فراس الطويل: قطاع غزة يواجه أخطر أزمة غذائية في العالم مع استمرار حرب الإبادة

فراس الطويل: قطاع غزة يواجه أخطر أزمة غذائية في العالم مع استمرار حرب الإبادة

فراس الطويل: قطاع غزة يواجه أخطر أزمة غذائية في العالم مع استمرار حرب الإبادة

فراس الطويل

مع استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من عام، ترتفع الأصوات الدولية والأممية محذرة من كارثة إنسانية قد تعصف بحياة الملايين، لكن دون جدوى؛ بينما يستمر إصرار الاحتلال، على إدخال أكثر من مليوني إنسان إلى نفق المجاعة كسياسة ممنهجة للتجويع، وما يوميات القصف والدمار والمجازر الدامية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف، إلا تأكيداً على أن الحرب هي إبادة جماعية تتم بأحدث الأسلحة.
أخطر أزمة غذائية في العالم
قالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو”، إن قرابة 733 مليون شخص في العالم عانوا الجوع عام 2023، وإن أزمة الغذاء في قطاع غزة الذي تقترف إسرائيل بحقه مذابح بشرية يومية هي “الأسوأ” في تاريخ تقارير المنظمة.
أفادت بذلك بيث بيكدول نائبة المدير العام للفاو، في حديث صحفي تناولت فيه عدد الجياع بالعالم والوضع في الأماكن التي تشهد حروبا وصراعات، مثل قطاع غزة والسودان، وذلك بمناسبة يوم الأغذية العالمي الموافق 16 تشرين أول/ أكتوبر من كل عام.
وأوضحت أن “ما يقرب من نصف سكان العالم اليوم لا يحصلون على العناصر الغذائية التي يحتاجون إليها للنمو، وفي بعض الحالات، للبقاء على قيد الحياة”.
وذكرت المسؤولة الأممية أن أزمة الغذاء في قطاع غزة تعد أخطر أزمة غذائية في تاريخ تقارير المنظمة. ولفتت إلى أن 96 بالمئة من أهالي قطاع غزة يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد بتصنيف رقم 3 وما فوقه من تصنيفات المنظمة، أي “الطوارئ” و”الكارثة”.
وأضافت نائبة المدير العام للفاو: “نتحدث عن أكثر من مليوني شخص يعانون الجوع يوميا” من إجمالي 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة.
ولفتت إلى أنه حتى 1 أيلول/ سبتمبر 2024، تضرر أكثر من ثلثي الأراضي الزراعية في غزة، أو ما يعادل 10 آلاف و183 هكتارا (الهكتار 10 آلاف متر مربع)، جراء حرب الإبادة الإسرائيلية.
واستهدفت إسرائيل خلال عدوانها الدموي المتواصل مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المثمرة فيما تحولت الأخرى المتبقية إلى مخيمات لإيواء النازحين الفارين من مناطقهم التي استهدفها الاحتلال بكثافة.
سوء التغذية يهدد صحة النساء والأطفال
أفاد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن 96% من السكان في قطاع غزة (2.15 مليون نسمة) يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2024، من بينهم حوالي 49,300 امرأة حامل.
وفي أحدث تقاريره، أشار “الإحصاء” إلى أكثر من 495 ألف شخص (22% من السكان) يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الخامسة) منهم 11 ألف امرأة حامل.
وأظهر التقرير أن 3,500 طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء، في حين أن 36 طفلا استشهدوا نتيجة المجاعة وسوء التغذية.
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الزراعة الفلسطينية المهندس محمد أبو عودة إن الغزيين يفتقرون إلى رفاهية تحديد الأولويات الغذائية الصحية، إذ لا تتوفر لهم غالبا سوى السلع والمنتجات الغذائية غير الصحية كالمعلبات ذات المحتوى الغني بالمواد الحافظة المصنعة والمسرطنة، وليست لها فائدة سوى سد الجوع، وتخلو من أي قيمة غذائية.
ولفت إلى أن اعتماد السكان على المعلبات بشكل رئيسي في نظامهم الغذائي انعكس في صورة انتشار الأمراض كالكبد الوبائي وحالات التسمم، إضافة إلى فقر الدم لدى النساء الحوامل والأطفال والمسنين.
ووفقا للمتحدث باسم زراعة غزة، فإن تدمير المنشآت والأراضي الزراعية وإغلاق المعابر ومنع توريد احتياجات السوق المحلي أديا إلى ارتفاع حاد في أسعار المنتجات الزراعية، وتصل أسعار الخضروات والفواكه والبيض واللحوم في شمال القطاع -في حال توفرها- من 50 إلى 80 ضعف أسعارها قبل الحرب، في حين تصل في جنوب القطاع من 15 إلى 25 ضعفا.
وأظهر تحليل لمنظمة المعونة المسيحية نشره مكتب إعلام أونروا في غزة أن البصل يباع في شمال القطاع بأكثر من 400 ضعف سعره قبل الحرب، ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه 107 دولارات، أي ما يعادل 8 أضعاف متوسط الأجر اليومي في غزة قبل الحرب.
ومنذ اندلاع الحرب يتلاعب الاحتلال بحركة دخول البضائع والسلع، وتفيد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بأن كمية الإمدادات التجارية والإنسانية التي دخلت القطاع في أيلول/سبتمبر الماضي كانت الأدنى منذ آذار/مارس 2024 على الأقل، ولاحظت أن هذه الحالة يتوقع أن تشهد قدرا متزايدا من التدهور.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، لم تدخل القطاع في أيلول/سبتمبر الماضي سوى 52 شاحنة مساعدات إنسانية في المتوسط يوميا، علما أن حاجة القطاع اليومية قبل الحرب تزيد على 500 شاحنة محملة ببضائع وسلع متنوعة كانت تدخل عبر معبر كرم أبو سالم.
