مسلسلات الحوادث.. المتفرج في مسرح الجريمة

مسلسلات الحوادث.. المتفرج في مسرح الجريمة

لينا رحمو

خلال عام 2024، الذي أوشك على الانتهاء، نلاحظ أن “الجرائم” كان لها نصيب الأسد في الطرح الدرامي وأيضًا السينمائي، ولعل أحدث هذه المسلسلات هو مسلسل “ساعته وتاريخه” الذي لاقى ناجحا جماهريا كبيرًا وأشاد الجميع بفكرة العمل وأداء صناعه.

ولا يمكن إنكار أن “الجرائم” هي التيمة الأكثر نجاحًا وجذبًا للجمهور، لما تحتويه من إثارة وتشويق، حتى وإن كان يشوبها العديد من المشاهد القاسية، وبات الجميع يتساءلون كيف يمكننا تقديم عمل درامي جرائمي جيد.

لذلك حاور “إعلام دوت كوم” دكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الصحة النفسية، للوصول إلى إجابات حول تأثير دراما الجرائم على المشاهد، كما حاور الناقدة الفنية علياء طلعت، والناقد الفني محمد عبد الرحمن، لمعرفة سبب لجوء صناع الدراما لهذه النوعية من الأعمال، وخطوات إنتاج عمل فني يتناول علم الجريمة.

“هل حجم “الجرائم” كان سببًا لكثرة تناولها دراميًا؟

تؤكد الناقدة علياء طلعت إن سبب زيادة دراما الجرائم يرجع إلى نجاح أحد الأعمال، مما جعل المنتجين يتجهون إلى الموضوع ذاته، لتحقيق نجاح مشابه، حتى يمل الجمهور، خاصة إذا لم يقدم جديدًا.

وأشارت “طلعت” إلى أن الوضع العالمي يميل إلى العنف وهو ما ينعكس على الدراما التليفزيونية، مضيفة أنها لا تعتقد أن صناع هذه الأعمال لديهم “أيديولوجيا” ما، لأن المسلسلات لا تكون لنفس المنتج أو المؤلف وتعرض عبر منصات مختلفة.

والرأي الآخر كان للدكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الصحة النفسية، الذي قال إن الجرائم ليست جديدة ولكن انتشار الأخبار عنها في ظل مواقع التواصل الاجتماعي، هو ما ساهم في كثرة تناولها دراميا، وذلك يتطلب أن يكون التناول أقوى ومختلف عن الماضي، كي يُحسن التعامل مع هذه الظاهرة.

في السياق ذاته، أكد الناقد الفني محمد عبد الرحمن، أن الدراما تكون بحاجة دومًا إلى التجديد في القصص التي يتم تناولها، وأن “دراما الجرائم” منبع هام للغاية ومطروح باستمرار، لذلك هو ليس متعجبًا من اهتمام الدراما بهذه الظاهرة.

الجمهور المصري ودراما الجرائم الحقيقية

وبالانتقال إلى الحديث عن الدراما المصرية، قالت الناقدة علياء طلعت إن تحويل “الجرائم الحقيقية” إلى دراما “ترند” عالمي وليس مصريًا، حيث تقوم منصة “Netflix” بتحويل الجرائم إلى أعمال وثائقية أو درامية، لكنه وصل إلينا متأخرًا ونجح مثلما نجح في العديد من الدول الأخرى.

وأيدها في الرأي الناقد الفني محمد عبد الرحمن، قائلًا إن دراما الجرائم منتشرة بصورة مستمرة في الأفلام الأجنبية سواء الروائية أو الوثائقية، مضيفا أن مؤخرًا زاد اهتمام الجمهور المصري بمتابعة تفاصيل الجرائم وخصوصا أسباب حدوثها وليس الجريمة نفسها.

“إيه الحلو في الموضوع؟” سؤال استنكاري وجهه الدكتور أحمد فوزي صبرة، حول حُب وتلذذ فئة من الجمهور بمشاهدة المشاهد التي تحتوي على جرائم أو رعب أيضًا، مؤكدا أن من يعتاد ذلك قد يألف الجريمة في بعض الأحيان.

دراما الجرائم مفيدة وضارة أيضًا

قال الدكتور أحمد فوزي صبرة إن بعض المراهقين قد يتقمصوا دور المجرم بطل العمل الدرامي إذا ظهر بصور جيدة، دون الالتفات إلى النهاية أو ظننًا منه أنه قد يغير منها في الواقع، مشيرا إلى أهمية أن يكون هناك هدف توعوي من العمل الدرامي.

