خفض تكلفة الإسكان العالمى يحتاج إلى أكثر من تراجع الفائدة – مصر بوست

لماذا الإسكان باهظ الثمن؟

تتعدد التفسيرات، وعادةً ما تنقسم إلى فريقين، يركز الأول على العرض، إذ إن القيود المفروضة على استخدام الأراضي وحملات “ليس في فناء منزلي الخلفي” ، أعاقت بناء المنازل في العالم المتقدم.

أما الفريق الثاني فيركز على الطلب، إذ أدى الانخفاض طويل الأجل في أسعار الفائدة الحقيقية، إلى رفع أسعار جميع الأصول، بما في ذلك العقارات، فالقروض الأرخص تعني إسكاناً أغلى.

لكن مع ارتفاع أسعار الفائدة في الدول المتقدمة أوائل عقد 2020، بالكاد تأثرت الأسعار.

لماذا؟ تشير أوراق بحثية حديثة إلى أن التفاعل بين العرض المحدود وتغيرات الطلب يفسر هذا اللغز.

بالنسبة لمعظم الناس، المنزل هو مأوى، لكن بالنسبة للاقتصاديين، هو استثمار يولد دخلاً.

وكلا التفسيرين صحيح، فبالنسبة للملاك، يمثل هذا الدخل الإيجارات، بينما يحصل الملاك الساكنون في منازلهم على دخل غير نقدي من خلال استهلاك “خدمات السكن” التي يقدمها المنزل.

وفي كلتا الحالتين، السعر متشابه.

في إحصائيات التضخم، يُعرف هذا بـ”الإيجار المكافئ للملاك”، وهو الطريقة الرئيسة التي يظهر بها السكن في مؤشرات أسعار المستهلك، وهذه الاستراتيجية تشكل حوالي ربع قياس التضخم في الولايات المتحدة، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.

كل الأشياء الأخرى متساوية، يجب أن تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى ارتفاع أسعار المنازل، فالنسبة بين الإيجار وسعر المنزل تشبه العائد على السندات.

ويمكن مقارنة كلاهما بسعر الفائدة الذي تحدده البنوك المركزية على الأموال.

عبر الأسواق المالية، يجب أن تتقارب معدلات العائد على الأصول المختلفة بعد تعديلها لمستويات المخاطر المختلفة، وإلا يمكن لمالك العقارات بيع محفظته والاستثمار في الأسهم أو العكس.

خفض سعر الفائدة للبنك المركزي يرفع سعر السوق للسندات والأسهم والمنازل بنفس الطريقة، للحفاظ على تناسق معدلات العائد.

وقد استخدم بعض خبراء الاقتصاد هذا المبدأ لتحديد فقاعة الاسكان قبل انهيار عام 2007 ، إذ ارتفعت نسبة أسعار المنازل للايجارات إلى ما هو أعلى مما يمكن تبريره بتكاليف الفائدة.

في المراجعة الفصلية الأخيرة، تناول بنك التسويات الدولية تأثير سوق الإسكان المعطل على السياسة النقدية.

من الناحية المثالية، ينبغي أن يستجيب المطورون العقاريون للأسعار المرتفعة الناتجة عن انخفاض أسعار الفائدة ببناء المزيد من المنازل وتوظيف مزيد من العمال، مما يخلق ضغوطاً تضخمية، بينما يجب أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى تأثير معاكس.

ومع ذلك، فإن هذه الاستجابة قد تضاءلت مع مرور الوقت.

فوفقاً لحسابات المؤلفين، خلال السبعينيات، أدى ارتفاع بنسبة 1% في أسعار المنازل إلى زيادة بنسبة 6% في البناء الجديد، بينما انخفضت هذه النسبة إلى 4% بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ويُرجع ذلك إلى مزيج من تشديد القيود التنظيمية على استخدام الأراضي وانخفاض الإنتاجية في قطاع البناء.

بدلاً من تحفيز الاستثمار، تعمل السياسة النقدية من خلال قنوات أخرى، حيث يتم بناء منازل جديدة أقل، وتصبح المنازل القائمة أكثر تكلفة.
بينما تتكيف أسعار العديد من الأصول بشكل شبه فوري مع تغييرات السياسة النقدية، فإن سوق الإسكان يحتاج إلى وقت أطول، فقد يستغرق الأمر شهوراً أو حتى سنوات لإتمام شراء أو بيع عقار.

ووجد باحثو “بنك التسويات الدولية” أنه في المناطق التي يستجيب فيها العرض السكني للأسعار المرتفعة، يحدث تغيير مفاجئ في أسعار المنازل؛ إذ ترتفع بنسبة حوالي 1.5% خلال سنة واحدة بعد خفض أسعار الفائدة بنسبة نقطة مئوية واحدة، وتنخفض نسبة الإيجارات إلى الأسعار ثم تستقر.

ولكن عندما يكون البناء بطيئاً في الاستجابة، تستمر أسعار المنازل في الارتفاع.

السبب قد يكون أن المشترين المحتملين يتوقعون أن تستمر أسعار المنازل في الارتفاع مستقبلاً، مما قد يعوض عن انخفاض العائد.

بدلاً من تعزيز البناء، يحصل مالكو المنازل على مكاسب غير متوقعة وينفقون مزيدا من الأموال ، مما يولد ضغوطاً تضخمية عبر قناة مختلفة.

على سبيل المثال، قد ينفقون على المطاعم والعطلات، مما يؤدي إلى رفع الأجور في تلك الصناعات.

هذا لا يعني أن الشباب المستأجرين المحبطين يجب أن يعولوا على ارتفاع أسعار الفائدة لخفض الأسعار وجعل امتلاك المنازل في متناولهم. فالسياسة النقدية تغير من جاذبية امتلاك المنازل.

وقد تناولت ورقة بحثية أعدها دانيال جرينوالد من جامعة نيويورك وآدم جورين من جامعة بوسطن، كيفية التفاعل بين سوق الإيجار وسوق شراء المنازل.

نظرياً، مع ارتفاع أسعار المنازل، ينبغي أن يكون الملاك أكثر استعداداً لبيعها للمشترين المحتملين.

كما أن دخول مزيد من البائعين إلى السوق من شأنه أن يخفف بعض الضغط التصاعدي على أسعار المنازل بعد انخفاض تكاليف الائتمان.

كما يعني ذلك إمكانية زيادة معدل ملكية المنازل حتى إذا لم يتم بناء الكثير من المنازل الجديدة، لكن في الواقع، لا يتحقق هذا التأثير. فسوق الإيجار وسوق ملكية المنازل شبه منفصلين تماماً.

close