ويشير مسح أجرته اليونيسيف في منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي إلى أن نسبة تتراوح بين 35 و40% من الحوامل والمرضعات لم تتناول سوى نوع واحد من المواد الغذائية في اليوم الذي سبق إجراء المسح.
ووفقا لبرنامج الغذاء العالمي “يعد الدقيق والمعلبات المواد الغذائية الوحيدة المتاحة في أسواق شمال القطاع”، وتعود هذه البيانات إلى ما قبل العملية العسكرية الأخيرة ضد جباليا المستمرة منذ أكثر من أسبوعين.
حملة تجويع
أكد محقق الأمم المتحدة المستقل المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، أن إسرائيل لا تزال تشن “حملة تجويع” في قطاع غزة، على الرغم من تسليمها أكثر من مليون طن من المساعدات، بما في ذلك 700 ألف طن من المواد الغذائية إلى القطاع منذ أن شنت هجومها العسكري قبل عام.
وقال فخري للصحفيين (أواخر تشرين أول/ أكتوبر) إن الغذاء ليس مجرد سعرات حرارية، وإن الفلسطينيين لم يحصلوا على ما يكفي من الغذاء أو السعرات الحرارية.
وتابع فخري “بناء على حملة تجويع استمرت لمدة عام والحصار المستمر منذ 24 عاما (منذ انتفاضة الأقصى عام 2000-ف.ط.)، فإن السماح لعدد أكبر قليلا من الشاحنات بالدخول الآن لا يلبي في الواقع الاحتياجات الإنسانية”.
وقال “الأكثر أهمية هو أن ما تقوله إسرائيل يتناقض مع كل ما تقوله كل منظمة إنسانية الآن وما كانت دائما تقوله”.
وأكد فخري أن مسؤولي الإغاثة يصفون قواعد إسرائيل بشأن ما يتم السماح بدخوله إلى قطاع غزة بأنه “مبهم وسخيف”.
تدمير الزراعة والصيد
ويشير أحدث حصر للأضرار الزراعية – والذي يستند إلى صور الأقمار الصناعية، وأجرته منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج التطبيقات الساتلية العملياتية (اليونوسات) التابع للأمم المتحدة – إلى أن ما نسبته 67.6% من الأراضي الزراعية لحقت بها الأضرار حتى الأول من أيلول/ سبتمبر الماضي.
وتسجل محافظة شمال غزة حاليا أعلى نسبة من الأضرار من بين جميع المحافظات وتبلغ 78.2%.
وفضلا عن ذلك، أصابت الأضرار أكثر من 71% من البساتين وغيرها من الأراضي المزروعة بالأشجار و67% من المحاصيل الحقلية و58.5% من محاصيل الخضار.
وتظهر الصور تضرر 1188 من أصل 2261 بئرا زراعية تمثل 52.5%، وأكثر من 44% من الدفيئات الزراعية (البيوت البلاستيكية).
وعلاوة على ذلك، دمر الاحتلال القسم الأكبر من البنية التحتية في ميناء غزة وقوارب الصيد، وتقدر وزارة الزراعة في غزة نسبة تدمير الثروة السمكية بنحو 98%.
وإزاء “المستويات غير المسبوقة” من الأضرار الزراعية أكدت بيث بيكدول نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة أن ذلك “يطرح مخاوف كبيرة بشأن إمكانية إنتاج الأغذية الآن وفي المستقبل، وتؤدي هذه الأضرار إلى مفاقمة خطر الانتشار الوشيك للمجاعة في كامل قطاع غزة”.
ويقدر رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي أن الإمدادات الإنسانية التي دخلت القطاع منذ اندلاع الحرب لا تزيد على 18% من احتياجات المدنيين، ويؤكد أن إسرائيل تستخدم أسلوب “التقطير” بدخول هذه الإمدادات “بهدف الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة”.
ويتجلى استخدام سلاح التجويع والتعطيش حاليا في جباليا وشمال القطاع، وبحسب عبد العاطي “يخلق الاحتلال بيئة إبادة جماعية باستخدام هذا السلاح، إذ يمنع عن المدنيين هناك كل سبل الحياة بهدف القتل والتهجير”.
انعدام الوصول لمياه الشرب الآمنة
يعيش السكان في قطاع غزة على خُمس كمية المياه المتاحة قبل العدوان الاسرائيلي على القطاع، حيث تبلغ حصة الفرد اليومية من المياه ما بين 3-15 لترا، وهي أدنى بكثير من الكمية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية لتلبية حاجة الشخص الواحد من المياه، وفق ما نشره جهاز الإحصاء الفلسطيني.
وأضاف أنه “خلال العدوان الإسرائيلي المستمر، تم تدمير 67% من منظومتي المياه والصرف الصحي، حيث تعرضت المرافق الحيوية لأضرار كبيرة، شملت 194 بئراً لإنتاج المياه، و40 خزاناً كبيراً للمياه، و76 محطة تحلية، وذلك إما بشكل كلي أو جزئي”.
بالإضافة إلى ذلك، أشار “الإحصاء” إلى توقف جميع محطات معالجة المياه العادمة الست التي كانت تعمل بقدرة تشغيلية تصل إلى حوالي 220 ألف متر مكعب يومياً. نتيجة لذلك، يتم الآن التخلص من معظم المياه العادمة دون أي معالجة، حيث تُصرف في البحر، الشوارع، وحتى داخل المنازل، مما يفاقم الأزمات الصحية والبيئية في القطاع بشكل خطير، وفق الإحصاء الفلسطيني.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: