هل كان المسيح فلسطينيا؟.. ممثلون إسرائيليون في فيلم “ماري” يثيرون الجدل

هل كان المسيح فلسطينيا؟.. ممثلون إسرائيليون في فيلم “ماري” يثيرون الجدل

في الشرق الأوسط الحديث المنقسم على أسس ثنائية، بين سنة وشيعة، وعلمانيين وأصوليين يبدو أن معركة فكرية جديدة تشتعل حول هوية المسيح  فالبعض يؤكد أنه كان فلسطينيًا وهناك فريق مضاد يزعم أنه كان يهوديًا.

وسلط الصحفي الأمريكي فيليب سي ألموند، الضوء في مقال نشرته مجلة “ذا كونفرسيشن” على هذه المعركة الفكرية التي أشعلها ممثلون إسرائيليون في فيلم السيرة التوراتية “مريم” ما أثار الجدل.

وتعرض فيلم السيرة التوراتية القادم من  منصة نيتفيلكس، ويحمل عنوان “ماري” الاسم اللاتيني لمريم، للهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي لأن الشخصية الرئيسية ماري، ويوسف النجار يلعب دورهما ممثلون إسرائيليون.

وتستند الانتقادات إلى الحجة القائلة بأن مريم ويوسف والمسيح،  الذي ولد في بيت لحم، كانوا في الواقع فلسطينيين، وبعض منتقدي فريق عمل نيتفيلكس يساورهم القلق بشأن عدم ملاءمة قيام ممثلين إسرائيليين بلعب شخصيات تاريخية يعتقد أنها فلسطينية، بينما يُقتل فلسطينيون معاصرون بالقنابل الإسرائيلية.

وذكر موقع سكرول المهتم بالدراما والعروض الفنية أن صانع الأفلام دي جي كاروسو حاولوا إيضاح أسباب اختيار الممثلين الإسرائيليين كاختيار متعمد وبرروا ذلك بالقول: “كان من المهم بالنسبة لنا أن يتم اختيار مريم، إلى جانب معظم فريق التمثيل الأساسي لدينا، من إسرائيل لضمان الأصالة”، وهو تعليق لم يقدم إجابة شافية للمشاهدين بل أثار السؤال التالي: إذن، هل كان المسيح ووالدته فلسطينيين؟

أشار موقع سكرول إلى أن بيت لحم هي الآن مدينة تقع في الضفة الغربية المحتلة وهي ضمن الأراضي الفلسطينية، على بعد حوالي عشرة كيلومترات جنوب القدس. لذا فإن الإجابة المختصرة هي: نعم، كان المسيح فلسطينيًا، وفقًا للجغرافيا السياسية الحديثة على الأقل، ولكن فريقًا متعصبًا للكيان الصهييوني يحاول لي عنق الحقيقة، فيزعم أنه لم يكن كذلك، بل يقدمون المسيح  عبر الفيلم كرجل يهودي، ولد في وقت لم تكن فيه فلسطين موجودة ككيان سياسي.

وأشارت باولا فريدريكسن، مؤرخة المسيحية القديمة، إلى هذه النقطة في مارس الماضي في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست، وصفت مزاعم كون المسيح فلسطينيًا بأنها “عمل من أعمال الاستيلاء الثقافي والسياسي”، ولا يخفى على أحد تعصبها للكيان الصهييوني في هذا الزعم.

وفقًا للعهد الجديد، وُلد المسيح في مكان ما حوالي 4-6 قبل الميلاد في عهد هيرودس الكبير، في بيت لحم. كان موقع بيت لحم في منطقة كانت تُعرف آنذاك لدى الرومان باسم يهودا – أرض يهوذا، التي احتلها آنذاك الشعب اليهودي، وكان المؤرخ الروماني تاسيتوس أول من ذكر وجود المسيح كيهودي، خارج العهد الجديد، في حولياته (115-120 م).

أخبر تاسيتوس قرائه أن الإمبراطور نيرون ألقى باللوم في الحريق الذي دمر روما في عام 64 م على المسيحيين.  

أما، وفقًا للعهد القديم، فقد غزت القبائل الإثني عشر لإسرائيل كنعان (التي عُرفت لاحقًا باسم فلسطين، ثم يهودا، ثم فلسطين) حوالي عام 1200 قبل الميلاد واستقرت قبيلة يهوذا في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من القدس، وهذا جعل المسيح يهوديًا (بالعبرية، يهودي)، والتي اشتُقت منها الكلمة الإنجليزية “يهودي” وباعتباره يهوديًا، كان المسيح جزءًا من التقاليد الدينية اليهودية، التي ركزت على الهيكل في القدس، المعروف باسم الهيكل الثاني، وفقًا للفريق المؤيد لإسرائيل.

