخل في السياسة بعد أن اكتوت بنار الانقلابات العسكرية منذ 1949 فالفصائل لا يمكن ان تشكل جيش مهني لا يتدخل في السياسة وأنما تدمج ويعاد تأهيلها بعقيدة الدفاع عن الوطن والأبتعاد عن التدخل في السياسة حتى لا تتكرر التجارب الماضية بوجوه جديدة .
أيها القائد الواعد أمل سورية الجديدة لقد كتبت لك هذه الرسالة منطلقا من تجارب عميقة عشتها على مر حياتي السياسية الطويلة سواء تجربتي الطويلة في ليبيا أو في العراق أو في الخليج العربي الذي أتمنى عليك عندما تذكره بأحاديثك أن تؤكد على عروبته ولا تسميه الخليج فقط كما أؤكد لك أني على معرفة عميقة بسورية ومجتمعها والعديد من قادتها الوطنيين وما كتبته ليس من باب العواطف والهوى أنما عن دراية ومحبة ومعرفة وحرص على نجاح الفجر الجديد بتقديم أنموذج حضاري يفتخر به كل عربي ومسلم محب لأمته ولسوريا والله من وراء القصد .
وأختم قولي أن أملنا أكبر في أن تعود سورية لحاضنتها العربية عاجلا غير آجل وأن يكون لأشقاؤها العرب خصوصا دول الخليج العربي ومصر والأردن وحتى العراق الذي نأمل أن يعود لحضنه العربي عاجلا غير آجل دور فاعل يسهم في أعادة بنائها وحمايتها من التدخلات الأجنبية على اختلاف مشاربها، وهذا يتطلب من العرب أن لا ينتظروا طويلا في نجدة سورية الحبيبة لتقف شامخة من جديد .
سفير عراقي سابق وباحث سياسي
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: