ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في عددها الصادر اليوم الإثنين، نقلًا عن موقع “إيروارز” المتخصص في رصد الخسائر البشرية في الحروب الحديثة، أن الحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة المنكوب باتت الأكثر فتكًا وتدميرًا على الإطلاق مقارنة مع جميع الحروب التي وُثقت في القرن الحادي والعشرين.
وقالت الصحيفة -في سياق مقال تحليلي للكاتب الصحفي إيشان ثارور- إن حصيلة الضحايا في غزة أثارت جدلًا واسعًا ومناقشات حادة وخاصة في ظل غياب المعلومات الدقيقة التي يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل، مشيرة إلى أن التقارير اعتمدت منذ أن بدأت إسرائيل عدوانها على غزة في7 أكتوبر 2023، على إحصاءات وزارة الصحة في غزة ورغم أنها لا تميز بين المدنيين والمقاتلين في إحصاءاتها، إلا أنه تم اعتبار بياناتها في جولات الصراع السابقة موثوقة.
وقالت الصحيفة: حتى الآن، اعتمدت المنظمات الإنسانية الكبرى والأمم المتحدة وحتى بعض الحكومات الداعمة لإسرائيل، مثل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على هذه البيانات بوصفها المصدر الأكثر دقة لتقييم ما يحدث.
وأضافت: كان عدد القتلى في غزة مصدرًا لعدم اليقين والتكهنات والنقاش الساخن فمنذ أن أطلقت إسرائيل آلة حربها على المنطقة، اعتمدنا على البيانات التي قدمتها وزارة الصحة في غزة، والتي اعتُبر عملها في إحصاء القتلى في جولات الصراع السابقة دقيقًا وقد قبلت معظم المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة نفسها والحكومات الصديقة لإسرائيل، بما في ذلك إدارة بايدن، البيانات المنشورة على نطاق واسع باعتبارها أفضل مقياس لما حدث على مدى الأشهر الأربعة عشر الماضية.
وأشارت إلى أن المسئولين الإسرائيليين وأنصارهم في الخارج يسخرون من الأرقام المعلنة لعدد الضحايا في غزة ويدعون أنها مبالغ فيها وتندرج ضمن دعاية حماس ويلقون باللوم على الحركة لتواجدها داخل الأحياء المكتظة بالسكان في القطاع ومع ذلك، فإن الدمار الواسع الذي لا يمكن إنكاره في غزة، إلى جانب مئات الحوادث التي وثقت سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، يروي قصة مختلفة هذه الرواية تعمل على كشفها بتفصيل أكبر العديد من المنظمات الرقابية وجماعات حقوق الإنسان، التي توثق حجم الكارثة الإنسانية المتزايدة.
وفي الأسبوع الماضي، نشرت “أيروارز”، وهي منظمة غير ربحية مقرها بريطانيا ترصد الخسائر المدنية في صراعات القرن الحادي والعشرين، تقريرًا فحص بالتفصيل الدقيق أول 25 يومًا من الحرب التي اندلعت في أكتوبر 2023 وخلص التقرير إلى أنه في تلك الفترة الزمنية، “وقع الضرر المدني في غزة على نطاق لا يضاهيه أي صراع” تتبعته المنظمة، بما في ذلك حملات القصف التي شنتها الولايات المتحدة على مدينتي الموصل والرقة في العراق واللتين سيطر عليهما تنظيم داعش الإرهابي.
وقالت المنظمة إن حملة إسرائيل في غزة “لا تقارن بأي حملة جوية في القرن الحادي والعشرين” كما أنها أصبحت “الصراع الأكثر فتكًا وتدميرا في العصر الحديث. وكشفت المنظمة أن إسرائيل قتلت في أكتوبر 2023 وحده 5139 مدنيًا في غارات جوية، منهم 1900 طفل وهذا الرقم أعلى بنحو سبعة أضعاف من حصيلة القتلى من الأطفال شهريًا في أي صراع آخر رصده باحثو المنظمة.
ومن بين 606 حوادث من حوادث الأذى التي لحقت بالمدنيين خلال نفس الشهر وهي حوادث حققت فيها المنظمة بشكل دقيق، كانت هناك 26 حادثة فقط لديها أدلة عامة واضحة على وفاة مسلح فلسطيني واحد مؤكد على الأقل وهذه الحوادث الـ 606 أقل من عُشر أكثر من 7000 حادثة من هذا القبيل رصدها الباحثون في ذلك الشهر.
وتُعرف المنظمة بدقتها ونهجها المتأني في التوثيق إذ دفعت تقاريرها إلى فتح أكثر من 70% من تحقيقات وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” بشأن الحوادث التي أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين خلال الحملة الجوية التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا.
أما فيما يتعلق بغزة، فقد قضت منظمة “إيروارز” أشهر في تحليل بيانات مفتوحة المصدر حول الضحايا، شملت أرقام الهوية الوطنية الفلسطينية للضحايا والإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير الإخبارية ومصادر أخرى والهدف كان بناء قاعدة بيانات مفصلة لكل حادثة تشهد سقوط ضحايا وقد أُتيحت بالفعل بيانات شهر أكتوبر 2023، لكن المنظمة تواصل العمل لجمع وتحليل البيانات المتعلقة بالأشهر التالية من الحرب.
وقالت المنظمة إن “الصورة التي تنبثق من هذا الصراع تبدو قاتمة وحالكة السواد، وبينما نتوقع بقاء الاتجاهات العامة، فمن المتوقع أن تنمو أحجام الاختلاف حيث تتجاوز مقاييس الضرر الذي يلحق بالمدنيين في غزة تلك الناجمة عن الصراعات الموثقة سابقًا”.
وتابعت “واشنطن بوست” أن العنف في غزة لم يهدأ حتى مع قيام إسرائيل بحملة قصف واسعة النطاق عبر سوريا وتوسيع سيطرتها على مرتفعات الجولان المتنازع عليها، إلا أنها حافظت على دقات طبول ضرباتها على غزة.
ووفقًا للسلطات الصحية المحلية، كانت هناك خمس هجمات إسرائيلية خلال عطلة نهاية الأسبوع؛ ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 46 شخصًا في المجمل.
ومنذ أكتوبر من العام الماضي، واصلت العمليات الإسرائيلية الرامية إلى اقتلاع خلايا مقاتلي حماس قصف المناطق الشمالية من قطاع غزة؛ ما أدى إلى تدمير الأحياء وتهجير السكان الذين بقوا هناك عدة مرات وحذرت جماعات حقوق الإنسان من التهديدات الرهيبة التي يواجهها كل من حوصر في المنطقة مع تعمق برد الشتاء.
وبالنسبة لحماس، أكدت الصحيفة الأمريكية أنها صامدة على الرغم من الحملة الإسرائيلية في غزة التي أجبرت نحو مليوني شخص على ترك منازلهم ودمرت معظم البنية التحتية المدنية في المنطقة، بما في ذلك المخابز ومحطات المياه والمستشفيات.
كما أدت القيود الإسرائيلية المفروضة على تسليم المساعدات والنهب الإجرامي المنظم إلى تفاقم أزمة الجوع؛ مما ترك بعض المناطق على شفا المجاعة.
وقد أدى حجم الدمار ونمط الضربات وخطاب العديد من الساسة الإسرائيليين إلى إعلان منظمة العفو الدولية في وقت سابق من هذا الشهر أن إسرائيل ارتكبت – وما زالت ترتكب – أعمال إبادة جماعية.