تاريخ فلسطين الطويل

كان لاسم “فلسطين” لتلك المنطقة أيضًا تاريخ طويل، وظهر لأول مرة في القرن الخامس قبل الميلاد، في كتابات المؤرخ اليوناني هيرودوت، وكتب عن “منطقة في سوريا، تسمى Palaistinê”، بين مصر وفينيقيا، وهي منطقة قديمة تتوافق مع الأراضي التي تقع حول لبنان الحديث، مع أجزاء مجاورة من سوريا الحديثة وهكذا، أطلق الإغريق على الأرض (أو جزء منها) اسم “فلسطين”. 

وكانت اللحظة الحاسمة في إنشاء فلسطين بعد فترة وجيزة من التمرد اليهودي ضد الحكم الروماني في يهودا من عام 132 إلى 135 م، والمعروف باسم ثورة بار كوخبا، وقُتل اليهود أو شردوا أو استعبدوا ولم يعودوا إلى فلسطين بأعداد كبيرة حتى بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تم إنشاء دولة إسرائيل اليهودية برعاية بريطانيا وقت تأسيس دولة الكيان الصهيوني ثم رعاية الولايات المتحدة تى يومنا هذا.

وغيّر الإمبراطور هادريان اسم المقاطعة الرومانية من “يهودا” إلى ” فلسطين بلاد الشام” في حوالي عام 138 م، فأدى تغيير الاسم هذا إلى إزالة الطابع اليهودي للمنطقة، مما يعني أنها كانت سورية ويونانية أكثر من كونها يهودية وقد نقول إنه منذ هذه اللحظة فصاعدًا، أصبح المسيح فلسطينيًا.

تسييس الدراما 

بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، كانت حدود فلسطين غامضة وغير مؤكدة. لم تكن “فلسطين” تشير إلى أي هوية سياسية محددة، وبالتالي لم تكن هناك حاجة إلى تحديد جغرافي دقيق، وكان الصليبيون يفضلون الإشارة إليها باسم “الأرض المقدسة” أو “مملكة القدس” وظلت حدود فلسطين متغيرة بعد أن أصبحت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية في عام 1516، حتى أنهت نهاية الحرب العالمية الأولى السيادة العثمانية في المنطقة.

وفي وقت لاحق، استولى البريطانيون وقوات الحلفاء على القدس في ديسمبر 1917. وبحلول أكتوبر 1918، احتل البريطانيون المنطقة المتبقية، والتي ستدير فلسطين حتى تاريخ انتهاء الانتداب في عام 1948. في مايو 1948، بعد نزوح ما يقدر بنحو 750 ألف شخص يعيشون على 77.8٪ من الأراضي في فلسطين آنذاك، تم إعلان دولة إسرائيل الحديثة.

وعادت الهوية الجغرافية لفلسطين إلى الظهور الآن باعتبارها أمرًا بالغ الأهمية وستصبح فلسطين الآن مساحة جغرافية محدودة ومحددة، مقابل إسرائيل التي بنيت على هويتها اليهودية وقد أقام “الإسرائيليون” اليهود الجدد أنفسهم ضد السكان السابقين، “الفلسطينيين” ومن ثم حصروا الفلسطينيين في مساحة في قطاع غزة والضفة الغربية، على ما يعتبره الإسرائيليون الأرض الموعودة التي أعطاها لهم الله، وفقًا لمزاعمهم.

من جانبهم، بدأ العرب في فلسطين في استخدام مصطلح “فلسطيني” لتأكيد المفهوم القومي للشعب الفلسطيني وحقه في دولة مستقلة.

وفي الشرق الأوسط الحديث المنقسم على خطوط ثنائية (بين اليهودي والعربي، واليهودي الإسرائيلي والمسلمين أو المسيحيين الفلسطينيين)، يبدو أن هوية المسيح صارت محل جدل ونزاع تغذيه الدراما الحديثة والقائمين على إنتاجها ونواياهم ورسائلهم الخفية، في ظل احتدام  الانقسامات التعسفية بين الأشخاص والأماكن التي تفرضها التغيرات والفرص التاريخية.