كما أشار “صبرة” إلى أن 200 عمل درامي إيجابي واضح وذو هدف محدد عن دراما الجرائم أمر مفيد، بينما عمل درامي واحد سيء قد يدمر كل شيء.

كما أكدت الناقدة علياء طلعت أن دراما الجرائم تكون مفيدة، لأنها تُقدم أفكارًا مختلفة تصل إلى الجمهور، لكنها مضرة لأنهم أحيانًا ما يجعلون من المجرمين أشخاصًا مميزين، لدرجة أن بعض المراهقين يحاولون التشبه بهم وتقليدهم؟

من جهته، أشار الناقد محمد عبد الرحمن إلى أهمية أن تقدم الجرائم في الدراما بأسلوب يجعل المشاهد يحتاط ويحذر مما يشاهده دون مبالغة في الأمر.

خطوات إنتاج عمل درامي ناجح

قالت الناقدة علياء طلعت حين سئلت عن خطوات إنتاج عمل درامي ناجح، إن مثلما يهتم الصناع بخلق قصة مثيرة يحب أن يهتموا بالاستعانة بمتخصصين في مجالات مختلفة، كي يصبح لديهم سيناريو يخاطب الجمهور دون “تمجيد” المجرم، كي لا يساهموا في رفع مستوى الجريمة.

وهذا الرأي سابق ذكره لا يختلف كثيرًا عن ما قاله الدكتور أحمد فوزي صبري، الذي أكد على أهمية تعايش صناع هذه الأعمال مع المختصين بالجريمة في السجون ومع الأطباء لمعرفة التحليل النفسي لهؤلاء المجرمين، وأن يكون لديهم هدف محدد مع عدم عرض تفاصيل الجريمة، وإلا يقوموا بإلغاء العمل فورًا.

الحذر والحيطة هما ما أشار إليهما، الناقد محمد عبد الرحمن، حين قال إنه يجب تقديم الجرائم بأسلوب يجعل المشاهد يتوخى الحذر والحيطة دون مبالغة، كي لا يقلد الجمهور المجرم ولا يتعرف على طرق تنفيذ فعلته، وهو أمر يضع مسئولية كبيرة سواء على فريق الكتابة أو الإخراج، كما يجب أن يكون العمل مشوقًا وليس فقط وعظيًا.

أي الأعمال الدرامية التي تناولت الجرائم كانت أكثر إيجابية؟

ردا على هذا السؤال حول العمل الفني الذي تناول الجرائم بصورة إيجابية، أكد الناقد محمد عبد الرحمن أنه تذكر على الفور فيلم “الطاووس” للفنان الراحل نور الشريف، الذي تم إنتاجه عام 1982.

الأفلام لا الدراما كانت إجابة الدكتور أحمد فوزي صبرة أيضًا الذي يرى أن فيلم “كلمة شرف” و”جعلوني مجرما” و”اللص والكلاب”، كان لديهم رسالة وهدف واضح تأثر به وفهمه الجمهور، موضحا: “زمان كانوا بيفهموا ولهم بصمة خاصة”.

بينما قالت الناقدة علياء طلعت إنها لا تتذكر سوى العديد من الأعمال الأجنبية، مشيرة إلى أن أعمال “Netflix” يتم محاكتها في الأعمال العربية، ولكن لم نصل حتى الآن إلى عمل مصري يمكن أن نقول أنه أكثر تميزًا عن غيره، لأن غالبا ما يكون هناك قصور ما، مضيفة أن “ساعته وتاريخه” لديه احتمالية أن يكون ناجحًا، لكنه لم ينته بعد كي نتمكن من الحُكم عليه.

دراما الجرائم.. من الجاني ومن المجني عليه؟

وبهذا ورغم التنوع الكبير وكثرة الأعمال الدرامية التي تناولت الجرائم لم يتفق من حاورناهم على عمل درامي تليفزيوني مصري ناجح، مؤكدين جميعهم أن الطفرة في دراما الجرائم نابعة عن إثارة وتشويق أكثر من إيصال فكرة محددة، وأنها التيمة الناجحة حاليًا، ورغم أنها قد تؤثر سلبًا على الجمهور، إلا أنه في واقع الأمر سبب انتشارها، ومع استطلاع الأراء السابقة يجب أن يعي كل فرد في هذه المنظومة بداية من الجمهور وحتى الصناع كافة إلى من هو الجاني ومن هو المجني عليه.

نرشح لك: بسام سرحان يكتب: “موعد مع الماضي” استعراض بلا ابداع

close